متظاهر في العراق
متظاهر في العراق

لم تجد السلطات العراقية، أمام عجزها على كبح موجة الاحتجاجات الجديدة ضد الفساد إلا قطع الإنترنت، كسلاح اعتقدت أنه حاسم لمنع تدفق الصور والفيديوهات الدامية للمتظاهرين. ​

لكن السلطات لم تقطع بذلك فقط جسور التواصل، بل قطعت أرزاق الآلاف من أصحاب المشاريع الحرة الناشئة الذين خسروا حتى الآن ما يقارب المليار دولار، وفق تقرير لفرانس برس.

وبعد انطلاق موجة الاحتجاجات في الأول من أكتوبر، حجبت السلطات العراقية إمكانية الوصول إلى فيسبوك وإنستغرام وتطبيق واتساب، قبل أن تقطع الإنترنت تماماً في اليوم التالي.

ولا يزال العراقيون حتى اليوم محرومين من إمكانية الدخول إلى وسائل التواصل الاجتماعي، رغم عودة الهدوء إلى شوارع البلاد التي شهدت أسبوعاً من الاحتجاجات الدامية وأسفرت عن مقتل مئة وعشرة أشخاص، بحسب المفوضية العراقية لحقوق الإنسان.

الإلتفاف على الحجب

وحاول بعض العراقيين الالتفاف على الحجب، ولجأ بعضهم سراً إلى لتنزيل تطبيقات الـ"في بي أن" وهي شبكة خاصة افتراضية تتيح الاتصال بخوادم خارج البلاد، فيما أقدم آخرون على استخدام وسائل اتصال بالأقمار الاصطناعية، وهي ذات تكلفة مرتفعة جداً، من أجل التواصل مع العالم الخارجي.

غير أن أكثر المتضررين من القطع هي الشركات التي يعتمد عملها على شبكة الإنترنت، والتي لا يعتبر الالتفاف على الحجب مخرجا لها.

ويقول مدير المحاسبة في شركة لتوصيل الطلبات تعمل بنظام تطبيق إلكتروني لوكالة فرانس برس وصلت خسائرنا اليومية إلى أكثر من 50 في المئة".

ويفترض بالزبون الدخول إلى تطبيق التوصيل وتحديد طلبيته التي تصل إلى الشركة فتتواصل الأخيرة مع البائع المعني لتحضير الطلب وإرساله، ويمكن للزبون متابعة العملية مباشرة عبر التطبيق.

لكن "التطبيق لا يعمل، أقله ليس في كل مكان، حتى مع "في بي أن" ورغم أننا وضعنا خريطة يمكن تصفحها من دون إنترنت، وهناك تأخير كبير، وبالتالي نخسر رضا زبائننا أيضا"، وفق المدير نفسه الذي طلب عدم كشف هويته.

وزادت الشركة من وتيرة استخدام الاتصالات العادية والرسائل النصية بسبب انقطاع الإنترنت، ما أسفر عن خسارات مالية كبيرة، خصوصاً في فترة آخر العام المخصصة عادة للحسابات المالية.

خسائر بنحو مليار دولار  

وبحسب منظمة "نيتبلوكس" غير الحكومية المتخصصة بالأمن السيبراني، فإن الخسائر التي تكبدها الاقتصاد العراقي بأكمله خلال سبعة أيام فقط، حيث لا تزال التجارة الإلكترونية ناشئة، تصل الى 951 مليون دولار.

فيما وصلت تكلفة القيود المفروضة، منذ 12 يوماً، على شبكة الجيل الثالث للهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي نحو عشرة ملايين دولار يومياً.

ويقول أحد مؤسسي شركة ناشئة لريادة الأعمال في بغداد لفرانس برس "عمليات البيع أونلاين متوقفة منذ 12 يوماً، لأنها تعتمد خصوصاً على وسائل التواصل".

ويضيف طالبا عدم كشف اسمه "هناك أكثر من 15 ألف صفحة للمبيعات على الأقل في العراق تبيع عادة بين 10 إلى 15 طلباً يومياً بقيمة 50 ألف دينار (40 دولاراً) للطلب الواحد (أي عشرات ملايين الدولارات حتى اليوم). كل هذا توقف.

ويشير إلى أن الركود طال خصوصا "النساء المعيلات، والفتيات اللواتي لا يمكنهن العمل خارج المنزل" في بلد محافظ كالعراق"

ويلفت أيضاً إلى أنه، بحسب إحصاءات أولية، هناك مثلاً أكثر من 400 سائق دراجة، وخمسة آلاف سائق سيارة لا يعملون حالياً، خصوصاً أولئك الذين يعتمدون على تطبيقات شركات التاكسي التي تعمل بالإنترنت فقط".

  لا أفق للحل  

وطال الحظر بشكل كبير أيضا مكاتب السياحة والسفر التي توقفت حجوزاتها بشكل شبه تام، ووصلت خسائرها إلى نحو "15 ألف دولار يومياً"، بحسب ما تقول موظفة في شركة معروفة في العاصمة.

وتقول الموظفة لفرانس برس "لم نتمكن من حجز أي رحلات. كان بديلنا الوحيد العمل عبر الهاتف مع شركات في أربيل"، كبرى مدن إقليم كردستان في شمال العراق الذي لم يطله الحجب لارتباطه بالشبكة من خلال نظام مختلف.

لكن ذلك لا يحقق أي أرباح للشركات، بل فقط يسمح لها بالاستمرار في سوق العمل والحفاظ على الزبائن.

وتقول الموظفة في شركة السفر "بسبب أزمة الإنترنت ترك أربعة من زملائنا العمل، لتخوفهم من عدم حصولهم على رواتب"، ويعزّز هذا الخوف أن "غالبية شركات السياحة قلّلت رواتب موظفيها بنسبة 30 في المئة.

ويؤكد مزودو خدمة الإنترنت في العراق لعملائهم أنه لا يمكن تحديد موعد معين أو جدول زمني لعودة الإنترنت أو رفع القيود الحالية.

وأعلنت وزارة الاتصالات نهاية الأسبوع الماضي أنها استحصلت على الموافقات الرسمية بشأن إعادة خدمة الانترنت "على مدار الساعة ودون انقطاع"، لكن ذلك لم يترجم واقعا. ​​

ويشهد العراق احتجاجات ضد تفشي الفساد، وسعيا لامتصاص السخط الشعبي، أعلنت الحكومة سلسلة إجراءات لتلبية مطالب المحتجين.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.