"سارة" كان أول اسم لامرأة بين قتلى العراق خلال التظاهرات المستمرة منذ فاتح تشرين أول/ أكتوبر، مقروناً باسم زوجها الناشط المدني والفنان التشكيلي حسين عادل.
وقتلا في شقتهما من قبل مسلحين ملثمين، فيما شوهد الزوجان يسعفان المصابين من المتظاهرين في البصرة بالغاز المسيل للدموع، وكانا شاركا في تظاهرات المدينة عام 2018.
وقال أحد أقربائهما إنهما تعرّضا للتهديد بالقتل سابقاً وكانا سافرا إلى تركيا، وعادا مؤخراً لاستكمال بعض الأمور.
#مظاهرات_العراق - اغتيال الناشط حسين عادل وزوجته سارة في شقتهما pic.twitter.com/wblni05IYh
— قناة الحرة (@alhurranews) October 3, 2019
"أيقونة الثورة"
وإلى جانب الراحلة سارة، شاركت عشرات النساء في التظاهرات العراقية، بطرق متعددة، تراوحت بين ميادين التظاهرة والمواجهات مع قوات الأمن وفي الخطوط المساندة للمتظاهرين من إعداد الطعام أو توزيعه، كما وثقت مقاطع فيديو عديدة حازت على انتشار واسع في مواقع التواصل.
امرأة عراقية واحدة.. مقابل الحكومة العراقية مجتمعةمن الأعظم؟#save_the_iraqi_people pic.twitter.com/9UlGpN9kTG
— محمود سلمان (@8ruJtAnujoVhk6R) October 2, 2019
بعض المواكب بدأت توزع الطعام للمتظاهرين حياهم #Iraq pic.twitter.com/Am094Ouo4R
— Dr. sara Almusawy (@dr_almusawy) October 2, 2019
ونشر الإعلامي العراقي عمر الجنابي فيديو لامرأة تمشي بين المتظاهرين تهلل وتكبّر في حالة من الغضب والأسى على المشهد حولها، وكتب "شعب بهذه الروح لن يُهزم.. امرأة عراقية تواجه الرصاص الحي في تظاهرات بغداد".
شعب بهذه الروح لن يُهزم..امرأة عراقية تواجه الرصاص الحي في تظاهرات بغداد#save_the_iraqi_people#العراق_ينتفض pic.twitter.com/UIjdx1x8tJ
— عمر الجنابي (@omartvsd) October 6, 2019
ولشدة تأثير مشهد بائعة المناديل التي كانت توزع مناديلها مجاناً على الشبّان المصابين وغيرهم في التظاهرات، كانت هذه اللوحة للفنان الرقمي العراقي سعد الطيب، أرفقها بعبارة "خرساء العراق .. صمتها ثورة!".
بائعة المناديل الخرساء..إمرأة عراقية تبيع المناديل صادف مكان عملها احد أماكن قمع المتظاهرين بالغاز المسيل للدموع و الرصاص الحي.ضحت في باب رزقها من اجل حماية رجال بلدها. كم المرأة عظيمة. تحت كل الظروف ستحمي الرجل بعاطفتها و حنانها.#العراق_تنتفض pic.twitter.com/nLlNraOXoL
— أ. مـريـم المراغي (@malmaraghi88) October 3, 2019
يقول سعد لـ"ارفع صوتك" إنه ومن خلال اللوحة، أراد رسم مشاعره وتوثيق موقفه تجاه ما شاهده، مضيفاً "الخرساء نطقت بالكثير وعبرت بملامحها الغاضبة والخائفة عن حقيقة الموقف حينها".
ورأى أن هذه المرأة يمكن أن تمثل "أيقونة الثورة" في منصّات التواصل الاجتماعي "أفضل من صورة العلم العراقي المتبقّع بالدم"، آملاً أن تتحوّل اللوحة إلى نصب حقيقي وسط بغداد، لتخلّد "انتفاضة جيل حُرم من كل شيء" وفق تعبيره.
وفي هذا الفيديو المنشور على صفحة "ثورة عراقية" (تويتر، اليوم الاثنين)، تظهر بائعة المناديل واسمها دنيا، تتحدث، وتبدو مسرورة لمعرفتها أن الناس أحبّوها:
بائعة المناديل يبدو انها ليست خرساء انما صوتها ثورةوتكول الكم "راضين عليه؟"#العراق_يتعرض_لإبادة_جماعية #iraqProtest pic.twitter.com/08DzcIdFxu
— #IraqiRevolution (@realsadaam) October 7, 2019
"وحشية مقابل سلميّة"
وإذا كانت أغلبية الصور ومقاطع الفيديو المنتشرة في وسائل الإعلام لا تفي المشاركة النسائية حقها، نجد المتظاهرات وصديقاتهن يتبادلن في حساباتهن الشخصية بمواقع التواصل شهاداتهن مكتوبة ومرئية.
يظهر هذا الفيديو، مثلاً، إصابة إحدى المتظاهرات بالغاز المسيل للدموع، ويساعدها متظاهر في الوصول لمكان آمن، بينما تركض متظاهرة أخرى خلال المواجهات.
وفي التعليقات قالت الشابة زهراء ثامر، إنها ظهرت في الفيديو تركض، وأوضحت أنها لم تتوقع أن عناصر الأمن لن يوقعوا الأذى في الفتيات، وأن المتظاهرات اللاتي كن في مواجهة معهم قلن "سلمية سلمية واحنه خواتكم عرضكم وانتو ولدنه".
كما نشرت زهراء فيديو لفتاة مصابة داخل المستشفى قالت إنها "مريضة بالقلب" وشاركت في التظاهر:
وتواظب الصحافية رئم عادل (29 عاماً) على نشر كل ما تيسر لها من فيديو أو صور أو أخبار من ميادين التظاهر، كلما عادت خدمة الإنترنت، وهي التي شاركت في اليوم الأول من التظاهرات في شارع النضال (بغداد، 1 تشرين أول/ أكتوبر 2019)، وتعرضت للإصابة بالغاز المسيل للدموع.
تقول رئم لـ"ارفع صوتك": "مُنعنا من الذهاب مرة أخرى بسبب خطورة الوضع وما حصل معنا يومها لم يكن بالشيء الهين، علماً بأننا لم نرفع أي لافتات محرّضة ولم نحمل سوى العلم العراقي وهتفنا بسلميّة مظاهراتنا".
وتصف رد قوات مكافحة الشغب العراقية بـ"الصاعق" موضحة "صراحة لم نكن نتوقع أن يتم التعامل معنا بهذه الطريقة الوحشية، رغم أننا كنا في الصف الأول مجموعة من النساء والفتيات المستقلات نطالب بحقوقنا المسلوبة لا أكثر".
وحول نوع الاستهداف الذي تعرضت له رئم إلى جانب المتظاهرين/ات، تؤكد لـ"ارفع صوتك: "لا نعلم كيف بدأ الأمر.. ففي لحظة كنّا ننشد نشيدنا الوطني ثم تفاجأنا بالرصاص الحي والغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية، ما أسفر عن حالات اختناق بين النساء وفقدان وعي عدد منهن، وتم نقلنا جميعاً للمشفى".
لم ينته الأمر عند هذا الحد، تضيف رئم "في المشفى أبلغنا بضرورة الإسراع في المغادرة، بسبب توجيه قوة أمنية لاعتقالنا جميعاً".
نسألها "كيف رأى الأهل هذه المشاركة؟ هل تم المنع؟"تقول: "الأهل بطبيعة الحال يخافون على بناتهم بسبب الخطر خصوصاً بعد الرد العنيف على التظاهرات، وهو قمع متعمّد، لكنّ نساء كثيرات ما زلن في ساحات التظاهر يسعفن المصابين، دون خوف، ومن لم تستطع الخروج فهي تقوم بنقل رسالة المتظاهرين عبر وسائل التواصل الاجتماعي وتحميل الفيديوهات والأخبار على أقل تقدير".
وفي صفحتها الشخصية، كتبت إحدى المشاركات اللاتي أصبن بالغاز المسيل للدموع، ولن نذكر اسمها كون المنشور ليس متاحاً للعموم بل لقائمة الأصدقاء فقط:
"أهلي أصدقائي أقاربي، أني بخير ورجعت لأمي ولأبوية سالمة وهسة شوية بديت أستعيد توازني بعد ما فقدت الوعي واستوعبت إللي صار اليوم بيّة وباقي البنات والشباب، ومراح (لن) أحكيلكم (أخبركم) عن ضربهم إلنا واحنا نصيح سلمية سلمية ومراح أحكيلكم عن وكعتي (وقوعي) وفقداني للوعي والركض والخوف اللي هد حيلي وكطع نفسي ومراح أحكيلكم كم موقف بعمري مراح أنساهم من خلالهم تعرفون شنو صار اليوم".
وهذا كلّه في إشارة إلى حدوث كل ذلك، لتتلو بعده المواقف الإيجابية التي شهدتها في الميدان إلى جانب البقيّة، في محاولة لتجاوز الضرر الذي شعرت به.
تقول الشابة (أ.ك) وهو اسم مستعار، إن الشبّان أحاطوا المتظاهرات من مختلف الجوانب بقصد حمايتهن من أي اعتداء محتمل، رغم أنهن تصدرن الصفوف ونادين بشعارات سلمية، مؤكدة على أن العراق هي الكلمة الجامعة للمتظاهرين "كلنا نهتف بصوت عالي باسم العراق وعيوننا تصب (تذرف) الدموع نساء ورجالاً، وأول مرة حسّيت اشكد نحب بلدنا واشكد (كم) نحتاجه ونطالب به ليس بحقوقنا المسلوبة فقط".
في ذات السياق، أجرى مراسل "ارفع صوتك" متين أمين، لقاءات مع نساء أخريات شاركن في التظاهرات، أكدن بدورهن على الرد العنيف ضد المسيرات السلمية.
تقول إقبال طلال إنها لم تنسحب من الميدان واستمرت بالتظاهر حتى بعد إصابة زوجها، لكنها تواجه صعوبة كبيرة يومياً أثناء توجهها إلى ساحات التظاهر في بغداد "بسبب الإجراءات المشددة من قوات أمنية وميليشيات عبر الحواجز التي تعيق تجمع المتظاهرين" فضلاً عن حجب الإنترنت الذي "يمنع تواصل النشطاء، ويحول دون إيصال صوتهم للعالم"
وتوضح لـ"ارفع صوتك": "زوجي عامل بأجر يومي، أصيب خلال هذه التظاهرات إثر إطلاق الرصاص على إحدى ساقيه من قبل القوات الأمنية وهو الآن راقد في البيت، وحالته الصحية تسوء مع مرور الوقت لأننا اضطررنا لتهريبه من المستشفى قبل التعافي بسبب عمليات اعتقال الجرحى من قبل القوات الأمنية في المستشفيات".
وتسأل إقبال "أنا كمواطنه عراقية ما الذي استفذته من هذا النظام وسابقه سوى الحرمان من الحقوق؟".
وأقرت القيادة العسكرية العراقية، اليوم الاثنين، بـ"استخدام مفرط للقوة" خلال مواجهات مع محتجين في مدينة الصدر شرق بغداد، أسفرت عن مقتل 13 متظاهراً ليلاً، حسب مصادر أمنية وطبية. (الحرة عراق)
علياء علي عبدكاظم، متظاهرة أخرى شاركت خلال السنوات الماضية في كافة التظاهرات الاحتجاجية التي شهدتها العراق، وقتل شقيقها خلال احدى هذه التظاهرات بعد تعرضه لإطلاق نار مباشر من قبل شرطي في عهد رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي.
من جانبها، تحرص علياء على التواجد في الصف الأول للتظاهرات الحالية، معتبرةً أنها "كامرأة عراقية من واجبها المشاركة في المظاهرات للمطالبة بحقوق كافة المواطنين العراقيين وهي مطالب شرعية تتلخّص في توفير العيش الكريم لأبناء الشعب، وفرص عمل وسكن".
وأصيبت بالغاز المسيل للدموع مرتين خلال مشاركتها، وحول ذلك، تقول لمراسلنا "كدت أفارق الحياة لولا إنقاذي من قبل زملائي. اختنقت ونزفت دماً من أنفي وفمي".
وروت علياء "شهدتُ قتلاً وتعذيباً واعتقالات عشوائية، كما رأيت العديد من الشبان قد تمزقت أحشاؤهم بسبب إصابتهم بالرصاص الحي، منهم من سقط قتيلاً.. كما رأيت متظاهرين أصيبوا واستمرّوا بالتظاهر".