من تظاهرات 4 أكتوبر في بغداد/ فرانس برس
من تظاهرات 4 أكتوبر في بغداد/ فرانس برس

خلال اليومين الماضيين، قامت السلطات العراقية بحجب خدمات الإنترنت في بعض المناطق العراقية، كما حجبت بعض مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما صعّب على الكثير من الأهالي داخل العراق التواصل بينهم من جهة، وبينهم والعالم الخارجي من جهة أخرى، في ظل منع التجوّل، وزيادة عدد القتلى بين المتظاهرين. 

وإذ يعتمد المغتربون العراقيون في أميركا، طيلة الوقت على التطبيقات الإلكترونية للتواصل مع عائلاتهم وأصدقائهم في العراق، فإن الأحداث المتسارعة منذ بداية تشرين أول/أكتوبر زادتهم قلقاً، كما تعثّر التواصل وتبادل المواد الإخبارية من صور ومقاطع فيديو من الميدان بين العديد من مراسلي الأخبار والمحطات الإعلامية المستمرة في التغطية. 

تقول الشابة دينا نجم، المقيمة في ولاية فرجينيا، إنها التظاهرات الحالية أعادتها لتظاهرات عام 2011، التي شاركت بها، مضيفةً "أشعر بكل ما يجري، وبالهدف الذي يوحد أصدقائي للخروج إلى الميادين، وهو المطالبة بحقوقهم".

وتلك الساعات من انقطاع الإنترنت، جعلت دينا تشعر بـ"الرعب"، وتترقب أي أخبار جديدة من البلاد لتطمئن على أهلها وأصدقائها.

وكانت الطريقة للتواصل رغم حجب الإنترنت، شراء رصيد من تطبيق "سكاييب Skype"، الذي يتيح لها الاتصال لوقت محدد. تقول دينا "في البداية كان الوصول لبغداد صعباً جداً، لكنه عاد أمس بمجرد بدء خطاب رئيس الوزراء عادل عبد المهدي وانتهى بعده بساعة".

ويذكر أن شركات الهواتف الأميركية لا تتيح خدمة الاتصال الخارجي، إذ يكون الدفع فاتورة مثبتة شهرياً لقاء الاتصالات والرسائل النصيّة والإنترنت، ما يتطلب شراء بطاقات خاصة للاتصال الخارجي، أو الاشتراك في مواقع إلكترونية بعينها.

اتصالات صعبة وحجب متقطع

لم يشمل حجب الإنترنت العراق بالكامل، كما لم يستمر طيلة الوقت، إذ تركز في البداية على مدينة بغداد ومحيطها، ثم انتقل لمدينة الكوت والنجف، أما السمة البارزة في الانقطاع أو بعد عودة الإنترنت، فهي أن تبادل الصور والفيديوهات غير ممكن تقريباً، ليعتمد الناس على تبادل الأخبار والتواصل بالرسائل النصيّة فقط.

ووفق مصدر صحافي، فإن الحكومة نفسها لا تستطيع الاستمرار في حجب خدمات الإنترنت، هي أيضاً تحتاجها لتيسير أعمالها. 

ومن ديترويت في ولاية ميتشيغان، تقول آلاء جمال الدين "قلبي وفكري يمهم" في إشارة إلى انشغالها بأهلها وأحوال العراق هذه الأيام، وترى أن شعورها بمعاناتهم هو "أقل ما يمكنها فعله".

وللاتصال بعائلتها، استخدمت موقع "Call easy" الذي يقدم خدمات اتصال خارجية مسبقة الدفع.

وتشارك آلاء في وقفة داعمة ومناصرة للمتظاهرين في العراق، اليوم الجمعة، في جامعة ميتشيغان- ديربورن، تحت عنوان "العراق ينتفض Iraq Uprising" ، بتنظيم الاتحاد العراقي- الأميركي.

 

وأكد عدد آخر من المغتربين، أن خدمات الإنترنت كانت تعود بعد منتصف الليل في العراق، لكن بشكل ضعيف. 

يقول لؤي الحيدري، المقيم قريباً من العاصمة واشنطن، إنه كان قلقاً بشأن عائلته في بغداد، خصوصاً أن ابن أخته خرّيج متفوق باحث عن عمل، وهو أحد أسباب التظاهر، ومنذ يومين واجه صعوبة في الاتصال بهم، لكن في الليل عاد الاتصال بعض الوقت. 

وحين تمكن من الوصول لعائلته، عبر شراء بطاقة خاصة بالمكالمات الخارجية، عرف منهم أن منع التجوال شمل حيّهم "الوزيرية" في بغداد، كما تعطلت المدارس وأغلب الدوائر الحكومية، مشيراً إلى شحّ السلع الزراعية (خضراوات وفواكه) لصعوبة وصولها من المزارع المحيطة ببغداد أثناء منع التجوّل.

مغترب آخر، من سكان ديترويت في ميتشيغان، فضّل عدم ذكر اسمه، قال إنه شعر بقلق شديد على ذويه في العراق، لكنه "شعور ملازم بسبب تردّي الأوضاع الأمنية والخدمات وغياب مقومات الدولة" على حد تعبيره. 

وبالأمس فقط تمكن من الاتصال بعائلته، باستخدام خدمة "Viber out" المدفوعة، لكنها تتم عبر الإنترنت، إذ استغل ساعات عودته القليلة.

ولعدم انقطاع خدمة الإنترنت عن كردستان، يقوم الكثيرون بالتواصل مع أصدقائهم أو عائلاتهم عن طريقها. تقول هالة زياد "أتواصل مع بغداد عن طريق أربيل إذا لم أستطع الوصول لعائلتي".

وتوضح هالة "عموماً، من جهتي لم أستطع الاتصال مباشرة، لكنهم كانوا يتصلون بي وأغلب الوقت التغطية سيئة، إذا اتصلوا أكثر من مرة خلال 10 دقائق أفهم أنهم بخير، وإذا اتصلت من خلال أصدقاء في أربيل، يتصلون بهم ويعودون لي، وهذا كله يستغرق 15 دقيقة، فقط لأعرف أنهم بخير".

أما زينب محمد، المقيمة في هيوستن بولاية تكساس، فتواصلت مع عائلتها في بغداد طيلة ثلاثة أيام عن طريق الرسائل النصيّة.

وأثناء الحوار مع عدد من المغتربين، رشحت الشابة سرى المقيمة في هيوستن أيضاً، برنامج "بوس ريفوليوشن Boss revolution" للمكالمات الخارجية كونه "رخيصاً"، وقالت "كل خمس دقائق بدولار"، كما رشح آخرون برنامجي "Dail now" ويكلف 80 سنتاً مقابل مكالمة خمس دقائق، و "JustVoip"

 

*يمكن الوصول للتطبيقات المذكور بمجرد الضغط عليها

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

FILE - Children gather outside their tents at the al-Hol camp, which houses families of members of the Islamic State group, in…
أطفال يلهون أمام خيامهم في معسكر "الهول"- أرشيفية

قررت 11 امرأة و30 طفلاً أستراليين محتجزين في مخيم "الهول" رفع دعوى قضائية ضد حكومة بلادهم للضغط من أجل إجبارها على إعادتهم إلى وطنهم.

ولا ترفض أستراليا استعادة مواطنيها المحتجزين في معسكرات اعتقال "عائلات داعش" لكنها تتبنّى سياسة بطيئة في هذا الشأن أسفرت عن استعادة 4 نساء و13 طفلاً العام الماضي فقط.

وسبق وأن اهتزَّ الرأي العام الأسترالي بأنباء معاناة عددٍ من الأطفال الأستراليين داخل المخيم، مثل الطفل يوسف ذي الـ11 عاماً الذي أصيب بالسُل ومات متأثراً به، وفي 2021 تعرضت فتاة أسترالية لمحنة مرضية صعبة بسبب سوء التغذية، وقبلها بعامٍ أصيبت طفلة في الثالثة من عُمرها بـ"قضمة صقيع" في أصابعها بسبب البرد القارص الذي اجتاح المخيم.

بسبب عملية الاستعادة الأخيرة تلك قرّرت مجموعة النساء الأستراليات رفع دعوى قضائية أمام المحكمة العُليا في ملبورن، يُطالبن فيها بإصدار "أمر إحضار" للحكومة لإنقاذهن من "الظروف البائسة والمروعة" التي يعشن بها منذ سنوات.

أعادت تلك القضية تسليط الضوء على الأوضاع المزرية التي تعيشها آلاف النساء والأطفال داخل مخيمات تقع في الأراضي السورية وتفتقر لأدنى متطلبات الحياة الإنسانية، إلى درجة دفعت وسائل إعلام عالمية إلى وصفه بأنه "غوانتانامو جديد في سوريا".

بداية الأزمة

نشأت مشكلة مخيم "الهول" عقب نجاح التحالف الدولي الذي قادته الولايات المتحدة في إنهاء دولة داعش التي امتدّت حدودها إلى شمال شرق سوريا.

بدءاً من شهر فبراير 2019 جرت عملية اعتقال واسعة بحق زوجات وقريبات وأطفال مقاتلي "داعش" الذين ماتوا في المعارك أو فرّوا إلى جبهات قتال أخرى.

الآن يعيش في مخيميْ "روج" و"الهول" قرابة 10 آلاف مواطن أجنبي ينتمون إلى 60 دولة تقريباً وتزيد نسبة الأطفال فيهما عن 60%.

أكثر من 80% من هؤلاء الأطفال أعمارهم تقلّ عن 12 عاماً فيما تبلغ نسبة الذين بلغوا الخامسة أو أقل قرابة 30%، وهو ما يعني أن بعضهم قضى أغلب حياته -أو حياته كلها- داخل المخيمات.

تقع هذه المخيمات في منطقة الإدارة الذاتية التي يديرها الأكراد بمعزلٍ عن سيطرة الحكومة السورية. مراراً أعلنت السُلطة الكردية أنها عاجزة عن إيواء هذا العدد الضخم من قاطني المخيّم وطالبت الدول الأجنبية العمل على إعادة مواطنيها إلى بلادهم.

رحلة العودة الصعبة

منذ 2019 أعادت بعض الدول مثل الدنمارك وألمانيا وروسيا والولايات المتحدة وأوزبكستان وغيرها جميع مواطنيها -أو أغلبهم على الأقل- إلى أراضيها.

في بداية العام الماضي وافقت الدنمارك على السماح للأطفال بالعودة إلى بلادهم لكن دون أمهاتهم حيث اعتبرتهن خطراً على أمنها القومي.

دولٌ أخرى تبنّت موقفاً رافضاً لإعادة مواطنيها مثل كندا والمغرب والمملكة المتحدة فيما اتخذت دول أخرى مثل أستراليا وفرنسا وهولندا موقفاً متأرجحاً بين تحفّظ أولي ثم تراجع وبدء جهود بطيئة لاستعادة مواطنيها تدريجياً.

حتى الآن لا يزال آلاف الأطفال يعيشون أوضاعاً مأساوية داخل المخيمات حُرموا فيها من الطعام والمأوى وفي بعض الأحيان ماتوا بسبب الأمراض وحوادث العنف التي يشهدها المخيم من وقتٍ إلى آخر، وسط مخاوف من أن يستغلَّ مقاتلو "داعش" هذه الأوضاع لينشروا أفكارهم المتطرفة بين الأطفال وتكون بمثابة عودة جديدة للتنظيم في المستقبل القريب.

في ختام 2022 ماتت فتاتان داخل مخيم "الهول" تحملان الجنسية المصرية بسبب الأوضاع الصعبة التي عاشتا فيها لسنواتٍ طويلة، ما دفع بعددٍ من المنظمات الدولية المعنية بحقوق الأطفال إلى تكرار مناشدة الحكومات بالتدخل وإعادة جميع النازحين إلى بلادهم.

منذ عدة أشهر حاولت الإدارة الكردية للمخيّم حل مشكلة الأطفال عبر فصلهم عن أمهاتهم وإخضاعهم لبرنامج تأهيلي يشمل تعلُّم الرسم والموسيقى وبعض المهارات العملية وممارسة الرياضة إلا أن هذا البرنامج واجه انتقادات حقوقية دولية بسبب قيامه بحرمان الأطفال من أمهاتهم الامر الذي قد يعرّضهم إلى المزيد من الأضرار.

هذه الخطوة وصفتها ليتا تايلر المديرة المساعدة لقسم النزاعات في "هيومن رايتس ووتش"، بأن هذا الإجراء "احتجاز لأجلٍ غير مسمى دون تهمة للأطفال" معتبرة أن إبعاد المراهقين عن أُسرُهم يسبّب المزيد من الصدمات لهم.

خلال زيارة بعض صحفيي وكالة "أسوشييتد برس" أظهر بعض الصبية عداءً مفرطاً لهم فألقوا الحجارة عليهم وأشار أحدهم بحركة قطع الرأس.

وفي سبتمبر 2022 زار مايكل كوريلا قائد القيادة المركزية للولايات المتحدة مخيم الهول واطلع على أوضاعه عن كثب ووصفه بأنه "بؤرة للمعاناة الإنسانية" مهددة بالانفجار في أي وقت لصالح "داعش".

تحديات العودة

تستشعر العديد من الدول قلقاً من أن تؤدي استضافة عائلات مقاتلي "داعش" إلى متاعب أمنية داخل بلادهم لذا فإنها لا تمنحهم موافقتها إلا بعد تدبير إجراءات أمنية صارمة قد تصل إلى حدّ حرمان الأمهات العائدات من أبنائهن.

تمتلك هذه الدول بعض المخاوف الأمنية "المنطقية" من أن هؤلاء الأطفال يحملون أفكار آبائهم المتطرفة والدموية، وقد يجعلونها محلَّ التنفيذ يوماً ما أو على الأقل يعملون على نشرها في المحيط الخاص بهم. كل هذه الهواجس تعطّل كثيراً من جهود إعادة أبناء المخيم إلى بلادهم.

دولة مثل بريطانيا قرّرت إغلاق باب العودة تماماً فجردت بعض مواطنيها المنتمين إلى "داعش" من جنسياتهم الإنجليزية لتحوّلهم إلى "عديمي الجنسية" لا يحقُّ لهم المطالبة بالرجوع إلى بريطانيا ولا يقع أي التزام على الحكومة في هذا الصدد، وهو ما جرى مع الطالبة البريطانية شاميما بيجوم التي انضمت إلى تنظيم داعش وهي في الـ15 من عُمرها وانتقلت للعيش في مخيم لاجئين بعد سقوط التنظيم، والآن تُطالب بالعودة بعدما أصبحت حبيسة في المخيم، طلبٌ لم تلتفت له لندن بدعوى أن بيجوم لم تعد مواطنة بريطانية.

في ألمانيا تخضع الأمهات العائدات إلى محاكمات فورية بتهمة الانتماء إلى تنظيم إرهابي. وقد يحكم عليهن بالسجن عشرات السنوات مثلما جرى مع جنيفر دبليو التي هربت من ألمانيا إلى العراق حيث انضمّت إلى تنظيم "داعش" وهناك تسبّبت في مقتل فتاة إيزيدية بالاشتراك مع زوجها.

أما في السويد فلقد فُصلتْ الأمهات العائدات عن أبنائهن فور وصولهن إلى الأراضي السويدية ووضعوا في عُهدة وحدة متخصصة في رعاية الأطفال، وهو إجراء قابله الأطفال بالصراخ والبكاء وفي بعض الحالات ظهرت عليهم أعراض الاكتئاب والقلق.

خضعت الأمهات لاستجوابٍ مكثّف استغرق من 24 إلى 48 ساعة بعدها حُرمن من الاتصال بأطفالهن لعدة أسابيع حتى سًمح لهن أخيراً برعايتهم، وفي بعض الحالات النادرة رفضت الحكومة السويدية السماح للأمهات باستعادة أطفالهن بدعوى أنهن ليسن مؤهلات لتربيتهن.

بعض الأبحاث اهتمّت بتأثير هذه التجارب القاسية على نفسية الأطفال الذين تربّوا في أجواء حرب ثم عاشوا بعدها أوضاعاً صعبة داخل المخيمات وهو ما شكّل صدمات متعددة في نفسية هؤلاء الصغار تجعل عملية إعادة دمجهم في المجتمعات الغربية أمراً بالغ الصعوبة.

هذه الصدمات قد تجعل الأطفال عُرضة لارتكاب سلوكيات خطرة في المستقبل مثل تعاطي المخدرات والكحوليات فضلاً عن الإصابة بأمراضٍ نفسية كالقلق والاكتئاب واضطرابات ما بعد الصدمة، كذلك تزداد بينهم احتمالية الإصابة بأمراضٍ مزمنة كالقلب والسكري والسرطان.

تقول ليليان موانري أستاذة الصحة العامة في جامعة تورينس الأسترالية، إنه إذا كان الوقت الذي قضاه الأطفال في المخيمات مؤلماً فإن عملية إعادتهم إلى وطنهم ستكون أيضاً مزعجة، مضيفة أن عملية إعادة توطينهم في بلادهم غالباً ستكون مصحوبة بالوصم والتمييز وهي سلوكيات ستخلّف آثاراً مدمرة على نفسياتهم.

لذا اعتبر قادة عسكريون أميركيون أن هذه العيوب التي تشوب عمليات إخلاء المخيم هي "أكبر عائق أمام ضمان هزيمة كاملة ونهائية لداعش".