نازحون هاربون من قرية "رأس العين" السورية الكردية/ ا ف ب، 2019
نازحون هاربون من قرية "رأس العين" السورية الكردية/ ا ف ب، 2019

أعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، اليوم الأربعاء، أن 150 ألف مدني على الأقل نزحوا منذ بدء العملية العسكرية التركية شمال سوريا، ومن المتوقع أن يحتاج 400 ألف شخص للمساعدة خلال الأيام والأسابيع القادمة.

ومن بين النازحين، نحو 70 ألف طفل، وفق تقديرات منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونسيف).

في ذات الوقت أعلنت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا في بيان لها حصل "ارفع صوتك" على نسخة منه، عن "ارتفاع أعداد النازحين إلى أكثر من 275 ألف نازح بينهم 70 ألف طفل إضافة للعديد من المصابين والجرحى دون توفر الرعاية والتجهيزات الطبية والدوائية اللازمة بعد توقف معظم المراكز الطبية عن العمل". 

وأوقفت المنظمات الدولية العاملة في شمال شرق سوريا عملها وسحبت موظفيها خلال اليومين الماضيين بعد اشتداد القصف التركي واستمرار المعارك في البلدات الواقعة على طول الحدود السورية التركية، واستهداف الغارات الجوية والمدافع التركية للمستشفيات وقوافل المساعدات الإنسانية في هذه المدن.

وقال الصحفي محمد بشار لـ"ارفع صوتك"، إن "غالبية النازحين هربوا نحو القرى والبلدات القريبة من مناطقهم المحاذية للحدود التركية، وهم بلا مأوى، بنامون في العراء، ما يُنذر بأزمة إنسانية كبيرة في المنطقة".

وأضاف أن "العائلات النازحة بمعظمها لم تجلب معها أياً من احتياجاتها الرئيسة، إذ حاولت النجاة بحياتها فقط من القصف المتواصل، بالتالي يوجد نقص حاد في الغذاء والدواء وحليب الأطفال".

"خرق للقانون الإنساني"

وحذرت منظمات محلية في شمال شرق سوريا من تفاقم الأزمة في حال استمرار المعارك لوقت أطول خصوصاً مع اقتراب فصل الشتاء.

بدوره، قال شيروان بري، وهو مسؤول الهلال الأحمر الكردي في شمال شرق سوريا، إن "جميع المنظمات غير الحكومية الدولية اضطرت لسحب موظفيها الدوليين بعد الاتفاق بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية".

وتابع القول "لم يعد بإمكان المنظمات الوصول إلى المنطقة، وانخفضت الخدمات المقدمة للنازحين الجدد ومخيمات النازحين المثقلة بالأعباء مسبقاً إلى الحد الأدنى، لتُترك الآن بدعم محدود للغاية"، واصفاً التنسيق بين المنظمات غير الحكومية المحلية المتبقية ومنظمات الأمم المتحدة بالـ"ضعيف".

وقال بري إن "هناك فجوات كبيرة في الخدمات الحيوية مثل المأوى ومياه الشرب والغذاء، فيما التنسيق للاستجابة على الحالات الطارئة أمر بالغ الصعوبة بعد أن سحبت جميع المنظمات غير الحكومية الدولية موظفيها المغتربين الأساسيين".

وتركيا "لا تقبل بمنظمة الهلال الأحمر الكردي كمنظمة مساعدات إنسانية محايدة" رغم أنها الآن هي الوحيدة العاملة في مجال خدمات الطوارئ، وفق بري.

وأكد أن "الجيش التركي والفصائل الموالية له تخرق القانون الإنساني الدولي من خلال استهداف سيارات الإسعاف ونقطة الصحة لدى الهلال الأحمر" مضيفاً "لكننا سنواصل عملنا رغم الصعوبات".

ورغم نفيه وجود أي موجة لجوء حالية باتجاه أراضي كردستان العراق، إلا أن بري أوضح لـ"ارفع صوتك": "حالياً لم يحدث أي لجوء، لكن في أفضل الأحوال، سينتهي الأمر في لجوء هائل نحو العراق".

وقال إن سكان شمال شرق سوريا يواجهون "حملة إبادة جماعية على يد تركيا وحلفائها من الفصائل المتطرفة"، داعياً المجتمع الدولي والمنظمات الدولية والعربية إلى "تقديم مساعدات عاجلة للسكان والضغط على أنقرة لإيقاف الحرب قبل وقوع كارثة إنسانية".

"930 لاجئاً"

تباينت المعلومات حول أرقام اللاجئين نحو كردستان العراق، وإذا كان بري نفى وجود موجة لجوء من أساسه، فقد ذكرت وكالة "فرانس برس"، الأربعاء، عن مسؤول كردي في محافظة دهوك، وصول نحو 500 كردي سوري خلال الأيام الأربعة الماضية إلى الإقليم.

وتم نقل تلك العائلات إلى مخيمات للاجئين في شمال غرب العراق، التي كانت بدورها ملاذاً آمناً لملايين النازحين العراقيين مع اجتياح تنظيم داعش للبلاد في العام 2014، حسب "فرانس برس".

من جهة أخرى، أفاد مركز التنسيق المشترك للأزمات في إقليم كردستان العراق، أن أكثر من 930 لاجئاً سورياً وصلوا إلى الإقليم، هرباً من العمليات العسكرية التي يشنها الجيش التركي والفصائل السورية الموالية له ضد قوات سوريا الديمقراطية في شمال شرق سوريا.

وأكد المدير العام للمركز هوشنك محمد، لـ "ارفع صوتك" أن "وزارة الداخلية في حكومة إقليم كردستان وضعت خطة طوارئ لاستقبال اللاجئين السوريين، وحسب هذه الخطة تجري حالياً على مستوى محافظات دهوك وأربيل والسليمانية الاستعدادات اللازمة لإنشاء مخيمات لإيواء اللاجئين".

وقال محمد "نعمل على مستوى الإقليم وبغداد لتوفير المساعدات المالية والإنسانية، كي نتمكن من استقبال اللاجئين ودعمهم وتقديم المساعدات الغذائية والخدمات الرئيسية من مياه شرب وكهرباء لهم"، لافتاً إلى استمرار عمليات اللجوء من شمال شرق سوريا باتجاه إقليم كردستان.

وتابع: "اللاجئون الذين وصلوا كردستان حتى الآن تم إيواؤهم في مخيم يقع في بلدة بردرش بمحافظة دهوك".

وكشف محمد لـ"ارفع صوتك" عن إقامة ثلاثة مخيمات في محافظات دهوك وأربيل والسليمانية لاستقبال اللاجئين الكرد السوريين، تستوعب جميعها نحو 50 ألف لاجئ.

في ذات السياق، وثّق المرصد السوري لحقوق الإنسان، أمس الثلاثاء، زيادة عدد القتلى والجرحى من المدنيين إثر المعارك الجارية.

وأعلن في بيان له عن مقتل 71 من المدنيين العُزّل بينهم 21 طفلاً، كما وصل عدد الجرحى من المدنيين إلى المئا،ت غالبيتهم من النساء والأطفال.

وتعليقاً على الوقائع الجارية في الشمال الشرقي السوري، قالت منظمة "أطباء بلا حدود" الدولية، إنها "أجلَت موظفيها الدوليين من شمال شرق سوريا، لكنها ستستمر في تقديم الدعم للسوريين عن بُعد كما ستبحث عن طرق تمكنها من تقديم المساعدة للسكان".

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.