أفراد من عشيرة آل زياد ترمي القوة الأمنية بالحجارة/ الصورة من فيديو متداول على فيسبوك
أفراد من عشيرة آل زياد ترمي القوة الأمنية بالحجارة/ الصورة من فيديو متداول على فيسبوك

قوة أمنية عراقية متكونة من أربع عجلات همر تضم بداخلها أفراد من الشرطة، حاولت التدخل لإيقاف رمي عشوائي كان يقوم به أفراد عشيرة "آل زيّاد" خلال تشييع شيخهم المتوفي في منطقة تقع على أطراف مدينة السماوة بمحافظة المثنى (جنوب العراق).

قام أفراد العشيرة برمي القوة الأمنية بالحجارة، حاول سائق العجلة الأولى تغيير مسار عجلته.

نجا بأعجوبة من سيل الحجر المرمى على عجلته من قبل أفراد العشيرة، لكن الوقت والحظ لم يسعفا منتسبا أمنيا كان مترجلا خارج العجلة، حيث وقع أسيرا في قبضة أفراد العشيرة الغاضبين.

هذا ما يظهره مقطع فيديو مصور بهاتف أحد أفراد العشيرة، والذي تم تداوله بشكل موسع على مواقع التواصل الاجتماعي.

 

رواية شاهد عيان

ويؤكد تفاصيل الحادثة التي حصلت الأربعاء 11 أيلول/سبتمبر، الناشط المدني ماجد أبو كلل، والذي كان شاهدا على الحادث.

ويضيف أبو كلل تفاصيل أخرى في حديث لموقع (ارفع صوتك) بقوله، "كان أفراد العشيرة مسلحين ويريدون تشييع شيخهم الذي توفي في ذلك اليوم، ومن عاداتهم إطلاق النار في التشييع وفقا للتقليد العشائري المعروف بالعراضة".

وفي "العراضة" يقوم أفراد العشيرة بإطلاق الرصاص عشوائيا في الجو أثناء حمل نعش المتوفي وتوديعه إلى المقبرة.

حاولت القوة المتكونة من أربع عجلات سيارة "هامر" منعهم من الرمي وطلبت منهم إعادة السلاح إلى المنزل، رفض أفراد العشيرة الامتثال لأوامر القوة وتطور الموضوع إلى التفاصيل المذكورة آنفا، وفقا لأبو كلل.

ويتابع "الحمد لله تصرفت القوة الأمنية بحكمة وهدوء ولم تتعامل بالقوة، لأن الشباب المسلحين كانوا متهورين وربما كانت ستتحول الحادث إلى مجزرة".

خصوصا وأن "أعداد كبيرة من المسلحين قدمت إلى مكان الحادث وكانت مصرّة على استخدام السلاح"، على حد تعبير الناشط المدني أبو كلل.

 

العشيرة اقتصاد وسلاح

ويعلق الخبير بشؤون الجماعات المسلحة هشام الهاشمي على ما ورد في هذا الفيديو الذي نشره على صفحته، "‏لقد ظننا أننا تجاوزنا سلطة العشيرة. وكان حلمنا مثل حلم المواطن المحترم- ما بعد 2003- أن الدولة الديمقراطية احتكرت السلاح وعزلت العشيرة بمحمية الماضي والتراث".

ويتابع "لكن في عام 2019 أصبحت العشيرة تملك اقتصاداً وسلاحا ثقيلا وتفاوض الحكومة، واليوم تخطف جنديا اثناء مهمة فرض القانون"، معتبرا سبب ما يحدث هو أن "الدولة الديمقراطية اندثرت سلطتها وغابت عن الواجهة وظلت العشيرة تنمو وهي الفاعل الأكثر تمردا على القانون".

وفي حديثه لموقع (ارفع صوتك) يقول الهاشمي "ما حصل يسمى في القانون التمرد المكشوف. والمشكلة ليست فقط في العشيرة بل هي مركبة، فالقوات مدربة على مثل هذه الحوادث ولديها قانون لكنها لا تستطيع مواجهة التمرد العشائري".

ويرى الهاشمي أن فرق الطوارئ وقوات الرد السريع في المحافظات ممكن أن تسيطر على التمرد المكشوف، لكنها تحتاج إلى دعم وتحفيز من قبل الحكومة والقضاء والمجتمع المدني.

 

العشيرة ملجأ للسياسيين

وكان شيوخ العشائر، بما فيهم عشيرة آل زيّاد، قد وقّعوا اتفاقية صدرت بتوجيه من المرجعية الدينية في النجف، تقضي بعدم استخدام السلاح والرمي العشوائي في أي مناسبة.

يقول الناشط أبو كلل "يجب أن نعترف أن قوة العشيرة أصبحت أقوى من القانون، بل إن أعضاء في البرلمان عندما يحصل بينهم خلاف يلجؤون إلى العشيرة وليس إلى القضاء"، مضيفا "سلطة العشيرة سيف مسلط على رقاب الجميع وهذا يحتاج إلى وقفة شجاعة من قبل مراكز القرار الحكومي والاجتماعي".

وكان أفراد من عشيرة آل فتلة التي تنتمي إليها حنان الفتلاوي، مستشارة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، قد هددت خلال مهاجمتها أحد أقارب عضو مجلس النواب فائق الشيخ علي، بالثأر العشائري بسب تغريدة له يصف بها إحدى السيدات السياسيات، دون ذكر اسمها بأوصاف لاذعة فقط، وفق ما نقلته صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي.

 

وهو ما أكده النائب الشيخ علي، الذي قال إنه "سيتم مقاضاة المهاجمين وعددهم 17 شخص".

 

يعلق الخبير الهاشمي "أفراد القوات الأمنية يخشون التصادم مع العشائر لأن ذلك يؤدي إلى مشاكل أخرى مثل "تهديد عوائل المنتسبين أو ملاحقتهم عشائريا".

ويتابع "يحب أت تكون قوات مكافحة التمرد العشائري من محافظات أخرى بل يكتفون بأفراد المحافظة لأنهم ينتمون لتلك العشائر وبالتالي لا تؤدي إلى حالات تمرد مكشوفة. 

"سنتعامل بشدة"

لكن رئيس اللجنة الأمنية في مجلس محافظة المثنى أحمد المرزوك فيؤكد أن "الأفراد الذين هاجموا القوات الأمنية ورموا الحجارة عليها والذين شاركوا بأسر الفرد الأمني تم تشخيصهم واعتقالهم، وتتخذ بحقهم حاليا الإجراءات القانونية من أجل محاكمتهم".

ويوضح المرزوك "الحادثة عرضية وليس فيها إصابات وهي غير مسبوقة في المثنى، وتم التعامل معها بقوة"، مضيفا في حديث لموقع (ارفع صوتك)، أن "الإجراءات المتخذة شديدة ولن تتكرر في السماوة، ولن نسمح لها أن تصل إلى ما وصل إليه التمرد العشائري في البصرة".

ويرى المرزوك أن الأشخاص الذين يخشون الملاحقة العشائرية يجب أن "يبعدوا عن سدة المسؤولية".

ويضيف أنه لا توجد عشيرة تتبنى التمرد والخروج عن القانون، لأنها جزء من المجتمع وأبناؤها ضباط ومنتسبون في القوات الأمنية وموظفون في الدولة، لكن ما يحصل هي "خروقات فردية".

ويتابع "وضع البصرة أكثر تعقيدا من باقي محافظات العراق، فالوضع الاقتصادي مختلف وهناك تدخل خارجي واضح في شؤون إدارة البصرة".

ويختتم رئيس اللجنة الأمنية حديثه بالقول "الأجهزة الأمنية قادرة على فرض النظام وبقوة ومكافحة العصابات مهما كان حجمها".

 

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.