كان الشاب علي المكدام شاهداً على سقوط أول قتيل في مظاهرات ساحة التحرير وسط بغداد، بيومها الأول، 1 تشرين الأول/أكتوبر.
يروي علي (21 عاما)، "كنا في ساحة التحرير، وتحديداً عند الثالثة إلا ربعاً بعد الظهر، بدأت القوات الأمنية بإطلاق القنابل المسيلة للدموع والرصاص الحي، ولأن تلك القنابل كانت منتهية الصلاحية، تسببت بمقتل شاب لم يبلغ العشرين عاماً بعد".
ويتابع علي في حديث لموقع (ارفع صوتك)، "بعد أن تنشق هذا الشاب الغاز أغمي عليه، وبدأت مادة بيضاء كوغف الصابون تخرج من فمه، صحت بصوت عالِ على المسعفين، جاؤوا يركضون وأخبرني خلدون (أحد المسعفين) أنه توفي، وحملوه إلى المستشفى".
يؤكد علي أن القنابل المستخدمة "كانت منتهية الصلاحية"، وما زال يحتفظ بعدد منها، استخدمت في ساحتي التحرير والطيران، وسط بغداد، ويرسل للموقع صورة إحدى تلك القنابل، المكتوب عليها تاريخ انتهاء الصلاحية في كانون الأول/يناير 2019، أي أنها أصبحت غير صالحة للاستخدام مطلع العام الجاري.
من الثالثة إلا ربعاً من عصر الأول من تشرين الأول/أكتوبر، وحتى فجر اليوم التالي كان رمي الرصاص الحي مستمرا.
توقف مع ساعات الصباح الأولى، وبعد عودة المتظاهرين إلى الساحة عاودت القوات رمي الرصاص وقنابل الغاز المسيلة للدموع.
"اليوم الرابع كان دامياً"
ويعتبر هذا الشاب الذي شارك بالتظاهرات منذ يومها الأول أن رابع يوم لها، والذي صادف في 4 تشرين الأول/أكتوبر، كان "الأقسى والأشد عنفاً، والأكثر سقوطاً في عدد الضحايا".
ويتذكر تفاصيل ذلك اليوم، حيث انطلق من مكان سكنه في منطقة الكرادة داخل مشيا على قدميه، حاله كحال "المجاميع الشبابية المحتجة، كانوا يمرون بين الأزقة الضيقة في شارع السعدون والنضال، ويتجمعون في ساحة الطيران"، فالشوارع الرئيسية كانت مغلقة بسبب منع التجوال.
"الساعة السابعة مساءا بدأت الناس تتجمع من جديد، تجمع العشرات وكانت هتافاتهم لبيك يا عراق، وبالروح بالدم نفديك يا عراق، ويا جيش يا سور الوطن لا تصير ويه الظالم"، يروي الشاب المكدام.
فرقت القوات الأمنية المتظاهرين، لكنهم عادوا وتجمعوا، "استمرت هذه الحالة كعمليات الكر والفر"، على حد وصفه.
ويضيف "بدأ إطلاق الرصاص الحي المباشر على المتظاهرين وكذلك قنابل الغاز المسيل للدموع".
نجا المكدام من الموت في ذلك اليوم بأعجوبة، "كنت أسمع أزيز الرصاص وهو يمر بجانب رأسي، كان الضحايا يتساقطون من حولي، اختبأت خلف الجدران، ركضت بين الصبات الكونكريتية، كنت أبحث عن أي جسم صلب لأختبئ خلفه"، يقول الشاب علي.
لم يتمكن علي "من النوم لثلاث ليالٍ متتالية، بسبب المشاهد والأصوات التي مرت بنا".
مسلحون مجهولون
وثّق الشاب علي المكدام معظم اللحظات والأحداث التي كان حاضرا فيها بالمظاهرات.
الكثير مما وثقه انتشر على صفحات التواصل الاجتماعي داخل وخارج العراق.
وإضافة إلى عمله الحالي في مركز النماء لحوق الإنسان كناشط ومصور، عمل سابقا صحفيا في عدد من المؤسسات الإعلامية الدولية.
مكّنه عمله السابق من عمل علاقات جيدة مع عدد من القادة الأمنيين، وخصوصا في وزارة الداخلية.
تواصل مع عدد منهم أثناء المظاهرات، وأكدوا له "أن من يرمي على المتظاهرين هم مسلحون من خارج القوات الأمنية"، على حد قوله.
ويتابع "أقسم وأنا متأكد مما أقوله، الكثير من عناصر شرطة مكافحة الشغب كان تختبئ إلى جانبنا من رصاص المسلحين المجهولين".
"هربت من التصفية والاعتقال"
انتهى المطاف بالشاب والناشط علي خارج بغداد، بسبب خوفه "من الاعتقال أو التصفية".
يقول علي "لا تتوقف دموعي لأني تركت بغداد، تركت أصدقائي، تركت ساحة التحرير، لكني فعلا أخشى أن أغادر الحياة، أفضل أن أخدم أصدقائي من خارج بغداد على أن أفارقهم".