صورة لحمام تركي في نيويورك عام 1904/ المصدر: متحف نيويورك
صورة لحمام تركي في نيويورك عام 1904/ المصدر: متحف نيويورك

 حين أنهت فرح حديثها داخل حمّام للنساء تديره ببغداد، مع زبونة تستعد عارية للدخول من يمينها لباب معدني قديم، وضعت قطعة سوداء صغيرة تسمى باللغة الدارجة (شيلة) بكفها، كبديل متعارف استخدامه في حمامّات النساء عن ليفة الاستحمام.

وخلف الباب المعدني أكثر من ثلاث غرف مختلفة الأحجام مصممة لتكون حّمامات للنساء، بُنيت على أرضيتها أحواض صغيرة من الطابوق مُخصصة لتخزين مياه الصنابير الساخنة والباردة، وهو ما يدفع الزبونة لأن تجلس على الأرضية عند الاستحمام.

وبينما تجري المياه دون توقف، تتمدد إحداهن على الأرض تضع "طاسة" بلاستيكية تحت رأسها تلبية لرغبة العاملة التي تساعدها في تنظيف جسدها.

وتدير فرح الحمّام منذ أربعة أعوام، تجلس دوماً أمام منضدة صغيرة مقابلة لبابه الخارجي. وبين الحين والآخر تصرخ على الزبونات أثناء دخولهن لتوكيد إغلاق الباب إحكام خلفهن.

تقول لـ"ارفع صوتك" إن عملها يتطلب أن تكون حريصة في متابعة الزبونات والانتباه لسلوكهن، حفاظاً على سمعة الحمّام وتفادياً للمشاكل.

عريٌ "آمِن"

تعتقد فرح مدى أن حمام النساء يمنح الزبونات الحرية، إذ يتنقلن من مكان لآخر عاريات دون قلق، كما تشدّد بدورها على عدم استخدام الهواتف النقالة، منعاً لالتقاط صور أو مقاطع فيديو.  

لكن هذا ليس حال الجميع. تقول أم أحمد (45 عاماً) إنها حريصة على تغطية جسدها بالمنشفة أثناء التنقل داخل الحمام، لأنها "تخجل رؤية الأخريات لجسدها عارياً".

ويعود تاريخ الحمّامات إلى قبل 600 عام، وعددها اليوم يتجاوز الـ 150 حماماً في بغداد وحدها، أشهرها حمام "الفضل والميدان والجمهورية".

وانتشار حمّامات النساء العمومية أقل بكثير من حمّامات الرجال. وتعرف تلك الحّمامات بأسماء مناطقها مثل، حمّام "البياع، والفضل، والكرادة"، بمساحات صغيرة وديكورات شعيبة قديمة.

مثار قلق مجتمعي

طالما كانت حمامات النساء مثار قلق في المجتمع العراقي، ما يمنع الكثيرات من ارتيادها، خشية التعرض لنظرة اجتماعية سلبية، وهو نفس ما تواجهه النساء اللواتي يرتدن النوادي الرياضية والمسابح ومراكز الساونا.

وفي هذا الشأن، تقول فرح إنها قامت بمسح عبارة "حمام النساء" التي كانت مكتوبة على جداره الخارجي، ولا تعلّق أي ملصق أو إشارة تدل على أنه حّمام، إذ يبدو من للمارّة بيتاً عادياً.

وكانت الحمّامات العمومية في السابق تلعب دوراً هاماً لقلّة صالونات التجميل والمسابح والنوادي الرياضية والساونا، لكن مع انتشارها الآن، قل ارتياد الحمامات، خصوصاً في بغداد، حسبما تقول بسمة خليل (49 عاماً)، التي التقيناها في حمام فرح.

ومن الطقوس التي اعتادتها النساء القيام في ما مضى، اصطحاب المرأة التي وضعت طفلا بعد اليوم السابع من الولادة إلى الحمّام، برفقة مجموعة من النساء،  يقمن بتحميم المولود وتوزيع الحلويات، وكذلك اصطحاب العروس قبل ليلة الزفاف لتجهيزها للعُرس.

"علاجاً"

وتدفع الزبونة مقابل كل استحمام 10 آلاف دينار عراقي (8 دولارات)، و5 آلاف دينار مقابل "الشيلة" (5 دولارات) خمسة آلاف أخرى مقابل التدليك، تقوم بها امرأة تعمل في الحمام تُدعى "المدلكجية".

تقول فرح لـ"ارفع صوتك" إن "الأسعار مناسبة مقارنة بأسعار مراكز الساونا والبخار".

وعن المواد المستخدمة في الحمامات التقليدية، تقول فرح "الماء ومادة (السوبتاج) وحجر الحّمام". و"السوبتاج" مادة بيضاء طباشيرية تعطي بياضاً وملمساً ناعماً للجسم. 

وترى بعض النساء اللواتي في طريقة الاستحمام هذه علاجاً. تقول أم علاء (53 عاماً) إنها تعاني مشاكل صحية وآلاماً في المفاصل عند الركبتين تجعل حركتها صعبة، وأقبلت على الحمام بعد نصيحة لتلقي العلاج طبيعي والتدليك.
 

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.