شاب عراقي نازح من الرمادي
شاب عراقي نازح من الرمادي

في منتصف سنة 2014، بدأت موجة نزوح هائلة في العراق بلغت ذروتها في أبريل 2016 بوصول عدد اللاجئين إلى قرابة 3 ملايين ونصف. تزامن ذلك مع اشتداد المعارك ضد تنظيم داعش في أكثر من محافظة عراقية.

اليوم ما يزال أكثر من مليون ونصف مليون نازح عراقي لم يعودوا إلى منازلهم.

منظمة الهجرة الدولية، التابعة للأمم المتحدة، تتبعت مسار قرابة 4000 عائلة عراقية خلال رحلتها نزوحها الطويلة عبر السنوات الماضية.

تقول المنظمة إنه رغم أن أوضاع النازحين تحسنت مع مرور الزمن، إلا أن هذا لا يعني التوصل إلى "حلول دائمة" لمشكل النزوح في العراق وإن ما تم لحد الآن هو "حلول مؤقتة" فقط.

ومن بين مجموع الأسر التي قابلها الباحثون في أربع محافظات عراقية، هي بغداد والبصرة وكركوك والسليمانية، قال أكثر من النصف (53 في المئة) إن هدفهم الرئيسي على المدى الطويل هو العودة إلى مناطقهم، فيما ينوي 26 في المئة فقط الاستقرار في أماكنهم نزوحهم.

شملت الدراسة 4000 أسرة نازحة في أربع محافظات عراقية

وحددت الدراسة، التي وصلت الآن جولتها الرابعة وشاركت فيها جامعة جورج تاون الأميركية، ثمانية معايير لقياس مدى وجود حلول دائمة لملف للنازحين. هذه المعايير هي: السلامة والأمن، مستويات المعيشة، التوظيف، السكن، الانفصال الأسري وإعادة لم الشمل، الوثائق، المشاركة في الشؤون العامة، والوصول إلى العدالة.

وقال الدارسة إن أوضاع النازحين تحسنت مع الوقت في المعايير الثمانية لكن هذا لا يعني الوصول إلى حلول دائمة.

ويعتبر ملف السلامة والأمن أكبر الملفات التي حقق فيها النازحون تحسنا كبيرا، إذ قال 95 في المئة منهم إنهم يشعرون بالأمان في أماكنهم الجديدة.

وانطلقت الدراسة سنة 2016، ويتوقع أن يقود الباحثون جولة خامسة قريبا.

وفي معيار مستوى المعيشة، قال أكثر من ثلثي المستجوبين (72 في المئة) إنهم يستطيعون توفير حاجياتهم الأساسية، بل إن 70 في المئة قالوا إنهم يعيشون في نفس مستوى العيش الذي كانوا عليه قبل اللجوء.

لكن المشكلة تكمن في أن الاقتراض يبقى "الوسيلة الرئيسية لتوفير الحاجيات الأساسية"، كما تؤكد الدراسة. وأشار 95 في المئة أنهم يحتاجون إلى اقتراض الأموال، لكن الذين حصلوا فعلا على قروض يبقى في حدود النصف.

وأوصت الدراسة الحكومة العراقية بتعزيز قطاع القروض والتمويلات الصغرى وتسهيل فرص حصول النازحين على قروض لتدبير أوضاعهم.

وأكد معظم رؤساء الأسر النازحة التي تم استجوابها (98 في المئة) أنهم يعملون لكن أكثر من ثلثهم يعملون في القطاع غير المهيكل.

وحتى العائدون إلى مناطقهم، قال 80 في المئة منهم إنهم رجعوا إلى وظائفهم السابقة. لكنهم مع ذلك يجدون صعوبة في العيش، خاصة بسبب الدمار الذي لحق مساكنهم.

وقالت الدراسة إن الزراعة، التي كانت تشكل قطاعا حيويا في العراق، لم تتعاف أبدا من تداعيات الحرب. وأوضح 28 في المئة من المستجوبين أنهم كانوا يعملون في الزراعة قبل اضطرارهم إلى النزوح. أما الآن، فلا يتعدى العاملون منهم في هذا القطاع 0.5 في المئة.

ودعا الباحثون الدولة العراقية إلى إيلاء أهمية قصوى لقطاع الزراعة، خاصة في المناطق التي تضررت بسبب داعش عبر توفير وسائل الري وإزالة الألغام وتقديم قروض للفلاحين.

ويسكن 82 في المئة من النازحين الموجودين خارج المخيمات في منازل مؤجرة، بعدما كان 80 في المئة منهم يملكون منازل قبل اللجوء. وقال أكثر من نصف هؤلاء (57 في المئة) إن منازلهم تعرضت لدمار شديد.

وأوصت الدارسة الحكومة العراقية بضرورة توفير البنية التحتية وأدوات البناء في المناطق المتضررة حتى يتمكن النازحون الراغبون في العودة من إعادة بناء منازلهم المدمرة.

وفي ملف الوثائق الثبوتية، قال 4 في المئة فقط إن وثائقهم الثبوتية ضاعت.

 وقال 5 في المئة إن أسرهم ما تزال مشتتة بسبب النزوح.

ورغم صعوبة الأوضاع، قالت الدراسة إن أكثر من نصف رؤساء الأسر النازحة (55 في المئة) صوتوا في الانتخابات البرلمانية الماضية سنة 2018.

وفيما يتعلق بالتعويضات، قدمت قرابة 50 في المئة من الأسر طلبات بهذا الشأن بحلول الجولة الرابعة التي قام بها معدو الدراسة نهاية العام الماضي. وهو تطور مهم مقاربة بـ 5.4 في المئة خلال الجولة الثالثة صيف سنة 2017.

لكن 1 في المئة فقط من الأسر تلقت تعويضات. وحثت الدراسة الحكومة العراقية على تسريع مسطرة التعويضات.

وفي مؤشر العدالة، قال 55 في المئة إنهم يريدون المتابعة القضائية للمجرمين. ولاحظت الدراسة رغبة واضحة لدى النازحين في الاعتماد على المؤسسات القضائية الرسمية، بدل الحلول العشائرية.

 

 

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.