يشكو معلمو ومعلمات المدارس الخاصة والأهلية في العراق واليمن من تدني المرتبات والأجور والحرمان من أبسط الحقوق، ما يعكس سلباً على مخرجات هذه المدارس، وفق باحثين وموجهين تربويين.
ويصف البعض عملهم في هذا القطاع بـ "المهين والاستعباد" وسط غياب الرقابة الحكومية والحقوقية والنقابية.
وتحتفل الأمم المتحدة منذ عام 1994 في 5 تشرين الأول/ أكتوبر باليوم العالمي للمعلمين للتذكير بأوضاع المعلمين والدعوة لتحسين أحوالهم، والانتباه إلى الحاجة لرفع مكانة مهنة التعليم لأجل المعلمين والتلاميذ والمجتمع ككل.
وتحث الأمم المتحدة الدول إلى اتخاذ موقف لأجل مهنة التدريس بما يعني توفير التدريب الملائم، والتنمية المهنية المستمرة، وحماية حقوق المعلمين.
وتقول إن التعليم الجيد يوفر الأمل والوعد بمستوى معيشة أفضل. مع ذلك، فليس من الممكن أن يكون هناك تعليم جيد بدون وجود معلمين مخلصين ومؤهلين وحاصلين على الأجر الكافي.
"أفضل من لا شيء"
بعد الاستفسار عن رواتب المعلّمين (بطريقة غير مباشرة) في خمس مدارس خاصة داخل العاصمة اليمنية صنعاء، وجدنا الحد الأدنى 15 ألف ريال يمني شهرياً (25 دولاراً أميركياً) والأعلى 30 ألف ريال (50 دولاراً)، ولا يشمل العطل الصيفية.
وحين وجهنا السؤال بشكل مباشر لمدير إحدى المدارس الأهلية، فهد نائف، قال إن أدنى مرتب للمدرسين في مدرسته 30 ألف ريال، فيما تصل رواتب بعض المدرسين إلى 50 ألف ريال (90 دولاراً) خلال أشهر الدراسة، كما يمنح المعلم مبلغ 20 ألف ريال (33 دولاراً) نهاية العام ما يُدعى "مكافأة نهاية الخدمة السنوية".
وأشار إلى استغلال بعض المدارس للمعلمين ومنحهم رواتب أقل من ذلك.
وفي أحسن الأحوال لا يصل راتب المعلّم في المدارس الأهلية إلى نصف ما يتقاضاه المعلم في وظيفة حكومية بدرجة البكالوريوس، وتتراوح رواتبهم بين 50 ألف و120 ألف ريال (90 - 200) دولار، يتقاضونها طوال العام، وبضغط أقل في الدوام والمهام.
من جهتها، تقول أفراح الحكيمي، وهي معلمة مادة التربية الإسلامية في مدرسة أهلية، إن تتقاضى شهرياً 25 ألف ريال (42 دولارا)، للعام الثاني على التوالي.
وتضيف لـ"ارفع صوتك" أن الراتب "لا يلبي أبسط احتياجاتها" لكنها "مضطرة للقبول به لعدم توفر فرص عمل، وهو أفضل من لا شيء".
كما التقينا ثلاث معلّمات في مدارس أهلية مختلفة، فضلن عدم ذكر أسمائهن، قلن إن رواتبهن الشهرية (47، 58، 67) دولاراً ، الأولى تعمل منذ عامين والثانية أربعة أعوام والثالثة خمسة أعوام، وجميعهن أبدين عدم رضاهن عن هذه الأجور.
في المقابل، أعربت خريجات جدد عن رغبتهن في العمل لتحصيل الخبرة كما أنه "أفضل من البقاء في البيت"، فيما أكدت أخريات أن العمل بالنسبة لهن "حاجة لإعاشة أسرهن وتخفيف العبء المالي عنهم".
لا شكاوى!؟
بدوره، قال أمين عام نقابة المعلمين اليمنيين في محافظة تعز (جنوب غرب اليمن) عبدالرحمن المقطري، إن المعلمين في المدارس الأهلية "مُستعبدون ومُمتهنون" بدليل حرمانهم من الرواتب خلال الإجازة الصيفية.
وأضاف أن رواتبهم "متدنيّة جداً، تقع بين 10 و15 ألف ريال" مشيراً إلى أن حاجتهم للمال في ظل الأوضاع الصعبة التي تشهدها البلاد، هي الدافع الرئيس لقبولهم التدريس في المدارس الخاصة بأجور متدنية.
وقال المقطري إن هدف معظم مالكي المدارس الأهلية مالي أكثر منه تربوي.
وتشترط وزارة التربية والتعليم مبلغ 30 ألف ريال شهرياً، كحد أدنى للأجور في سلك التعليم وفقا للقانون اليمني.
وقال مسؤول رسمي في التعليم الأهلي والخاص في صنعاء (فضل عدم ذكر اسمه لأنه غير مخول بالرد الإعلام)، إنه ووفقاً للقانون "يفترض إلغاء ترخيص أي مدرسة لا تلتزم بالحد الأدنى للأجور، لكن المكاتب المعنية لم تغلق أي مدرسة".
وأكد لـ"ارفع صوتك" أن إدارته "لم تتلق أي شكوى حول تدني المرتبات"، مضيفاً أن "التربية طالبت المدارس الخاصة بدفع راتب شهر لكل مدرس نهاية العام الدراسي كمكافأة خصوصاً أنهم لا يستلمون مرتبات خلال الإجازة الصيفية مثل الحكوميين".
العراق
أوضاع المعلمين العاملين في مدارس خاصة في العراق لا تبدو أفضل، حيث تتراوح رواتبهم بين 150 و300 دولار أميركي شهرياً، مقارنة بنظرائهم في المدارس الحكومية الذين يتقاضون بين 400 و 1000 دولار.
ولا يخضع المعلمون في المدارس الأهلية العراقية لسلم الرواتب المعتمد من الدولة للمعلمين في القطاع الحكومي، الذي يأخذ في الاعتبار الشهادة، وعدد سنوات الخدمة، والحالة الزوجية وعدد الاطفال والنقل والمواصلات.
يأتي هذا على الرغم من أن "نظام التعليم الأهلي والأجنبي رقم 5 لسنة 1968" ينص على أن يعامل العراقيون من مديري المعاهد والمدارس الأهلية والأجنبية ومدرسيها ومعلميها معاملة زملائهم في المدارس الحكومية بكل المخصصات المالية والامتيازات الإضافية من تطبيب وترفيع وإجازات.
وخلافاً لمواد "قانون تصديق تقاعد معلمي المدارس الأهلية" الضامن لحقوق معلمي المدارس الأهلية عند التقاعد، يقول معلم مدرسة أهلية في الموصل "غير مطبق.. إنهم يعاملوننا كأننا عمال بأجر يومي" .
في هذا السياق، يرى الباحث التربوي محمد عزيز، أن عدم وجود وظائف حكومية لخريجي كليات التربية في الجامعات العراقية "يدفع بالخريجين للعمل في المدارس الخاصة لإعالة أنفسهم وأفراد أسرهم".
هل يؤثر ذلك على جودة التعليم؟ يقول عزيز إن "تدني الرواتب لا يؤثر سلباً على مخرجات التعليم الأهلي، إذ يُطلب منهم إثبات مهنيتهم وحبهم للتعليم للحفاظ على مصدر رزقهم، وهو ما يقوم به غالبيتهم تجنباً للبطالة".
نصر فضل، وهو مدير مدرسة حكومية سابق وكبير مستشاري التدريب في ديوان عام وزارة التربية والتعليم في اليمن، لا يتفق مع عزيز، قائلاً "تدني أجور المعلمين في المدارس الأهلية ينعكس سلباً على مخرجاتها".
وتابع الحديث لـ"ارفع صوتك": "كثير من الطلاب الذين أعطيهم دروساً خصوصية هم من المنتسبين للتعليم الخاص وللأسف مستواهم متدن جدا".
ويعتقد فضل أن المدارس الحكومية أفضل من الأهلية "لامتلاكها كفاءات تربوية مميزة بعكس المدارس الخاصة التي تبحث عن المعلم الذي يرضى بأقل أجر للتعاقد معه".