حين أنهت فرح حديثها داخل حمّام للنساء تديره ببغداد، مع زبونة تستعد عارية للدخول من يمينها لباب معدني قديم، وضعت قطعة سوداء صغيرة تسمى باللغة الدارجة (شيلة) بكفها، كبديل متعارف استخدامه في حمامّات النساء عن ليفة الاستحمام.
وخلف الباب المعدني أكثر من ثلاث غرف مختلفة الأحجام مصممة لتكون حّمامات للنساء، بُنيت على أرضيتها أحواض صغيرة من الطابوق مُخصصة لتخزين مياه الصنابير الساخنة والباردة، وهو ما يدفع الزبونة لأن تجلس على الأرضية عند الاستحمام.
وبينما تجري المياه دون توقف، تتمدد إحداهن على الأرض تضع "طاسة" بلاستيكية تحت رأسها تلبية لرغبة العاملة التي تساعدها في تنظيف جسدها.
وتدير فرح الحمّام منذ أربعة أعوام، تجلس دوماً أمام منضدة صغيرة مقابلة لبابه الخارجي. وبين الحين والآخر تصرخ على الزبونات أثناء دخولهن لتوكيد إغلاق الباب إحكام خلفهن.
تقول لـ"ارفع صوتك" إن عملها يتطلب أن تكون حريصة في متابعة الزبونات والانتباه لسلوكهن، حفاظاً على سمعة الحمّام وتفادياً للمشاكل.
عريٌ "آمِن"
تعتقد فرح مدى أن حمام النساء يمنح الزبونات الحرية، إذ يتنقلن من مكان لآخر عاريات دون قلق، كما تشدّد بدورها على عدم استخدام الهواتف النقالة، منعاً لالتقاط صور أو مقاطع فيديو.
لكن هذا ليس حال الجميع. تقول أم أحمد (45 عاماً) إنها حريصة على تغطية جسدها بالمنشفة أثناء التنقل داخل الحمام، لأنها "تخجل رؤية الأخريات لجسدها عارياً".
ويعود تاريخ الحمّامات إلى قبل 600 عام، وعددها اليوم يتجاوز الـ 150 حماماً في بغداد وحدها، أشهرها حمام "الفضل والميدان والجمهورية".
وانتشار حمّامات النساء العمومية أقل بكثير من حمّامات الرجال. وتعرف تلك الحّمامات بأسماء مناطقها مثل، حمّام "البياع، والفضل، والكرادة"، بمساحات صغيرة وديكورات شعيبة قديمة.
مثار قلق مجتمعي
طالما كانت حمامات النساء مثار قلق في المجتمع العراقي، ما يمنع الكثيرات من ارتيادها، خشية التعرض لنظرة اجتماعية سلبية، وهو نفس ما تواجهه النساء اللواتي يرتدن النوادي الرياضية والمسابح ومراكز الساونا.
وفي هذا الشأن، تقول فرح إنها قامت بمسح عبارة "حمام النساء" التي كانت مكتوبة على جداره الخارجي، ولا تعلّق أي ملصق أو إشارة تدل على أنه حّمام، إذ يبدو من للمارّة بيتاً عادياً.
وكانت الحمّامات العمومية في السابق تلعب دوراً هاماً لقلّة صالونات التجميل والمسابح والنوادي الرياضية والساونا، لكن مع انتشارها الآن، قل ارتياد الحمامات، خصوصاً في بغداد، حسبما تقول بسمة خليل (49 عاماً)، التي التقيناها في حمام فرح.
ومن الطقوس التي اعتادتها النساء القيام في ما مضى، اصطحاب المرأة التي وضعت طفلا بعد اليوم السابع من الولادة إلى الحمّام، برفقة مجموعة من النساء، يقمن بتحميم المولود وتوزيع الحلويات، وكذلك اصطحاب العروس قبل ليلة الزفاف لتجهيزها للعُرس.
"علاجاً"
وتدفع الزبونة مقابل كل استحمام 10 آلاف دينار عراقي (8 دولارات)، و5 آلاف دينار مقابل "الشيلة" (5 دولارات) خمسة آلاف أخرى مقابل التدليك، تقوم بها امرأة تعمل في الحمام تُدعى "المدلكجية".
تقول فرح لـ"ارفع صوتك" إن "الأسعار مناسبة مقارنة بأسعار مراكز الساونا والبخار".
وعن المواد المستخدمة في الحمامات التقليدية، تقول فرح "الماء ومادة (السوبتاج) وحجر الحّمام". و"السوبتاج" مادة بيضاء طباشيرية تعطي بياضاً وملمساً ناعماً للجسم.
وترى بعض النساء اللواتي في طريقة الاستحمام هذه علاجاً. تقول أم علاء (53 عاماً) إنها تعاني مشاكل صحية وآلاماً في المفاصل عند الركبتين تجعل حركتها صعبة، وأقبلت على الحمام بعد نصيحة لتلقي العلاج طبيعي والتدليك.