جنود بريطانيون في مدينة البصرة العراقية -أرشيف
جنود بريطانيون في مدينة البصرة العراقية -أرشيف

"كل الصراعات يجب أن تنتهي بالتحدث مع بعضنا البعض"

 

 

 

رأي يؤمن به عدنان سروار الجندي السابق في الجيش البريطاني الذي حارب في العراق وتحديدا في مدينة البصرة.

سروار عاد إلى العراق بعد سنوات من تجربته العسكرية هناك، لكن هذه المرة صحفيا لتصوير فيلم لصالح محطة بي بي سي. بحث عن أماكن الاشتباك التي شعر فيها بالخطر على حياته، حتى أنه التقى عراقيا شارك في نصب كمين ضد دوريته.

يقول سروار إن "كل الحروب تنتهي بالتحدث مع بعضنا البعض. إذن هيا نتحدث". ويؤكد أن تجربته في العراق جنديا وصحفيا علمته أن الصراعات سواء أكانت حروبا أم حتى نقاشا آخر مثل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي كلها يجب أن تنتهي بـ "الحديث".

سروار كان يتحدث أمام جمهور ضمن فعالية (The Economist’s Open Future Festival).

ويضيف سروار وهو من أصول باكستانية أنه دخل الجيش البريطاني ليلتحق فيما بعد بالحرب التي جرت في العراق في 2003، حيث كانت مجموعته هدفا للقنابل وإطلاق النار من قبل متمردين مسلحين.

حين عاد سروار إلى العراق صحفيا، بدأ بالبحث عن الأماكن التي خدم فيها حين كان جنديا هو وأصدقائه.

حاول سروار الوصول إلى مواقع في العراق كان قد تعرض فيها لهجمات هو وزملائه الجنود الذين حاربوا المسلحين هناك.

وروى سروار للجمهور كيف أن كمينا تعرض له أثناء خدمته العسكرية كان له أثر بالغ في نفسه، حيث كانت المجموعة المسلحة تنوي قتلهم جميعا.

لكنه يستدرك بأنه حين التقى في رحلته الثانية مع رجل كان ضمن المجموعة التي نصبت لهم الكمين وحاولت قتلهم جميعا تغير كل شيء.

ويقول "كان من الممكن أن أبقى غاضبا منه، ولكن لماذا؟ لقد انتهي الأمر. لقد جلسنا سوية على طاولة أمام بعضنا البعض، ولقد كان عراقيا فخورا، قال إن حكومته فاسدة، وتبادلنا الحديث والنكات وكان يدخن كثيرا".

ويضيف "تحدثنا بعمق حتى حل الليل. لم نكن بحاجة إلى انتظار الحكومة لتخبرنا لنتحدث سوية، ولم نكن بحاجة إلى دبلوماسيين لتنظيم جلسة الحوار، لقد تحدثنا فقط".

واستخدم سروار تجربته فيما حدث معه في العراق، وكيف أن مشاعر الغضب تلاشت بالحديث فقط مع من كان يريد قتله هو وأصدقائه.

ويقول "علينا أن نتعلم التعايش مع بعضنا البعض لأن هذه هي الطريقة التي يمكن الاستمرار بها".

ويرى أن الحديث "لن يكون سهلا على الإطلاق، فلا نزال حاجة إلى فهم الهوية والمجتمع".

عدنان سروار عندما كان جندي في العراق


 

ويعتقد سروار أن الحروب سواء أكانت مثل ما حصل في إيرلندا أم ما يحدث حاليا في أفغانستان، أو حتى ما سيحصل في بريطانيا (الخروج من الاتحاد الأوروبي)، كله يجب أن ينتهي بـ "الحديث" بين الأطراف ذات العلاقة.

وقبل 15 عاما، وبالتحديد في 19 مارس 2003 انطلقت عملية عسكرية ضد نظام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين استمرت حتى الأول من مايو 2003.

قادت الولايات المتحدة العملية ضمن تحالف دولي ضم دولا عدة منها بريطانيا التي كان لها دور عسكري بارز في الحرب التي سميت "حرب العراق" أو حرب الخليج الثالثة". حيث شكلت القوات الأميركية والبريطانية نحو 98 في المئة من قوات التحالف.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.