رغم مضي أكثر من عامين على تحريرها من قبضة تنظيم داعش، لا زالت الناجية الأيزيدية، حلا سفيل عمو، تنتظر من يمكّنها اقتصاديا كي توفر لقمة العيش لها ولمن تبقى من عائلتها التي تعرضت للإبادة على يد التنظيم إبان سيطرته على مدينة سنجار غرب الموصل عام ٢٠١٤.
قتل تنظيم داعش والد حلا وأحد أشقائها خلال سيطرته على مجمع تل قصب التابع لقضاء سنجار في آب/أغسطس من عام ٢٠١٤، فيما نجا شقيقها الثاني من المجزرة التي نفّذها التنظيم ضد رجال وشباب المجمع، واختطف نساءهم وكانت حلا ووالدتها وشقيقاتها وقريباتها ضمن آلاف المختطفات اللاتي أخذهن مسلحو التنظيم إلى تلعفر غرب الموصل، ثم نقلوا من سجن لآخر بين المدن والبلدات التي كان التنظيم يسيطر عليها في سوريا والعراق.
شهدت حلا كغيرها من المختطفات الأيزيديات خلال ثلاث سنوات قضتها مختطفة لدى "داعش" كافة أنواع العنف الجنسي والبدني والعنف المبني على أساس النوع المعروف بالعنف الجندري وبيعت لعدة مرات، فخلفت هذه الظروف آثاراً نفسية وجسدية عميقة عليها.
حلا تختلف عن غيرها من الناجيات الأيزيديات، فهي تمكنت من إيجاد فرصة عمل كمنظفة في المركز الصحي الذي يقع داخل مخيم بيرسفي للنازحين في محافظة دهوك بإقليم كردستان منذ تحريرها عام ٢٠١٧ وحتى الآن.
بعد انتهائها من التأهيل النفسي والطبي الذي تخضع له الناجيات بعد تحريرهن، بدأت حلا التي لم يتبق من عائلتها سوى شقيق واحد وثلاث شقيقات جميعهن ناجيات، بالبحث عن العمل لكنها لم تتمكن من إيجاد أي فرصة لأنها لا تمتلك شهادة دراسية، فضلاً عن بعد مكان إقامتها من مراكز العمل في دهوك، رغم ذلك لم تستسلم واستمرت إلى أن حصلت على فرصة عمل في المركز الصحي داخل المخيم.
تقول حلا "أنا قوية ولن أكون ضعيفة، فما شهدته من ظروف صعبة تمثلت بالتعذيب والاغتصاب وكافة أشكال العنف الجنسي والجسدي والإهانات على يد إرهابيي تنظيم داعش لا تتحملها الجبال، لذلك العمل يساعدني كثيرا في البقاء قوية"، مضيفة في حديث لموقع (ارفع صوتك) "سيجعلني عملي مثالا للناجيات الأخريات كي يعملن ولا يستسلمن لليأس، فقضيتنا بحاجة إلينا أقوياء لنوصل صوتنا إلى العالم".
لا تخفي حلا خشيتها من فقدان عملها الحالي بسبب انتهاء عقد العمل مع المركز الصحي الذي تموله منظمات دولية، لكنها في الوقت ذاته تؤكد أنها لن تستسلم لليأس، وستواصل البحث عن العمل وإيجاد مصدر رزق تتمكن الاعتماد عليه مستقبلا.
وتطالب حلا المجتمع الدولي بالعمل على تشكيل لجنة تشرف عليها الأمم المتحدة بالتنسيق مع الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان والأحزاب في سوريا للبحث عن المختطفات والمختطفين الايزيديين في مخيمات النازحين بسوريا، ومنها مخيم الهول قبل عودة النازحين الى مناطقهم، معربة عن استعدادها وذوي المختطفين الآخرين للمشاركة والتعاون مع هذه اللجنة إذا سُمح لهم بذلك.
وإلى جانب عملها في المركز الصحي تُشجع حلا الناجيات الأخريات على العمل والمشاركة في النشاطات الثقافية والبقاء أقوياء، وقد شاركت في آذار/مارس الماضي في مؤتمر دولي للناجيات عقد في لوكسمبورغ بمشاركة ناجيات من ١٨ دولة حول العالم، حيث كانت شاهدة عيان على جرائم الإبادة الجماعية التي نفذها مسلحو تنظيم داعش الإجرامي ضد الايزيديين في العراق.
وبلغ عدد الأيزيديين الذين اختطفهم تنظيم داعش بعد سيطرته على قضاء سنجار و٦٤١٧ مختطفا، شكلت الإناث ٣٥٤٨ منهم، بينما بلغ عدد الذكور ٢٨٦٩ مختطفا، وفقا لأحدث إحصائية صادرة عن مكتب انقاذ المختطفين الأيزيديين في إقليم كردستان العراق.
وأشارت الإحصائية إلى أن أعداد الناجين والناجيات بلغ ٣٥١٥ أيزيديا، شكلت النساء ١١٩٢ منهم، بينما شكل الأطفال من كلا الجنسين والرجال ما تبقى من عدد الناجين.
وأكد مكتب انقاذ المختطفين الأيزيديين في إقليم كردستان في إحصائية الصادرة في ٨ أيلول/سبتمبر الحالي أن "٢٩٠٢ ايزيديا من كلا الجنسين ما زالوا مختطفين لدى تنظيم داعش".
التأهيل النفسي لا يكفي
وتشير الطبيبة النسائية الأيزيدية نغم نوزت، التي تشارك منذ عام ٢٠١٤ وحتى الآن في عمليات إعادة تأهيل الناجيات الأيزيديات طبيا ونفسيا، إلى أن "الإحصائيات غير الرسمية تؤكد أن نحو ٩٧ في المئة من الناجيات عاطلات عن العمل".
وتابعت نوزت لموقع (ارفع صوتك) "تحسين الوضع الاقتصادي مهم جدا للناجية كي يكون جزءً من علاجها النفسي، لكن غالبية المنظمات اهتمت بالوضع الطبي وتقديم الدعم النفسي للناجيات فقط، وهذا غير كاف لمعالجتهن من دون وجود تمكين اقتصادي لهن"، لافتة إلى أن "المنظمات الدولية لم تهتم حتى الآن بقضية تمكين الناجيات اقتصادياً".
وتدعو الطبيبة نوزت المنظمات الدولية والمحلية العاملة في الميدان إلى تنفيذ مشاريع تمكين الناجيات اقتصاديا بشكل مشترك لأن المنظمات المحلية خصوصا الأيزيدية هي الأعرف والأقرب من معاناة الناجيات وواقع معيشتهن.
تعيش غالبية الناجيات الأيزيديات في ظروف معيشية صعبة، وفقد غالبيتهن عائلاتهن ومن كان يعيلهن في السابق قبل حملة الإبادة التي شنها مسلحو داعش على سنجار والمناطق ذات الغالبية الايزيدية في محافظة نينوى شمال العراق، لذلك يؤكد خبراء اقتصاديون ضرورة تمكين الناجيات اقتصاديا للتخفيف من الثقل على كاهلن.
يوضح الخبير الاقتصادي خطاب عمران الضامن أن "عملية تأهيل الناجيات وتمكينهن اقتصادياً تتطلب اتخاذ حزمة من الإجراءات والقرارات من قبل الحكومة العراقية"، مؤكداً في حديث لموقع (ارفع صوتك) ضرورة "دعم الناجيات الايزيديات وتمكينهن نفسيا واقتصاديا"، ولفت إلى أن ذلك يجب أن يكون من أهم أولويات الحكومة العراقية من أجل طي صفحة تنظيم داعش والتأسيس لدولة مدنية تتمتع مكوناتها بالحرية والعدالة في توزيع الحقوق والواجبات".
وحدد الضامن هذه الإجراءات بمعالجة الأضرار النفسية التي تعرضت لها الناجيات بسبب العنف والاغتصاب من قبل تنظيم داعش، وتنفيذ برامج دعم نفسي وتمكين وإعادة الثقة بالنفس، ومعالجة الأوضاع الاجتماعية لأولاد الناجيات، ومنحهم الجنسية العراقية وتوفير الرعاية الصحية وفرص التربية والتعليم لهم، إلى جانب شمول الناجيات برواتب شبكة الرعاية الاجتماعية لضمان مستوى معيشة مناسب لهن، وتنفيذ برامج تأهيل وتعليم مهني وتجاري يعمل على تعليم الناجيات وـولادهن فنون المهن التي يمكن للنساء ممارستها، فضلا عن تقديم قروض مدعومة لهن لمساعدتهن على افتتاح مشروعات واعمال جديدة تحسن من اوضاعهن الاقتصادية.
ورغم إعلان رئاسة الجمهورية العراقية في نيسان/أبريل من العام الحالي إرسال مسودة مشروع قانون الناجيات الأيزيديات إلى مجلس النواب لغرض مناقشته وإقراره، إلا أن مجلس النواب لم يصوت على هذا القانون حتى الآن، بسبب مجموعة تعديلات أجراها مجلس الوزراء على القانون بعد عرضه للمناقشة خلال الأشهر الماضية.
ويتويق مراقبون أن يصوت مجلس النواب على هذا القانون قريبا.
ووصف علي أكرم، عضو المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق، تعاطي الحكومة العراقية مع الناجيات بأنه "لم يرق إلى الحد الأدنى من الجانب الإنساني"، مؤكدا عدم وجود أي استراتيجية واضحة وسياسة للتعامل مع هذا الملف حتى هذا اليوم.
وأضاف أكرم لموقع (ارفع صوتك) "أبدينا ملاحظاتنا حول هذه المسودة وطالبنا بأن تكون عامة وشاملة ومنصفة كي تشمل كل الناجيات الأيزيديات والتركمانيات وكل القوميات، وأن تكون قانونا وطنيا يلبي احتياجات كل الناجيات".
وبين أكرم أن مسودة قانون الناجيات عُدل من قبل مجلس الوزراء في إحدى جلساته مؤخرا، وأقترح ربط مهمة التعامل مع ملف الناجيات بوزارة العمل والشؤون الاجتماعية كونها الجهة الرئيسية لمنح الرواتب للفئات دون مستوى الفقر وباعتبار وجود العديد من مراكز التعديل في الوزارة وهناك إمكانية منح قروض للفئات التي تتعامل معها الوزارة، معربا عن أمله في أن يرى القانون النور بشكل سريع وتكون هناك سياسة واضحة للتعامل مع هذا الملف.