"في كل مرة يبدأ العراق بالتفكك، فالنساء هن من يقمن بالمهمة الأصعب لإعادة لملمته" تختتم الإعلامية الأميركية- المصرية هناء علّام مقالتها، التي تروي تجربتها في العراق أثناء تغطيتها الغزو الأميركي عام 2003.
والمقالة إلى جانب 18 مقالة لصحافية أخرى، قوام كتاب "نساؤنا على الأرض" باللغة الإنجليزية، يتناول تجاربهن خلال التغطية الإعلامية في مناطق النزاع أو الحروب.
وإذ تبدأ علّام، التي تعمل مراسلة صحافية مختصة بقضايا التطرف في مؤسسة "NPR" الإعلامية، بسؤال "ماذا يعني أن تكوني امرأة هناك (العراق)؟ فإنها تسرد حال النساء العراقيات في الحرب، وفق ما اطلعت عليه من تجارب.
ورغم أن ما كتبته يستعيد تجربة مضى عليها أكثر من 10 أعوام، إلا أن العراق لم يخرج بعد من أزمة الحرب والوضع الأمني غير المستقر لغاية الآن. وحين نقرأ قصص النساء في مقالها، بمعزل عن الوقت، قد نشعرها قصصاً حالية.
نساء الحرب
ويمكن تلخيص المقالة بـ"صور النساء" خلال الحرب، إن جاز التعبير، وهي كالآتي:
- الأرامل، حيث أغلب ضحايا الحرب من الرجال، وهنّ الزوجات اللاتي أصبحن في طرفة عين، المعيلات لأسرهن. وبسبب الفقر، اضطرّت الكثير منهن لتوقيع عقود زواج "متعة".
تذكر علّام قصة امرأة اسمها نسرين، كانت تشعر بالعار لأنها اضطرت لذلك، من أجل أطفالها الخمسة، حيث كانت تحصل على 15 دولاراً ومواد غذائية وبعض الملابس لأطفالها كل شهر، مقابل الزواج المؤقت، الذي يعتبر "شرعياً" وفق بعض الشيعة.
- الأمهات اللواتي يمشين عبر الأهوار الجنوبية حاملات أكياس القصب على ظهورهن المنحنية، باتجاه أماكن الانفجارات، باحثات عن أبنائهن وسط الجثث المتناثرة.
- الصحافيات اللواتي خاطرن بحياتهن في سبيل تغطية إعلامية دقيقة لوقائع الحرب، ومنهن تم تكريمه أو حصل على جوائز عالمية.
وتذكر علام منهن، سحر، التي أوضحت سبب اختيارها العمل الخطر، خلال خطاب التكريم عام 2007 "لأنني تعبت من وسمي كإرهابية، تعبت من عدم اعتبار خسارة أي إنسان، خسارة.. هذه مسؤوليتنا لعمل أقصى ما نستطيع للحصول على إجابات، ولو تطلب منّا ذلك الحفر عميقاً بأيدينا العارية".
- المترقبّات للمجهول، حيث ازداد عدد المركبات المتفجرة بين المدنيين، ما جعل أي مركبة محط شبهة، والخوف من أن تنفجر خلال لحظات.
- الباحثات عن استراحة وسط أجواء العنف والحرب، من خلال الموسيقى والرقص أو حتى الجلوس بهدوء وطلاء الأظافر على وقع أصوات الانفجارات.
- المتمردات الرافضات للتطرّف الديني وغير المنصاعات للتهديد، مثل العديد من الطالبات الجامعيات اللواتي ذهبن للجامعة بتنانيرهن الضيقة من دون حجاب. حيث انتشرت في حينه منشورات محرضة ومتوعدة بالقتل للنساء غير المحجبات.
- غير المستسلمات للواقع الذي قد يحول دون تحقيق أحلامهن، مثل طبيبة الأسنان التي ذكرتها علام وقالت إنها رفضت البقاء في البيت، وفضلت عليه التجول من بيت لبيت وعرض خدمتها الطبية لمن يحتاجه.
سألتها علام "هذا جنون! من يطرق أبواب الغرباء في حرب أهلية" لتجيبها الطبيبة الشابة "أنا".
- المشتاقات لممارسة الحياة العادية قبل تلك المرحلة، كالتسوق دون خوف من الاختطاف أي لحظة، أو شرب الشاي على شرفة المنزل دون سماع أزيز رصاص أي قنّاص، أو السياقة من دون توقيف على الحواجز.
- العاملات بلا كلل لجعل الأيام تمضي بسلاسة حتى في أحلك الظروف.
- المحاصرات كما صار في واقعة صيف سنة 2004، حين حوصرت مجموعة كبيرة من النساء في مرقد الإمام علي في مدينة النجف من قبل القوات الأميركية، بلا طعام وخوف كبير على أقاربهن في الخارج.
وتروي علام عن امرأة تدعى سليمة، كانت تبكي في المرقد، فقالت لها "لا تخافي يا خالة" ، لتعرف أنها لم تكن خائفة على حياتها بل من مشهد الجثث المشوهة التي دخلت المرقد لرجال النجف، وفي نفس الوقت قالت "وهؤلاء الجنود المساكين (الأميركان) أليس لهم أمهات بانتظار عودتهم لبيوتهم".
وكانت القوات الأميركية هاجمت في ذلك الوقت بيت مقتدى الصدر وحاصرت المرقد، مغلقة كل المداخل له، وأسفرت الاشتباكات المسلحة هناك عن مقتل أكثر من 250 عراقياً.
رسالة لصحافيات "مجهولات"
عاشت الصحافية هناء علام حتى مرحلة الدراسة الثانوية، في العالم العربي، متنقلة مع عائلتها بين مصر والسعودية والإمارات.
ورغم هذه المدة، قبل الانتقال للولايات المتحدة والاستقرار فيها لغاية الآن، شعرت علّام بأنها "غريبة" بادئ الأمر في العراق، إذ منحتها تغطية الحرب فرصة العودة للشرق الأوسط مرة أخرى.
تقول علام لـ"ارفع صوتك": "كانت هناك دلالات ثقافية وعربية وإسلامية ساعدتني على كسب الثقة لدى المواطنين العراقيين، لكنني كنت أدرك أنني ضيفة وأجنبية، ومهما كانت الثقة الممنوحة لي، ستمكنني من قضاء وقت والدردشة مع الناس ثم المغادرة، حتى لو لم أكن في مهمة إنجاز قصة".
وتتابع " لم أرد أن أكون ذاك الشخص الذي يظهر فجأة بعد التفجيرات، لذا حاولت تسليط الضوء على الفن العراقي والثقافة والموسيقى والرومانيسية، بقدر ما سمحت ظروف الحرب، مثلاً كتبت مقالاً كاملاً عن كلمة (علوج) التي أصبحت صفة الجنود الأميركيين في العراق".
وعن مشاركتها في كتاب "نساؤنا على الأرض Our women on the ground"، تقول علام إن الأمر لم يكن بهذه السهولة، حيث مر على عملها في العراق أكثر من عشر سنوات، وسنوات من الخبرات المتراكمة والقصص، بحيث كان صعباً اختيار المواقف الأنسب لتسليط الضوء عليها.
وتضيف "كان هناك الكثير من النساء الرائعات اللاتي قابلتهن على طول الطريق، ويمكن لكل امرأة عراقية التقيتها أن تكتب مذكراتها القوية".
وأعربت علام عن سعادتها بصدور الكتاب قائلة "فخورة بأنني ضمن مجموعة من رواة القصص الشجاعات والأمينات، اللواتي يكنن الحب للمنطقة العربية بقدر ما أحب" مضيفةً "يوجد شيء مختلف عند قراءة هذه القصص أكثر من أي روايات أخرى، تجد عمقاً وروحاً يأتيان من حب المنطقة على الرغم من صعوبات الحياة، وهذا ما نفتقده في قصص صحافيين لا تربطهم صلات بالمنطقة".
وإن كان للقارئ أن يعرف عن المنطقة العربية من خلال كتاب "نساؤنا على الأرض"، فهو التنوع المذهل، دينياً وسياسياً وعرقياً وإثنياً، وفق علام.
هل تفتقدين العمل في الميدان؟ وكيف يختلف عن العمل المكتبي؟ تقول علام "أعمل بشكل أفضل في الميدان، إذ يمكنك الوثوق بعينيك وأذنيك ومقابلاتك ثم تجمعها معاً وتربط الأحداث، وفعلياً أنت تخسر جزءاً من القصة كل مرة تغطيها من المكتب، ليس من أرضها".
لكن للأمومة حقها، إذ بات احتساب المخاطرة أكثر من ذي قبل بالنسبة لعلام، تقول "منذ أصبحت أماً أصبحت بالتأكيد أكثر قلقاً بشأن سلامتي، لكن بشكل عام، ما زلت ملتزمة جداً بتقديم تقارير خط المواجهة حول أي موضوع أغطيه".
وفي رسالة وجهتها لصحافيات في مناطق النزاع أو الحروب، ينشرن تقاريرهن بأسماء مستعارة، تقول علام "أنتن شجاعات للغاية، وهذا غاية في نكران الذات. أنتن تقدمن خدماتكن بتكلفة شخصية كبيرة ودون اعتراف بمساهماتكن، وهو ما يعينه الصحافي بالنسبة لي، إنه صوت الشعب. قد لا نعرف أسماءكن اليوم، لكنها ستكون معروفة يوماً ما، ويشكركن التاريخ على ذلك".
ماذا عن كتاب لك وحدك، هل تفكرين بنشر كتاب؟ تقول علام "أحياناً أفكر بذلك، لكني أيضاً أحب فكرة الوصول السهل للأخبار -ليس في مكتبة باهظة الثمن مثلاً أو في غلاف فاخر- ما يمكن الناس من قراءة قصصي وأي قصة أخرى عبر الإنترنت. الكتب رائعة بالطبع لكني أحب إمكانية وسرعة الوصول لأي قصة إخبارية جيدة التنفيذ.