عراقيون يتظاهرون في العاصمة بغداد
عراقيون يتظاهرون في العاصمة بغداد

تحدى متظاهرون قرار حظر التجول الذي بدأ سريانه في العاصمة العراقية بغداد فجر الخميس، وتزامن ذلك مع قرار بتشكيل لجنة للتعامل مع مطالب المتظاهرين.

وقتل 19 شخصا على الأقل في العراق منذ مساء الثلاثاء، في حركة احتجاجية دامية تطالب برحيل "الفاسدين" وتأمين فرص عمل للشباب، امتدت حاليا لتطال معظم المدن الجنوبية.

وأطلقت القوات الأمنية العراقية مجددا الخميس الرصاص الحي لتفريق المتظاهرين الذين تجمعوا في وسط بغداد رغم حظر التجول الذي دخل حيز التنفيذ فجرا.

ويعد هذا اليوم الجديد اختبارا حقيقيا لحكومة عادل عبد المهدي، التي تكمل في نهاية الشهر الحالي عامها الأول في السلطة.

ومنذ الثلاثاء، امتد السخط الاجتماعي الموزع بين الاستياء من الفساد والبطالة وانعدام الخدمات العامة، إلى مدن جنوب البلاد. ويبدو هذا الحراك حتى الساعة عفوياً، إذ لم يعلن أي حزب أو زعيم سياسي أو ديني عن دعمه له، في ما يعتبر سابقة في العراق.

وأطلقت قوات مكافحة الشغب الرصاص "الرصاص الحي" في الهواء لتفريق عشرات المتظاهرين الذين أشعلوا إطارات في ساحة التحرير، وصدت المحتجين باتجاه شوارع فرعية متاخمة لمكان التجمع الأساسي.

وتعتبر ساحة التحرير نقطة انطلاق تقليدية للتظاهرات في بغداد، ويفصلها عن المنطقة الخضراء جسر الجمهورية حيث ضربت القوات الأمنية طوقا مشددا منذ يوم الثلاثاء.

وأشار مراسل قناة الحرة إلى تظاهر المئات، تحاصرهم القوات الأمنية، في منطقة البتاوين ببغداد القريبة من ساحة التحرير، وهي منطقة شعبية تكثر فيها الأزقة، ما يسهل هروب المتظاهرين من القوات الأمنية.

وأفاد المراسل بأن متظاهرين اقتحموا مجلس بلدي قضاء الرفاعي جنوب العراق، وقامت قوات الأمن بإطلاق النار لتفريقهم. وأورد المراسل في وقت لاحق نبأ وفاة متظاهر وإصابة 27 آخرين بجروح في القضاء.

وفي مدينة العمارة، لقي أربعة أشخاص مصرعهم وأصيب 62 بجروح تنوعت إصاباتهم بين اختناقات وطلقات نارية وإصابات بالحجارة. وأشار مراسل الحرة إلى حرق بنايتي مجلس محافظة ميسان ومحافظة ميسان ومقرات أربعة أحزاب.

وفي الكوت، قتل شخصان وأصيب نحو 70 آخرين بجروح في أعمال عنف رافقت تظاهرات خرجت مساء الأربعاء و فجر الخميس.

وفي محافظة النجف، بدت مظاهر الحياة طبيعية الخميس مع وجود حظر للتجول. وأكدت شرطة النجف أنها "ستتعامل من يعتدي على الممتلكات العامه والخاصة والمؤسسات معاملة الإرهابي".

وقد شهدت المحافظة الأربعاء تظاهرات حاشدة لليوم الثاني على التوالي استمرت حتى منتصف الليل ليلا في النجف والثالثة فجرا في الكوفة وحدوث كر وفر ومصادمات مع القوات الأمنية.

وتحرك المتظاهرون من ساحة ثورة العشرين حتى ساحة الصدرين القريبة من مبنى المحافظة ومجلس المحافظة قبل الاحتكاك مع القوات الأمنية هناك، وأضرموا النار في مقرات حزب الله وحزب الدعوة الإسلامية وحزب الدعوة تنظيم العراق وتيار الحكمة والمؤتمر الوطني.

إغلاق معبر

وقال مسؤول عراقي إن بغداد أغلقت منفذ خسروي الحدودي مع إيران في محافظة ديالى شرقي البلاد بسبب الاضطرابات، مشيرا إلى أنه سيظل مغلقا حتى إشعار آخر.
 
وأفاد التلفزيون الحكومي الإيراني بأن الحدود أغلقت بسبب "الوضع" في العراق.

انفجارات في المنطقة الخضراء

وأصدر التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة بيانا يقول فيه إنه يراقب الاحتجاجات، مضيفا: "ندعو جميع الأطراف إلى الحد من التوترات ونبذ العنف".

 
وقال المتحدث باسم التحالف الكولونيل مايلز كاجينز صباح الخميس إنه تم سماع انفجارات في المنطقة الخضراء. وإن القوات العراقية تحقق في الأمر، مشيرا إلى أنه لم يتم ضرب أي من مرافق التحالف.

وأضاف: "قوات التحالف تحتفظ دائما بالحق في الدفاع عن أنفسنا، ولن يتم التسامح مع الهجمات على أفرادنا".
 
وقال مسؤول أمني عراقي إن قذيفتي هاون سقطتا على المنطقة الخضراء في مكان مفتوح ولم تتسببا في أي خسائر بشرية.

لجنة وحوار وطني

في غضون ذلك، قالت الوكالة العراقية إن الرئاسات الثلاث قررت "تشكيل لجنة رسمية للتعامل مع مطالب المتظاهرين وإطلاق حوار وطني شامل حول الإصلاح والسعي لتوفير فرص عمل".

ودعا رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي منسقي التظاهرات إلى حضور جلسة المجلس السبت المقبل.

وكان رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي أعلن فرض حظر للتجول في بغداد بعد سقوط عدد من القتلى وإصابة مئات آخرين إثر احتجاجات ضد الحكومة بدأت الثلاثاء وانتشرت في معظم المحافظات العراقية، للمطالبة بمحاسبة الفاسدين ومكافحة البطالة، وصولا إلى رفض تنحية قائد عسكري شعبي.

ويطال حظر التجول الذي يسري بدءا من الساعة الخامسة من صباح الخميس (الثالثة بتوقيت غرينيتش) حتى إشعار آخر "العجلات والأفراد في بغداد".

وسمع دوي انفجار قوي في وقت متأخر من ليل الأربعاء في المنطقة الخضراء المحصنة في العاصمة العراقية بغداد، والتي تضم مباني الحكومة ومقار السفارات الأجنبية، وفق ما أفاد شهود عيان.

ولم يتضح على الفور سبب الانفجار، لكن جنديا عراقيا يعمل داخل المنطقة أكد أن الانفجار وقع هناك، من دون أن يقدم مزيدا من التفاصيل.

 

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.