أكراد سوريون يتظاهرون ضد التهديدات التركية أمام قاعدة لقوات التحالف الدولي في بلدة رأس العين السورية
أكراد سوريون يتظاهرون ضد التهديدات التركية أمام قاعدة لقوات التحالف الدولي في بلدة رأس العين السورية

بدأت الولايات المتحدة صباح الإثنين سحب قواتها من مناطق الشريط الحدودي مع تركيا في شمال سوريا، ما يفتح الطريق أمام تنفيذ أنقرة تهديدها بشنّ هجوم ضد المقاتلين الأكراد.

وبرّر الرئيس الأميركي دونالد ترامب قرار الولايات المتحدة بالقول إنه يريد ترك الأطراف الضالعة في النزاع "تحل الوضع" بنفسها، مؤكدا رغبته في إنهاء الالتزام بالمنطقة.

وقال ترامب في سلسلة تغريدات طويلة إنه "على تركيا وأوروبا وسوريا وإيران والعراق وروسيا والاكراد الآن حل الوضع"، مضيفا "لقد قاتل الأكراد معنا لكنهم تلقوا الكثير من المال والمعدات للقيام بذلك. إنهم يقاتلون تركيا منذ عقود، وأبقيت نفسي بمنأى عن هذه المعركة على مدى ثلاث سنوات تقريبا، لكن آن الاوان لكي نخرج من هذه الحروب السخيفة والتي لا تنتهي، والكثير منها قبلية، وأن نعيد جنودنا إلى البلاد".

وتابع "سنحارب في المكان الذي نرى فيه فائدة لنا وفقط من أجل الانتصار".

حذر دولي

وجاء سحب القوات الأميركية بعد ساعات من إعطاء البيت الأبيض الضوء الأخضر لأنقرة بشن هجوم لطالما لوّحت به، ما يشكل وفق مراقبين تحولاً بارزاً في السياسة الأميركية وتخلياً ملحوظاً عن المقاتلين الأكراد الذين شكلوا حليفاً رئيسياً لها في قتال تنظيم داعش.

وقالت قيادة قوات سوريا الديموقراطية في بيان لها، إنه "رغم الجهود المبذولة من قبلنا لتجنب أي تصعيد عسكري مع تركيا(...)، إلا أن القوات الأميركية لم تفِ بالتزاماتها وسحبت قواتها من المناطق الحدودية مع تركيا".

وتعتبر تركيا المقاتلين الأكراد "إرهابيين". وتخشى من إقامتهم حكماً مستقلاً قرب حدودها قد يثير النزعة الانفصالية لدى الأكراد على أراضيها.

وكان الأكراد يعقلون طيلة الأشهر الماضية آمالاً على حليفتهم واشنطن لردع أي هجوم تركي محتمل.

ودفعت التطورات الميدانية الأمم المتحدة الاثنين للتحذير من أنها "تستعد للأسوأ" في هذه المنطقة بينما أعلن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أن الهجوم قد يبدأ في "أي ليلة وبدون سابق إنذار".

فيما حذر الاتحاد الأوروبي من أن "أي استئناف للمعارك سيزيد من معاناة الشعب السوري ويسبب نزوحاً للسكان ويقوض الجهود السياسية لحل" النزاع المستمر منذ العام 2011.

ماذا عن خلايا داعش؟

ووفقا للبيت الأبيض، فإن "تركيا ستكون المسؤولة الآن عن جميع مقاتلي تنظيم داعش الذين احتجزوا في العامين الماضيين، غداة الهزيمة التي ألحقتها الولايات المتحدة" بالتنظيم.

بالمقابل، حذّرت قوات سوريا الديموقراطية من جهتها من أنه سيكون لهجوم تركيا "الأثر السلبي الكبير على حربنا على تنظيم داعش"، مؤكدة في الوقت ذاته تصميمها "الدفاع عن أرضنا مهما كان الثمن".

وأبدت في تغريدة على تويتر خشيتها من أن يسمح هذا الهجوم "لخلايا" التنظيم بتحرير مقاتليه المعتقلين وأفراد عائلاتهم المحتجزين، وهو ما "سيشكل تهديداً للأمن المحلي والدولي".

إلا أن المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين قال في تغريدة الإثنين إن "تركيا ستواصل معركتها ضد داعش ولن تسمح له بالعودة بشكل أو بآخر".

وتمكنت قوات سوريا الديموقراطية بدعم من التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن من دحر تنظيم داعش في مناطق واسعة، شمال وشرق سوريا، بينما تواصل التصدي لخلاياه النائمة.

هل يتأثر العراق؟

وسبق للولايات المتحدة أن حذرت مراراً من أن التنظيم رغم خسائره الميدانية في سوريا والعراق ما زال يعمل على تعزيز قدراته في البلدين ويشكل "تهديداً" حقيقياً.

ويبدي مراقبون عراقيون تخوفهم من أن يتسبب تفاقم الأزمة بين قوات سوريا الديمقراطية والجانب التركي إلى هروب عناصر داعش وعوائلهم من مخيم الهول، أو الفلول المتواجدة في المناطق الصحراوية على الحدود العراقية السورية، إلى داخل العراق.

لكن المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة اللواء تحسين الخفاجي، أكد أن القوات الأمنية مسيطرة تماما على الأراضي في المناطق الحدودية.

يقول الخفاجي "لدينا الإمكانيات والخطط والاحتياطات والاستحضارات، والقوات العراقية متهيئة لهذا الموضوع"، مضيفا في تصريح قصير لموقع (ارفع صوتك) "من جانب آخر لدينا تنسيق عالي مع قوات التحالف الدولي والاتصالات مستمرة بين الجانبين".

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

A woman walks on a road dug up by workers as part of rehabilitation public works on the outskirts of Baghdad on September 15,…
أتاح الاستقرار النسبي المتواصل منذ خمس سنوات العمل على مشاريع إنمائية في بغداد

تنعم بغداد باستقرار نسبي، بعد نزاعات مدمّرة استمرت عقوداً، أتاحت أشغال تجديد في المدينة من طرقات معبّدة ونظم صرف صحي جديدة إلى فنادق فارهة ومطاعم، وهي مشاريع تسمح للسلطات أيضاً بالدفع ببرنامج عملها أمام الرأي العام. 

فقد جعل رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني من إعادة تأهيل البنية التحتية أولوية لحكومته.

في بغداد البالغ عدد سكانها تسعة ملايين نسمة، تكثر المشاريع الكبيرة لوصل الأحياء العشوائية بشبكات الكهرباء والماء وترميم الطرقات والأرصفة وبناء جسور.

وفي بلد تصدّر عناوين الصحف ووسائل الإعلام على مدى عقود جراء الحروب  والتوترات الأمنية والانفجارات، أتاح الاستقرار النسبي المتواصل منذ خمس سنوات تقريباً وإعلان الانتصار على تنظيم الدولة الاسلامية(داعش)، افتتاح مراكز تجارية ومقاه ومطاعم فاخرة. 

على ضفاف نهر دجلة، يمكن لرواد مجمع "ألف ليلة وليلة" الاختيار بين 12 مطعماً فضلاً عن سلسلة من المقاهي وصالات الاحتفالات ومتاجر وقاعة للعبة البولينغ. خلال عطلة نهاية الأسبوع، يتردد العشرات إلى المكان برفقة العائلة أو الأصدقاء لتناول الطعام أو تدخين النرجيلة وممارسة لعبة البولينغ.

وفتح المجمّع الذي بني في حديقة أحد قصور الرئيس العراقي السابق صدام حسين أبوابه أواخر العام 2022، على أرضٍ هي الآن بيد نقابة الصحافيين التي استأجرت الموقع. وأطلق المشروع "عدد من المستثمرين الشباب المختصين بالشأن السياحي"، وفق المدير التنفيذي للمشروع فلاح حسن.

ويرى حسن أن "العراق أرض خصبة للاستثمار بشكل لا يمكن تخيله" لكنه في الوقت نفسه يشير إلى وجود "معوقات" مثل "الوضع الأمني والروتين الحكومي العقيم" حيث ينبغي المرور "بألف نافذة لتتمكن من أن تأخذ ورقة موافقة واحدة".

 "مناخ الاستثمار ضعيف"

اعتبر البنك الدولي في تقرير نشر أواخر يوليو أن "مناخ الاستثمار في العراق لا يزال ضعيفاً"، مشيراً إلى "غياب تشريعات مؤاتية للشركات، ومناخ أمني غير مستقرّ، وأوجه قصور إدارية وفساد ممنهج" في إشارة إلى الرشوة.

وتسعى السلطات إلى تغيير ذلك الواقع. ويعمل رئيس الوزراء الذي أعرب مراراً عن عزمه على مكافحة الفساد، وجذب المستثمرين الكبار، لا سيما من دول الخليج.

في أواخر أغسطس، شارك السوداني في وضع حجر الأساس لفندق ريكسوس الفاخر ومجمّع سكني، وهو الاستثمار القطري الأوّل في العراق.

وقال السوداني حينها "بدءاً من رئيس الحكومة وانتهاءً بآخر موظف، سوف نكون مع المستثمر ومع الشراكة ومع القطاع الخاص الجاد في تنفيذ مشاريع الاستثمار في بغداد والمحافظات وإقليم كردستان". 

وفي كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة مؤخراً، أكّد السوداني على أن حكومته جعلت محاربة الفساد "في أولوياتنا".

لكن ما الذي يقف خلف هذه "الطفرة" التنموية في بغداد؟ في مقال له نشر على موقع معهد "الدراسات الإقليمية والدولية"، التابع للجامعة الأميركية في مدينة السليمانية في إقليم كردستان، يرى الباحث حيدر الشاكري أن "الطبقة السياسية العراقية وشركائها في مجال الأعمال قرروا استثمار ثرواتهم في مشاريع محلية هي بمثابة ملجأ للأرباح التي اكتسبت بطرق غير شرعية".

ويشير الشاكري في هذا الإطار خصوصاً إلى "مجمعات سكنية فخمة ومراكز تجارية وجامعات خاصة".

لكن السلطات تعتمد سياسة تحديث البنى التحتية. وتبلغ قيمة الاستثمارات في موازنات السنوات 2023 حتى 2025، 37 مليار دولار سنوياً، وهي تقدّر بثلاثة أضعاف القيمة الفعلية للاستثمارات في العام 2022 وفق البنك الدولي.

وقد أتاحت الاحتياطات المالية الكبرى بالعملة الصعبة التي تفوق 100 مليار دولار والمكتسبة من أسعار النفط المرتفعة، إمكانية طرح تلك المبالغ في الموازنة.

"إلى متى؟"

وأنشأت الحكومة فريق الجهد الخدمي والهندسي، الذي يضمّ جهوداً وفرقاً من وزارات وشركات عامة ومهندسي الجيش والحشد الشعبي، مهمته إعادة تأهيل الأحياء العشوائية "المحرومة منذ أكثر من عشرين عاماً" من الخدمات وفق رئيس الجهد الخدمي في بغداد المهندس عبد الرزاق عبد محيسن. 

تنكّب فرق الجهد الخدمي على العمل في الأزقة الترابية في حيّ الكوفة الواقع على أطراف العاصمة. تحفر جرارات الشوارع من أجل توصيل أنابيب جديدة، فيما تقوم شاحنة بنقل الحطام.

ويقول عبد محيسن الذي يشرف على الأعمال في حي الكوفة إن "هناك أكثر من 1093 عشوائية في محافظة بغداد أعدّت الخطط لها على أن تكون الأعمال بشكل تدريجي".

وأضاف "هناك أكثر من 200 مليار دينار مخصصة لأعمال البنى التحتية من ضمنها المياه والصرف الصحي وإعادة تأهيل الشوارع".

يرحب بعض سكان تلك المنطقة بهذه التغييرات، لكن آخرين ما زالوا يشتكون من نواقص عدة في الخدمات تؤثر على حياتهم اليومية. 

ويشعر أبو علي البهادلي وهو عامل يومي في مجال البناء بفرحة غامرة إزاء هذه التحسينات في حيّه. 

ويقول "مناطقنا كانت محرومة من الخدمات بشكل تام"، مضيفاً أن الوضع في السابق كان مختلفاً، "لا نستطيع أن نخرج إلى الشارع بسبب الوحول التي تسببها الأمطار". 

إلا أن جاره أحمد راضي البالغ من العمر 45 عاماً، لا ينظر إلى الأمور بالإيجابية نفسها ويشتكي من قلة الخدمات والماء والكهرباء.

ويقول راضي وهو موظف حكومي "أعطيني مسؤولا يبقى بلا ماء ساعة واحدة. يريدون أن يعبدوا الشارع قبل إنجاز الماء. لقد تعبنا".

ويتساءل الرجل "متى يكملون الرصيف؟ متى يقومون بوضع نظام تصريف للأمطار؟"، مضيفاً "تأتي من عملك متعباً، لا كهرباء ولا ماء، المجاري منتشرة، أريد أن أعرف إلى متى؟".