"لأننا ما زلنا دواعش بنظر البعض، وإذا تظاهرنا سيسحلوننا بالشوارع ويرموننا بالسجون السرية، ما زلنا مظلومين وحالنا مثل حالكم وربما أكثر سوءاً"، يكتب عمر الطائي على صفحته في فيسبوك.
عمر شاب من الموصل، يتفاعل مع المظاهرات كغيره من شباب المحافظات السنية، لكنه لا يجرؤ على الخروج متظاهراً بسب "الخوف"، وكذلك يصف حال أقرانه في تلك المحافظات.
وعلى مواقع التواصل الاجتماعي التي ضعف التفاعل فيها منذ قرار قطع الإنترنت ليل الأربعاء، يصف المدونون المظاهرات بالـ"شيعية"، كونها انطلقت في المناطق الشيعية ببغداد وفي المحافظات الجنوبية ذات الغالبية الشيعية أيضا.
يعلق الشاب عمر المقيم حاليا في أربيل، "المرارة والقهر التي رأيناها في الحرب مع داعش، تجبرنا على السكوت والجلوس في المنزل".
ويتابع في منشور على صفحته في فيسبوك "الله وكيل جثث أبناء الموصل ما زالت تحت الأنقاض وبالخسفة (حفرة يستخدمها داعش) وفي نهر دجلة وبالمقابر الجماعية المجهولة".
خيارات أسهلها مر
يعيش الشباب في المناطق السنية بين سندان من يتهمهم بالصمت وعدم المشاركة بالمظاهرات، ومطرقة من يتهمهم بالدعشنة والانتماء لحزب البعث وغيرها من التهم التي طالما لصقت بهم في التظاهرات السابقة.
وربما تركت ساحات الاعتصام التي تطورت أحداثها إلى سقوط عدة مدن في العراق تحت قبضة داعش، أثراً كبيراً في نفوس العراقيين، وهو ما يجعل شباب تلك المناطق أمام خيارات أسهلها مر.
المشاركة قد تنتهي بالسجن بتهمة الإرهاب أو الصمت ومواجهة اتهامات من المجتمع الشيعي بالسكوت والتخلي عن المسؤولية الوطنية.
ينشر أبو ياسر الحميداوي على صفحته في فيسبوك "كل المحافظات الجنوبية خرجت إلى المظاهرات أين المحافظات الغربية؟ ألستم من أهل العراق؟".
ويعتبر أحمد ثامر العرادي أن أهل تلك المناطق يتعمدون عدم المشاركة كونهم "مستفادين وتم إعمار مدنهم بأفضل من السابق"، بسبب تضحيات أبناء الجنوب والوسط"، على حد تعبيره.
لكن الرأي الآخر موجود، ينفي أبو ياسر المحمداوي في تعليق على ذات المنشور عدم مشاركة أهالي المناطق السنية في المظاهرات، مستحضرا الاحتجاجات الأخيرة لأهالي المدينة "رجال ونساء وأطفال من أجل قائد عراقي"، في إشارة إلى قرار نقل الفريق عبد الوهاب الساعدي.
وينشر الإعلامي حميد عبد الله على صفحته "صمت أبناء المحافظات الغربية والأحياء ذات الغالبية السنية في بغداد فيه حكمة وحصافة".
رايات شيعية
مشهد آخر يتناوله المراقبون للتظاهرات، يتمثل في حمل الرايات التي تدل على الانتماء للمذهب الشيعي، معتبرين ذلك مؤشرا على "استياء القاعدة الشعبية الأوسع التي تعتمد عليها الحكومة في العراق حاليا".
نشأ هذا الجيل والشيعة في السلطة، ولم يعيشوا أزمة "المظلومية"، التي استندت عليها القوى السياسية في خطابها للجمهور الشيعي، بعد مرحلة ما بعد 2003.
يعلق السياسي العراقي ليث كبة "هؤلاء المتظاهرون يبلغون العشرينات من العمر أو تحت ذلك السن وقد نشأوا دون أي ذكريات مرتبطة بصدام حسين"، أي لم يواجهوا الاستبداد الدموي الذي واجهه من كان ينتقد أو يعارض النظام البعثي.
ويسترسل كبة "لكنهم (جيل الشباب) يفتقرون إلى المدارس والمستشفيات وقد نفذ صبرهم".
يضاف إلى ذلك، أن سعة الفجوة الزمنية بين المرحلة التي يعيشها الشباب الحالي مع النظام السابق يعتبر أن الشعائر الدينية هي واقع حال، كما أن التظاهرات حق مشروع وهم ليسوا في زمن الديكتاتورية.
وأمام أخطاء الحكومة فإن هذا الجيل يعتبر نفسه "فاقداً لحقوقه الحقيقية"، وهو ما تسبب بانشقاق هذه الفئة المهمة عن "الدين السياسي".
وهنا تقف الحكومة أمام جيل يمتلك ذهنية مغايرة تماما لجيل نشأ في سنوات النظام السابق، فجيل الشباب الحالي لا يعاني من الشعور بـ"المظلومية الشيعية"، ولم تحرمهم أية جهة رسمية من ممارسة شعائرهم أو الصلاة الخاصة بهم.
وهذا يقلل خيارات الحكومة في التعامل مع المحتجين لتهدئة الشارع بواسطة ورقة الدين التي كانت تلعبها في السنوات الماضية.
ولعل الشعار الذي استخدمه ويستخدمه المتظاهرون "باسم الدين باكونا (سرقونا) الحرامية"، وسؤالهم عن سبب غياب صوت "المؤسسة الدينية"، خير دليل على فقدان الدين السياسي لسلطته على الشارع.
لا يملك ما يخسره
إضافة إلى سبق ذكره، يرى جيل الشباب المحتج اليوم أنه لا يملك سوى خيار الاحتجاج، كونه جيل "لا يملك ما يخسره".
فالاحتجاج والتظاهر لأيام لا يعرضه لخسارة وظيفة لا يملكها، أو مستقبل مجهول، فهذا ما تظاهر من أجله بالأساس.
فضلا عن أزمة الثقة بالوعود الحكومية، التي طالما أخلفت الأخيرة فيها، بل وتعاملت مع المحتجين بلغة الرصاص الحي والغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه الحارة.
محتجون بلا قيادة
جانب آخر تميزت به المظاهرات هذه المرة، وهو خلوها من القيادة الحزبية أو التنسيقية أو شخصية دينية.
ينشر المدوّن علي الغريفي على صفحته في فيسبوك "التظاهرة جماهيرية خارج إرادة الأحزاب، وهي حراك شبابي شبّ بعد عام ٢٠٠٣ لا يعرف الخوف ولا السكينة".
ويحذر الغريفي من مواجهة المتظاهرين بالقوة، فأنها إن أدت في الوقت الحالي إلى السيطرة على الأوضاع، لكنها "ستكون جمرة قابلة للاشتعال في أي وقت ومكان، وحينها سيحترق الجميع".
ويرى الغريفي أن الحل في مصارحة الشعب والاستجابة الفورية لمطالبه الممكنة التحقيق، والاعتذار له عن الفشل الحكومي، وتقييد سلطة الأحزاب وهيمنتها".