لم يتظاهر العراقيون، الثلاثاء، للمرة الأولى ضد الفساد والبطالة وغياب الخدمات، كما لم تكن تظاهرات تموز/ يوليو 2018 هي الأولى كذلك، فالأجندة العراقية عامرة بالتظاهرات والاحتجاجات المطالبة بتحسين الخدمات ومحاربة الفساد الحكومي والإداري، منها ما تلقى ردوداً عنيفة من القوات الأمنية، ومنها بقي في إطار السلمية، لكن منذ عام 2011 حتى 2019، هل تمت الاستجابة للمطالب وتغيرت الأحوال للأحسن.
يؤسفني القول "لا".
فالمؤشرات الاقتصادية ومؤشرات جودة المعيشة والفساد، العالمية، تؤكد على تدهور الأحوال.
- في مؤشر مدركات الفساد الدولي لعام 2019، احتل العراق المرتبة 168 من أصل 180 دولة. (من الأكثر فساداً)
- بغداد أسوأ مدينة في العالم من ناحية جودة المعيشة إذ تقع في المرتبة الأخيرة بعد 220 مدينة حول العالم، وفق تقرير دولي.
- في التصنيف العالمي لحرية الصحافة 2019، جاء العراق في المرتبة 156.
وفي معرض الصور الآتي، نجد الاحتجاجات المتكررة للعراقيين على تردّي الأوضاع المعيشية وضد الفساد.
25 شباط فبراير 2011 التقطت هذه الصورة الأولى أدناه، في "يوم الغضب"، الذي تبعته شهور من الاحتجاجات والاعتصامات إلى توقفها في حزيران/ يونيو 2011، تأثراً بموجة الثورات في دول عربية مثل تونس ومصر.
طالب العراقيون في حينه بتحسين الأوضاع الاقتصادية وتوفير فرص عمل للخريجين من حيث تفشّت البطالة، وتحسين الخدمات، ورحيل ما تبقى من القوات الأميركية في العراق، لتتطور إلى المطالبة بإسقاط نوري المالكي، رئيس الحكومة آنذاك، مسفرة عن مقتل العشرات من المتظاهرين واستقالة عدد من المحافظين استجابة
واستمرت التظاهرات حتى حزيران/ يونيو 2011، كما تظهر الصور الأخرى.
2 تشرين أول/ أكتوبر 2015 هو تاريخ الصورة، التي توثق أحد أيام الاحتجاجات المستمرة منذ شهور بدءاً من 31 تموز/ يوليو من نفس العام، وإذ كانوا في هذا اليوم طالبوا الحكومة بالإيفاء بوعودها في تحسين الخدمات خصوصاً الكهرباء والقضاء على الفساد.
وكان العراقيون خرجوا أياماً عديدة للاحتجاج خلال شهور من عام 2015، في مدن النجف والبصرة وبغداد والناصرية وغيرها، معبرين عن غضبهم إزاء نهب ملايين الدولارات من الخزينة العامة، منها 30 مليون دولار كانت مخصصة لقطاع الطاقة، الذي لم يكن يوفر الخدمات اللازمة أساساً، واعتراضاً على نظام المحاصصة وسطوة السلطة الدينية على السياسية والتغطية على جرائم الفساد والفاسدين في الحكومة.
26 شباط/ فبراير 2016 تظهر الصورة الأولى أدناه، آلاف المناصرين للزعيم الشعي مقتدى الصدر بينا يستمعون لخطابه في ساحة التحرير، مطالباً الحكومة بالقضاء على الفساد، وتلتها تظاهرات في نيسان/ أبريل تزامنت مع ترقب جلسة جديدة للبرلمان دعا إليها رئيس البرلمان سليم الجبوري للتصويت على تشكيل الحكومة الجديدة.
ووُصفت الأزمة السياسية آنذاك بأنها "الأسوأ منذ إسقاط النظام البعثي عام 2003" وفق مصادر إعلامية.
ويشهد البرلمان حالة من الفوضى إذ أرجأ الجبوري جلسات التصويت على الحكومة الجديدة أكثر من مرة بسبب اعتصام أكثر من مئة نائب داخل المجلس ومطالبتهم بإقالته، إذ رأوا أن تشكيل الحكومة الجديدة الذي اقترحها رئيس الوزراء في حينه حيدر العبادي "ستؤدي مرة أخرى إلى الفساد والمحاباة".
وتحولت قاعة البرلمان الأسبوع الماضي إلى "ساحة حرب" بعد أن اشتبك النواب الموجودون داخله بالأيدي وتبادلوا إلقاء زجاجات المياه.
كما تظاهر آلاف العراقيين، في 10 حزيران/ يونيو، في عدد من المحافظات للمطالبة بتشكيل حكومة تكنوقراط، ومكافحة الفساد وذلك قبيل معركة استعادة الفلوجة من قبضة داعش. كما قامت مجموعات غاضبة أيضاً بمهاجمة مقرات أحزاب في مدن جنوب العراق.
من جهته، طالب مقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري بضرورة التظاهر السلمي، ودعا إلى ترك مقرات الأحزاب إذ "لا قيمة لها إزاء فساد الحكومة" ودعا إلى مظاهرة مليونية شعبية سلمية بعد شهر رمضان الذي وافق أوائل شهر تموز/ يونيو.
بالمقابل، هدد العبادي "بردع تجاوز المتظاهرين على الأحزاب والتصرفات المتهورة التي سيقوم بها المتظاهرون" وطالب "قادة الكتل السياسية برفض هذه الأفعال المشينة واستنكارها".
أما الثانية في آب/ أغسطس والثالثة في أيلول/ سبتمبر من نفس العام، تشتركان مع الأولى بنفس سبب التظاهر بالإضافة لمطالبات تتعلق بإعادة تشكيل الحكومة وإلغاء المحاصصة، ومثلت جزءاً من سلسلة التظاهرات المتقطعة طيلة عام 2016، لكن هل تم تحقيق المطالب؟
24 آذار/ مارس 2017 تتجدد التظاهرات في مدن عراقية مختلفة فيما كان مطلب المتظاهرين الذين لبّوا دعوات الصّدر في التجمع. وقال إن "الأحداث المتسارعة التي يعيشها شعب العراق بين المعركة الفاصلة مع قوى الإرهاب من داعش ودواعش السياسة أرباب الفساد الذي أنهك كيان الدولة واستهلك قوى الشعب، تفرض إدامة زخم المشروع الاصلاحي".
وفي خطابه للمتظاهرين هذا اليوم هدد بمقاطعة الانتخابات البرلمانية المقبلة ومعه مناصروه في حال لم يتم تغيير قانون الانتخابات التي تتيح استمرار الفساد الحكومي.
وسبق هذه التظاهرات، أخرى قتل خلالها خمسة متظاهرين وشرطيين اثنين (11/2/2016)، كان الصدر دعا قبلها بأيام معدودة أصدر بياناً مشابهاً لخطابه في آذار، وطالب عشرات آلاف المتظاهرين بتغيير مفوضية وقانون الانتخابات.
وعلى أثر ذلك أمر العبادي بفتح تحقيق شامل للوقوف على ملابسات المواجهات بين القوات الأمنية والمتظاهرين خلال مظاهرة حاشدة، وملاحقة العناصر المسؤولة عن وقوعها.
أما الصورة التي تليها في آب/ أغسطس 2017، يطالب فيها آلاف المتظاهرين من أنصار الصدر بالإصلاح الانتخابي والقضاء على الفساد.
20 كانون أول/ ديسمبر 2017 هذه الصور في السليمانية بكردستان، حيث تظاهر آلاف العراقيين ضد الفساد السياسي لليوم الثالث على التوالي، وقتل في التظاهرات خمسة متظاهرين.
وتعهّد رئيس الوزراء في حينه، حيدر العبادي باتخاذ الإجراءات اللازمة إذا تعرض أي مواطن للهجوم، فيما علق محافظ السليمانية هفال أبو بكر على المظاهرات بالقول "مطالب المتظاهرين مشروعة ونحن نؤيد أي تجمع مدني شريطة ألا يلجأ المشاركون فيه إلى العنف والعبث بالممتلكات الخاصة والعامة".
وكانت حدة المظاهرات المعارضة في الإقليم، تصاعدت على وقع الأزمة السياسية والاقتصادية الخانقة التي يعيشها السكان بعد إجراء الإقليم استفتاء 25 أيلول/ سبتمر العام نفسه، بهدف الاستقلال عن باقي العراق، ما دفع الحكومة الاتحادية في بغداد إلى اتخاذ إجراءات عقابية بحق الإقليم.
26 تموز/ يوليو 2018 الصورة الأولى من الثلاث الأولى، بين البصرة وبغداد، جزء من مظاهرات ممتدة على مدى شهور انطلقت من البصرة لتمتد إلى مدن جنوب العراق، وتصل إلى العاصمة.
وعلى أثرها، أعلن العبادي رصد مخصصات مالية لتحسين خدمات المياه والكهرباء والصحة، ووضع قوات الأمن في حالة تأهب قصوى، فيما عرقلت الحكومة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، وأكدت تقارير على القطع الجزئي لخدمات الإنترنت في البلاد، خدمة الإنترنت تعاني انقطاعا جزئيا في وسط البلاد وجنوبها.
كما أكد بيان الحكومة العراقية تعقيبا على الأحداث "الوقوف مع حق التظاهر السلمي والمطالب المشروعة للمتظاهرين وعلى التعهد بأن القوات الأمنية ستتخذ كافة الإجراءات الرادعة بحق المندسين وملاحقتهم وفق القانون".
احتج العراقيون على سوء الخدمات العامة خصوصاً الماء والكهرباء، مطالبين بالقضاء على الفساد وتوفير فرص عمل، وكما تعرض آلاف الأشخاص للتسمم بمياه الشرب في البصرة، وقتل في المظاهرات 10 أشخاص.
1 تشرين أول/ أكتوبر 2019 الصورة من اليوم الأول للاحتجاجات الشعبية، التي خرجت ولأول مرة -وفق وصف وسائل إعلام عراقية- غير متلونة بشعارات حزبية، رافضة للفساد مطالبة بتوفير فرص عمل ومحاربة الفساد.
وحتى اليوم 3 تشرين أول/ أكتوبر، ارتفعت حصيلة القتلى من المتظاهرين إلى 18 بالإضافة لمقتل رجل أمن واحد.
وذكرت "فرانس برس" أنه ومنذ عام 2004، بعد سنة من غزو العراق وسقوط نظام صدام حسين، اختفت نحو 450 مليار دولار من الأموال العامة، في جيوب سياسيين مشبوهين ورجال أعمال، وفق أرقام رسمية.