جالسا على الأرض، يرتشف نفسا عميقا من سيجارته. أبو أحمد مواطن فلوجي في العقد السادس من عمره.
ينظر إلى الأرض بعينه التي تحول بيضاها إلى اللون الأحمر القاتم بسبب الضغط النفسي الذي حرمه النوم.
يقول لكاميرا موقع (ارفع صوتك) بعد أن يسحب ابنه إلى يساره "لا أعيش حياة كريمة وكأنني لست عراقيا"، متسائلا "هل هذه حالة التي تعيشها زوجتي أم أحمد؟ وهل هذا حال العراقيين؟".
يشير إلى ابنه ويستمر بتساؤله "أبسط مثال هذا ابني، هل هذا حال يعيشه طفل عراقي؟".
يبحث أبو أحمد عن علاج لزوجته التي تعاني من تصلب في العصب أفقدها الحركة والنطق.
يروي أبو أحمد "عندما كنا في الفلوجة كان وضعنا طبيعيا. وبعد التهجير مرضت زوجتي أم أحمد، لم أترك خيار طبيب أو علاج، جربتها كلها"، مضيفا أنه بسبب الأسعار المرتفعة وكذلك أجور الأطباء "لم أعرف إلى أين ألتفت، للمعيشة أم للتهجير أم لعلاج أم أحمد".
وصل أبو أحمد إلى "مرحلة الملل من الوضع، وبدأت تراوده "فكرة الانتحار" هربا من الواقع الذي يعيشه".
يقول المواطن الفلوجي "عندما عدنا إلى الفلوجة توقعنا أن نجد الأوضاع جيدة، لكن حالة أم أحمد ساءت أكثر".
حاول البحث عن حل، وعرض كليته للبيع لكنها لم تأتِ بسعر يكفي علاج حالة زوجته التي تحتاج إلى مبلغ ثلاثين ألف دولار أميركي.
يوضح أبو أحمد "لم أترك طبيبا، كنت أقترض الأموال من هنا وهناك، وفي النهاية أخبرونا أن علاجها في أميركا ويكلف 30 ألف دولار".
ويتابع "أنا ساكن بالإيجار والحمد لله، وأشكر الحكومة أني لا أمتلك حتى منزل، وهي لم توفر لي حتى فرصة العلاج لزوجتي".
لا خدمات ولا احترام
المفوضية العليا لحقوق الإنسان تعتبر أن "الإهمال في القطاع الصحي وصل مرحلة الخطر على الإنسان في العراق".
يقول عضو المفوضية علي البياتي إن "المريض أو المواطن عندما يفقد الثقة بأهم مؤسسة خدمية هذا مؤشر خطر، وعندما يلجأ وهو مضطر إلى هذه المؤسسة ولا يجد الاحترام والخدمة الطبية هذا أمر أخطر"، مضيفا في حديث لموقع (ارفع صوتك) أن "الفشل الموجود في أداء الخدمات الطبية والانهيار الموجود في المؤسسة الصحية هو واقع خطر".
ويتابع "هناك إهمال من قبل صناع القرار في أهم ملف يحتاجه المواطن العراقي بل وهو حق من حقوقه التي كفلها الدستور".
ويتابع "عند مقارنة حجم الميزانيات المالية المرصودة لهذا القطاع مع حجم الخدمات المقدمة نجد دليل واضح لا يقبل الشك على وجود مافيات فساد في وزارة الصحة".
الصحة لا ترد
حاولنا التواصل مع وزارة الصحة للحصول على رد رسمي بشأن ما يرد من اتهامات للوزارة بالتقصير والإهمال، لكن المتحدث باسم الوزارة سيف البدر، الشخص المخول الوحيد بالتصريح باسم وزارة الصحة، رفض التعليق على الموضوع.
في هذه الأثناء، قدم وزير الصحة علاء العلوان استقالته إلى رئيس الحكومة عادل عبد المهدي، اعتبارا من يوم الخميس الموافق 12 أيلول 2019، بسبب ضغوط سياسية تعرض لها، بحسب تعبيره.
وقال العلوان في طلب استقالته الذي نشرت وكالة الأنباء العراقية الرسمية، الأحد، نسخة منه إنه "تعرض لابتزاز وحملات تضليل إعلامي هدفها التغطية على الفساد الموجود في الوزارة".
وفي طلب الاستقالة، يذكر العلوان "على الرغم من التغير الإيجابي في عمل الوزارة والحاجة الماسة للاستمرار على نفس المنهج، تحيط بعملي خلال الفترة المنصرمة عقبات ومعوقات عديدة يضعها من يقحم التدخلات والضغط السياسية في عمل الوزارة"، مضيفا "ومن تتعارض مصالحه مع هذا التغيير ومن لا يريد أن ينهض القطاع الصحي (...) ولا شك أن بعض هؤلاء هم من تضرروا بالإدارة الشفافة والرشيدة التي تميزت بها هذه الفترة ولجأوا إلى التشهير في وسائل الإعلام".
ويتابع "يؤسفني أشد الأسف أن أصل إلى قناعة راسخة بعدم إمكانية الاستمرار في ظل هذه الظروف وأن أتقدم باستقالتي من مسؤوليتي كوزير للصحة والبيئة".
أين الرقابة؟
وحول موضوع استقالة العلوان، يعلق عضو مفوضية حقوق الإنسان علي البياتي أنه من الضروري أن تكون هناك "مكاشفة للأوراق أمام الشعب العراقي لكي يعرف ماذا يحصل، وإلا ما فائدة الكلام".
ويضيف البياتي "من الغريب أن مسؤولين على مستوى الخط الأول في إدارة العراق عندما تكون هناك ضغوطات من قبل الفاسدين يلوحون بالاستقالة، أعتقد أن من يترشح لمثل هذا المنصب يدرك حجم التداخلات السياسية والفساد الموجود في تلك المؤسسات".
ويتساءل البياتي "أين دور المؤسسات الرقابية؟ من الفاسد ومن المفسد ومن سيحاسب الفساد؟"، مختتما "هناك ديوان الرقابة المالية وهيئة النزاهة ومجلس النواب، ولكن لا توجد محاسبة".