حين دخلت حنان إياد (14 عاماً) لمرحاض مدرستها، لم تتمالك نفسها من التقيؤ.
تقول لـ "ارفع صوتك": "لا أعلم ما أصابني بعد اضطراري لتناول دواء السعال في ذلك الصباح دون فطور، إذ شعرت بحاجة ماسة طيلة الطريق لدخول المرحاض ودون تفكير توجهت فور وصولي للمدرسة إليه".
لكن الرائحة الكريهة المنبعثة منه، بالإضافة إلى اتساخه، دفع حنان للتقيؤ، كما تقول.
واعتادت طيلة سنواتها الدراسية السابقة ألاّ تدخل المرافق الصحية الخاصة بالمدرسة، لأنها "متسخة دوماً، يتكوم فيها الذباب والحشرات، عدا عن انقطاع المياه المستمر، وانعدام الإضاءة".
وتوضح حنان أن الطالبات "لا يرغبن أبداً باستخدام مراحيض المدرسة حتى في الحالات الحرجة".
"للمعلمات فقط"
عوّدت وسن عباس (15 عاماً) على إلغاء فكرة وجود مرحاض في المدرسة، بتعمّد نسيان حاجتها لاستخدامه، وما إن تصل البيت عائدة من المدرسة حتى تركض سريعاً نحو حمام بيتهم.
تقول وسن لـ"ارفع صوتك": "كلنا نخشى الدخول لمراحيض مدرستنا لأننا ندرك عدم قدرتنا على تحمل وضعها، خاصة أن أبواب بعضها مخلوعة".
وتروي قصة صعبة حصلت معها: "أحد الأيام كان موعد الدورة الشهرية وأنا في المدرسة، فاستعرت فوطة صحية من زميلتي، وقررت وضعها في مرحاض خاص بالمعلمات، لكن معلمة اللغة العربية رأتني قبل الدخول فصرخت في وجهي ومنعتني".
ولأنها لم تجد مكاناً مناسباً، اضطرن وسن للجلوس على أحد الكتب دون حراك حتى نهاية الدوام، كي لا يتسخ ثوبها المدرسيّ، وحين عادت للبيت استعارت سترة طويلة من إحدى زميلتها منعاً للإحراج من ظهور أي بقعة دم، حسبما تابعت قصتها.
إلتهاب المجاري البولية
قد لا تستطيع كل الطالبات الامتناع عن دخول المرافق الصحية المدرسية طيلة اليوم الدراسي، خاصة إذا كانت أحداهن تعاني من الإصابة بداء السكر أو التهاب المجاري البولية أو المثانة.
تقول سارة حسين (15 عاماً) لـ"ارفع صوتك" إنها اضطرت لاستخدام مراحيض المدرسة "على الرغم من شاعة منظرها"، مضيفةً "حاولتُ الاستغناء عنها، لكن احتباس الإدرار تسبب بإصابة مستمرة بالتهاب المجاري البولية".
وتتابع: "بعدما ساءت صحتي، طلب مني الطبيب المتخصص استخدام المرافق الصحية، وألاّ أحبس الإدرار أبداً، وكان هذا الأمر مزعجاً جداً بالنسبة لي لكن ضرورياً".
لاحقاً، أصبحت سارة لا تهتم بوضع المراحيض المدرسية. تقول "مضطرة، ولا حلول بديلة".
"ظاهرة خطيرة"
من جهتها، تقول الخبيرة في علم النفس الاجتماعي الدكتورة بشرى الياسري إن "مدارسنا بحاجة لمرافق صحية حقيقية، فأهميتها لا تقل عن أهمية قاعات الصفوف"، مضيفةً "كيف يمكن لمدرسة أو معلمة محاسبة الطلبة على ارتداء الزي المدرسي وحثهم على الامتثال لتعليمات إدارة المدرسة، بينما المراحيض بهذا الشكل المخزي؟".
وتؤكد الياسري أن هذا حال أغلبية المدارس العراقية، إذ تتناوب على الدوام بشكل عكسي بضمن بناية واحدة. مثلا مدرسة ابتدائية خاصة بالأولاد والثانية متوسطة للبنات" موضحة "هذه ظاهرة سلبية وخطيرة، لأن كل مدرسة تلقي على الثانية مهمة التنظيف أو الترميم، فضلا عن إغلاق المرافق الصحية نتيجة طفح المجاري لأشهر طويلة، بحجة عدم القدرة المالية".
وتشير إلى أن مشكلة عدم تأهيل المراحيض المدرسية وإهمالها، تؤثر بشكل رئيسي على الحالة الصحية والنفسية للطلبة.