صورة أرشيفية/ مدرسة طالبات في بغداد 2019
صورة أرشيفية/ مدرسة طالبات في بغداد 2019

حين دخلت حنان إياد (14 عاماً) لمرحاض مدرستها، لم تتمالك نفسها من التقيؤ.

تقول لـ "ارفع صوتك": "لا أعلم ما أصابني بعد اضطراري لتناول دواء السعال في ذلك الصباح دون فطور، إذ شعرت بحاجة ماسة طيلة الطريق لدخول المرحاض ودون تفكير توجهت فور وصولي للمدرسة إليه".

لكن الرائحة الكريهة المنبعثة منه، بالإضافة إلى اتساخه، دفع حنان للتقيؤ، كما تقول.

واعتادت طيلة سنواتها الدراسية السابقة ألاّ تدخل المرافق الصحية الخاصة بالمدرسة، لأنها "متسخة دوماً، يتكوم فيها الذباب والحشرات، عدا عن انقطاع المياه المستمر، وانعدام الإضاءة".

وتوضح حنان أن الطالبات "لا يرغبن أبداً باستخدام مراحيض المدرسة حتى في الحالات الحرجة".

"للمعلمات فقط"

عوّدت وسن عباس (15 عاماً) على إلغاء فكرة وجود مرحاض في المدرسة، بتعمّد نسيان حاجتها لاستخدامه، وما إن تصل البيت عائدة من المدرسة حتى تركض سريعاً نحو حمام بيتهم.

تقول وسن لـ"ارفع صوتك": "كلنا نخشى الدخول لمراحيض مدرستنا لأننا ندرك عدم قدرتنا على تحمل وضعها، خاصة أن أبواب بعضها مخلوعة".

وتروي قصة صعبة حصلت معها: "أحد الأيام كان موعد الدورة الشهرية وأنا في المدرسة، فاستعرت فوطة صحية من زميلتي، وقررت وضعها في مرحاض خاص بالمعلمات، لكن معلمة اللغة العربية رأتني قبل الدخول فصرخت في وجهي ومنعتني".

ولأنها لم تجد مكاناً مناسباً، اضطرن وسن للجلوس على أحد الكتب دون حراك حتى نهاية الدوام، كي لا يتسخ ثوبها المدرسيّ، وحين عادت للبيت استعارت سترة طويلة من إحدى زميلتها منعاً للإحراج من ظهور أي بقعة دم، حسبما تابعت قصتها.

إلتهاب المجاري البولية

 قد لا تستطيع كل الطالبات الامتناع عن دخول المرافق الصحية المدرسية طيلة اليوم الدراسي، خاصة إذا كانت أحداهن تعاني من الإصابة بداء السكر أو التهاب المجاري البولية أو المثانة.

تقول سارة حسين (15 عاماً) لـ"ارفع صوتك" إنها  اضطرت لاستخدام مراحيض المدرسة "على الرغم من شاعة منظرها"، مضيفةً  "حاولتُ الاستغناء عنها، لكن احتباس الإدرار تسبب بإصابة مستمرة بالتهاب المجاري البولية".

وتتابع: "بعدما ساءت صحتي، طلب مني الطبيب المتخصص استخدام المرافق الصحية، وألاّ أحبس الإدرار أبداً، وكان هذا الأمر مزعجاً جداً بالنسبة لي لكن ضرورياً".

لاحقاً، أصبحت سارة لا تهتم بوضع المراحيض المدرسية. تقول "مضطرة، ولا حلول بديلة".

"ظاهرة خطيرة"

من جهتها، تقول الخبيرة في علم النفس الاجتماعي الدكتورة بشرى الياسري إن "مدارسنا بحاجة لمرافق صحية حقيقية، فأهميتها لا تقل عن أهمية قاعات الصفوف"، مضيفةً "كيف يمكن لمدرسة أو معلمة محاسبة الطلبة على ارتداء الزي المدرسي وحثهم على الامتثال لتعليمات إدارة المدرسة، بينما المراحيض بهذا الشكل المخزي؟".

وتؤكد الياسري أن هذا حال أغلبية المدارس العراقية، إذ تتناوب على الدوام بشكل عكسي بضمن بناية واحدة. مثلا مدرسة ابتدائية خاصة بالأولاد والثانية متوسطة للبنات" موضحة "هذه ظاهرة سلبية وخطيرة، لأن  كل مدرسة تلقي على الثانية مهمة التنظيف أو الترميم، فضلا عن إغلاق المرافق الصحية نتيجة طفح المجاري لأشهر طويلة، بحجة عدم القدرة المالية".

وتشير إلى أن مشكلة عدم تأهيل المراحيض المدرسية وإهمالها، تؤثر بشكل رئيسي على الحالة الصحية والنفسية للطلبة.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.