مواقع التواصل الاجتماعي هي الأخرى تقع تحت قنص الإجراءات الحكومية لتحجيم وإنهاء موجة التظاهرات التي تشهدها مدن عدة في العراق، وامتصاص غضب المحتجين على سوء الخدمات وتفشي الفساد في المؤسسات الحكومية على حد تعبيرهم".
يحاول ناشط مدني من محافظة النجف التواصل مع موقعنا لتزويدنا بمقاطع فيديو لما تشهده المحافظة من أحداث، لكن محاولاته فشلت.
الحال لا يختلف كثيرا عند مراسلي موقعنا وأغلب المؤسسات الإعلامية الأخرى، فالجميع يواجهون مشكلة قطع الإنترنت.
وفي ساعات متأخرة من ليل الأربعاء، قرر رئيس الحكومة القائد العام للقوات المسلحة عادل عبد المهدي فرض منع التجوال في معظم محافظات العراق.
القرار وفقا لبيان عبد المهدي هو "للحفاظ على النظام العام، وحماية المتظاهرين من بعض المتسللين، الذين ارتكبوا انتهاكات ضد قوات الأمن".
لكن الناشطون يرون أن منع التجوال وقطع الإنترنت هو بسبب "اقتراب المحتجين من هدفهم في تغيير شكل الحكومة الحالي".
كما أن مواقع التواصل لعبت دورا كبيرا في تأجيج الشارع وتوسيع رقعة التظاهرات التي بدأت في ساحة التحرير صباح الثلاثاء، بأعداد لا تتجاوز العشرات، لتصل الآن إلى أعداد كبيرة قطعت شوارع وانتشرت في مناطق مختلفة من البلاد.
بداية الأمر، لم يستسلم المتظاهرون والصحفيون والناشطون في البحث عن حل لمشكلة قطع خدمة الإنترنت، لجأوا إلى تطبيقات وبرامج ساعدتهم في تقوية حزمة النت البسيطة التي كانوا يحصلون عليها، لكن تلك التطبيقات فشلت أمام إجراءات الحصار الإلكتروني الحكومي.
"الحكومة مخطئة"
كانت صفحات الفيسبوك ورقة الحائط الأهم في التنسيق لتظاهرات شباط 2011 ومظاهرات 2013 و2014، واعتصامات عام 2017 و2018، وكذلك مظاهرات البصرة والمحافظات الجنوبية في العامين الأخيرين.
في كل تلك الأحداث، حاولت الحكومة تقليل تأثير مواقع التواصل الاجتماعي التي دعمت المحتجين من خلال قطع خدمة الإنترنت، ومارست قطع خدمة الإنترنت.
يعلق عميد كلية الإعلام في جامعة بغداد هاشم حسن بأن الحكومة تدرك خطر تلك المواقع و"تلجأ مخطئةً إلى قطعها".
يقول حسن "قطع الشبكات أو منعها اجراء بكل الأحوال لن يجد حلا للمشكلة، دائما هناك تقنيات معينة تؤمن التواصل بين المتظاهرين والمجتمع"، مضيفا في حديث لموقع (ارفع صوتك) أن "الاحتواء المدني والسلمي وبعث رسائل اطمئنان والحوار الحر، كل هذه الأمور مطلوبة لامتصاص زخم الاحتجاج وخلق جسر من الثقة مع المحتجين".
وتداولت صفحات الفيسبوك وتويتر مقاطع فيديو وصوراً وفرت "تغطية إعلامية حقيقية، عوضت في بعض الأحيان عن شاشات التلفزيون ومحطات الإذاعة".
ويوضح عميد كلية الإعلام أننا لو نتأمل ونراقب أداء وسائل الاعلام نجد أن "دورها محدود إزاء شبكات وصفحات التواصل".
ويتابع أنه إضافة إلى زخم الرسائل والتغطية الشاملة لكل المناطق التي تشهد احتجاجات، فإنها "تبعث عدد كبير من الرسائل وبتأثير كبير على المتلقي".
مخالفة للدستور
نقاط القوة هذه التي تحملها صفحات التواصل في تغطية الاحتجاجات وضعت أمام تحد كبير اختصرته الحكومة بقطع الخدمة، رغم أن هذا القطع مخالفا للدستور.
يقول الناشط المدني عماد المسافر "بعد أن عجزت الحكومة عن توفير أبسط حقوق العيش الكريم للشعب تحاول أن تسكت صوته عن طريق قطع النت وحجب مواقع التواصل الاجتماعي، حتى يبقى الشعب في عزلة عن الإعلام".
شارك المسافر في عدة مظاهرات خرجت في بغداد.
يشير في حديث لموقع (ارفع صوتك) إلى أن هذا القطع فيه "خرق واضح لحقوق الإنسان التي كفلها الدستور العراقي والمواثيق الدولية"، موضحا "أعتقد أن الحكومة التي لا تراعي حقوق الإنسان من ناحية الخدمات الأساسية لا تتورع في قطع خدمة النت التي تعتبرها ثانوية".
وتنص المادة (15) في الدستور "لكل فردٍ الحق في الحياة والأمن والحرية، ولا يجوز الحرمان من هذه الحقوق أو تقييدها إلا وفقاً للقانون، وبناءً على قرارٍ صادرٍ من جهةٍ قضائيةٍ مختصة".
لعبت هذه المواقع دورا مهما في كل المظاهرات التي شهدها العراق على مدى العقد الأخير، خصوصا بعد منع الحكومة المؤسسات الإعلامية وعلى مدى أكثر التصوير في المناطق العامة إلا بعد استحصال موافقات رسمية.
استحصال تلك الموافقات هو مسمار جحا الذي تعتمده المؤسسات الأمنية في منع فرق الإعلام من التصوير.
فتعدد الصنوف الأمنية المنتشرة في الشوارع مع غياب مركزية السيطرة على تلك الصنوف، يجعل من مهمة الحصول على موافقة للتصوير أمراً مستحيلا.
فنقاط التفتيش والمفارز الأمنية المتجولة التابعة لوزارة الداخلية لا تعترف بموافقات الجيش، والعكس كذلك.
ويصل الأمر أحيانا إلى عدم اعتراف أفراد قوة أمنية متواجدة في مكان معين بموافقة صادرة عن الجهة التابعة لها، بحجة صدورها من الضابط الفلاني.