صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

اعتنق مؤيد ميسان الإسلام -على الورق فقط- كي يتزوج حبيبته المسلمة.

وبموجب قانون الأحوال الشخصية العراقي "لا يصح زواج المسلمة من غير المسلم"، بالتالي على الرجل أثناء عقد القران تقديم شهادة تثبت ديانته.

والقانون نفسه، يسمح للرجل المسلم بالزواج من كتابية (مسيحية أو يهودية) دون شروط.

وينحدر مؤيد (اسم مستعار)، من أسرة مسيحية متدينة، لذلك ما زال حريصاً على التكتم بشأن هذا الزواج، خشية غضب عائلته، حسبما أفاد المحامي محمد جمعة، المطلع على القصة.

يقول جمعة لـ"ارفع صوتك" إن مؤيد الذي استقر بعد زواجه قبل شهور في بغداد، يمارس حياته الطبيعية كمسيحي لا كمسلم.

ومستقبلاً، حال إنجاب الأولاد، قد يُضطر مؤيد لتسجيل أطفاله بوصفهم "مسلمين" في الوثائق الرسمية، تبعاً للقانون.

وروى المحامي جمعة قصة عراقية مسلمة أخرى تزوجت مسيحياً، وأنجبا طفلين، عاشا لمدة سنوات من دون أوراق ثبوتية للطفلين، تجنباً من الأب لتسجيلهما كمسلمين، هذا الأمر دفع العائلة لهجرة العراق.

إلا تونس..

تتفق غالبية قوانين الأسرة والأحوال الشخصية في الدول العربية على أنه "يصح للمسلم أن يتزوج كتابية، ولا يصح/ لا يجوز، زواج المسلمة من غير المسلم"، باستثناء تونس التي أقرت نهاية عام 2017 إلغاء حظر زواج التونسيات المسلمات من غير المسلمين.

وتستند الدول العربية في هذا التشريع على نصوص دينية، واجتهادات فقهية قديمة ومعاصرة تحرّم بشكل قاطع زواج المسلمة من غير المسلم.

وقبل نحو أربع سنوات قضت محكمة سودانية على المواطنة مريم إسحق، المولودة لأب مسلم وأم مسيحية، بالإعدام شنقاً، بتهمة الردة عن الإسلام، إضافة إلى 100 جلدة بتهمة الزنا، بسبب زواجها من مواطن أميركي مسيحي.

لكن السلطات السودانية اضطرّت لاحقاً تحت ضغط الانتقادات الحقوقية والدولية الواسعة للإفراج عن إسحق، بعد أن قضت نحو 8 أشهر في السجن.

ويفتي كثير من فقهاء المسلمين، خصوصاً السلفية الوهابية، ببطلان العلاقة الزوجية بين مسلمة ورجل غير مسلم، بوصفه "سفاح"، يستوجب إقامة "حد الزنا".

وأثار قرار السلطات التونسية السماح بهذا النوع من الزواج في تونس جدلاً دينياً واسعاً تجاوز حدود البلاد، ورأت مشيخية الأزهر في مصر، أن الفتوى التي بني عليها هذا القرار "تتصادم مع أحكام شريعة الإسلام".

"هجينة"

تذهب يسرى الغنوشي، وهي باحثة عربية حاصلة على دكتوراه في العلوم الإسلامية من جامعة لندن، إلى أن ما يمكن استنتاجه من القرآن الكريم هو "تحريم زواج المشركين على المسلمين-،رجالاً ونساء، وإباحة الزواج من الكتابية للمسلم بشروط".

وتقول: "استند اجماع الفقهاء على عدم وجود نص صريح يبيح للمسلمة الزواج بكتابي على عكس الرجل.. لذلك استدلوا بأدلة عقلية مبنية على انعدام الكفاءة بين المسلمة وغير المسلم، أو حرمة إسداء سلطة أو ولاية لمسلم على غير مسلم، أو على مبدأ المصلحة (إمكانية منع غير المسلم زوجته المسلمة من ممارسة شعائر دينها أو التأثير عليها لتغيير دينها) وتلافياً لاتبّاع الأبناء دين أبيهم".

وتتابع الغنوشي القول عبر مقال نشرته في مجلة "ميم" المهتمة بقضايا المرأة العربية: "بغض النظر عن مدى إقناع هذه الأدلة، يرى البعض أنها مبنية على مفاهيم غير ثابتة وإنما تتغير حسب الزمان والمكان ولا تنطبق على كل فرد وكل حالة".

وتؤكد أن هذا التغيير "معترف به حتى من العلماء غير المعاصرين الذين اعتبروا زواج المسلم من الكتابية مكروهاً خارج دار الإسلام".

وانتقد ناشطون وحقوقيون التمييز القانوني في الزواج المختلط  على أساس الدين أو الجنس.

يصف المحامي العراقي محمد جمعة، النصوص القانونية التي تجرم زواج المرأة المسلمة برجل غير مسلم وتجيز للرجل العكس، بأنها نصوص "هجينة تخالف المبادئ الدستورية والاتفاقيات والمواثيق الدولية التي تكفل حرية المعتقد" مضيفاً "كما تعكس تمييزاً سلبياً ضد المرأة".

احتجاج مسيحي

يقول الأب رفعت بدر، وهو مدير المعهد الكاثوليكي بالأردن: "ما دامَ زواج المسلمة من المسيحي غير جائز، وزواج المسيحية من المسلم جائزاً، فهذا يعتبر استضعافاً للمسيحي".

ودفعت حوادث هروب فتيات مسلمات مع شباب مسيحيين بغية الزواج في الأردن، السلطات الأردنية إلى اعتماد تعليمات جديدة بينها إتمام الزواج بحضور أهل الفتاة، والتأكد من اعتناق الرجل للإسلام عن قناعة دينية.

من جهتها، تقول رهادة عبدوش، وهي محامية سورية وناشطة حقوقية في مجال الأسرة، لـ"ارفع صوتك" إن "الكثير من جرائم ما يسمى بالشرف تُرتكب بسبب هذا النوع من الزيجات"، معتبرة الأمر برمّته "تمييزاً بين الأديان".

وترى أن الحل الأمثل لهذه الإشكالية في "إقرار السماح بالزواج المدني" مستدركة "إلا أنه أمر بعيد المنال في المنطقة العربية، لأنه مرفوض دينياً وشعبياً".

على خلاف ذلك، يرى عبدالسلام المصري، وهو باحث مصري في مجال الأديان، أن المسألة ليست "تمييزاً" في ضوء "الخصوصية الدينية التي حددت طبيعة العلاقات الإنسانية ومنها ما يتعلق بموضوع الزواج".

"هناك في المقابل عدد من الطوائف المسيحية أقرت عدم الزواج من خارج الطائفة، القوانين العربية قننت فقط هذه الخصوصية"، يقول المصري لـ"ارفع صوتك".

ويوضح أن "الإجماع الفقهي يؤيده إجماع من العادات والتقاليد التي من الصعب تغييرها، كما أن الحل المطروح بالاتجاه للزواج المدني لن يكون مقبولا في العالم العربي".

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

متطوعو الإغاثة وعوائل الضحايا تجمعوا امام المستشفى
متطوعو الإغاثة وعوائل الضحايا تجمعوا امام المستشفى

حذر ناشطون من محافظة نينوى العراقية، الثلاثاء، من قلة أعداد المستشفيات المجهزة للتعامل مع ضحايا فاجعة حريق زفاف الحمدانية الذي راح ضحيته المئات من القتلى والمصابين، فيما قال مراسل "الحرة" إن مستشفيات المدينة ملئت بالضحايا، في حين أكدت وزارة الصحة العراقية أن الوضع "تحت السيطرة". 

وقال المراسل إن مستشفيات محافظة نينوى "لم تعد قادرة على استقبال المزيد من الجرحى" وأن بعضهم نقل إلى مستشفيات مدينة أربيل المجاورة.

ولقي 100 شخص من المحتفلين بعرس في العراق، على الأقل، مصرعهم، في ساعة متأخرة من مساء الثلاثاء بالتوقيت المحلي، نتيجة اشتعال النار في قاعة الحفلات التي كان يقام فيها الزفاف في مدينة الحمدانية في الموصل، وفقا لدائرة الصحة في محافظة نينوى.

وقالت الدائرة لوكالة الأنباء العراقية الرسمية إن الحصيلة الأولية لضحايا العرس وصلت إلى 100 شخص.

رجال إطفاء عراقيون يطفئون حريقا في إحدى مدن البلاد.. صورة تعبيرية
العراق.. 100 قتيل على الأقل في حريق بقاعة زفاف
لقي 100 شخص من المحتفلين بعرس في العراق، على الأقل، مصرعهم، في ساعة متأخرة من مساء الثلاثاء بالتوقيت المحلي، نتيجة اشتعال النار في قاعة الحفلات التي كان يقام فيها الزفاف في مدينة الحمدانية في الموصل، وفقا لدائرة الصحة في محافظة نينوى.

ووفقا للهلال الأحمر العراقي فإن حصيلة القتلى والجرحى وصلت لأكثر من 450 شخصا حتى الآن.

 

ونقل مراسل "الحرة" عن شهود عيان قولهم إن الحريق اندلع بعد استخدام عدد من المدعوين ألعابا نارية داخل قاعة الزفاف.

وأعلنت مديرية الدفاع المدني في نينوى في وقت سابق إطفاء الحريق بشكل كامل وإخراج كافة الضحايا من القاعة، لكن الناشط الذي يشارك في تنسيق عمليات الإغاثة في المدينة، صقر آل زكريا، رجح في حديثه لموقع "الحرة" تواجد ضحايا تحت الركام.

وقال زكريا إن "جميع سكان مدينة بغديدا خسروا أقارب في الحريق".

ومدينة بغديدا التي تقع في قضاء الحمدانية في محافظة نينوى هي مدينة تعيش فيها أغلبية مسيحية، وأغلب عائلاتها تربطها صلات قرابة وثيقة ببعضها البعض.

كما قال زكريا إن مدعوين من الأيزيديين قضوا أيضا في الحادث.

حملات إغاثة

وأظهرت تسجيلات أرسلها زكريا طوابير طويلة من السيارات تهرع إلى المستشفى ومكان الحادث، فيما تجمع العشرات من أقارب الضحايا أمام المستشفى، بالإضافة إلى العشرات من المتطوعين.

متطوعو الإغاثة وعوائل الضحايا تجمعوا امام المستشفى

وقال زكريا إن "مذاخر" المدينة (الاسم الشائع لباعة الأدوية بالجملة) وصيدلياتها بدأت فورا بالتبرع بالأدوية والضمادات لتغطية النقص في المستشفيات الحكومية، كما أن المواطنين بدؤوا ينقلون الجرحى بسياراتهم لتوزيعهم على مستشفيات المدينة في ظل النقص بسيارات الإسعاف.

وذكر أن حالة المستشفيات في نينوى "صعبة"، في ظل نقص الإمكانات.

صيدليات الموصل فتحت أبوابها في ساعة متأخرة من الليل للمساهمة بجهود الإنقاذ

الوزارة تطمئن

من جهتها، أكدت وزارة الصحة العراقية، أن الوضع "مسيطر عليه" في دائرة صحة نينوى، مشيرة إلى تطبيق متابعة دقيقة من مركز العمليات في الوزارة لإسعاف المصابين جراء حريق الحمدانية، بحسب ما ذكرته وكالة الأنباء العراقية "واع". 

ونقلت "واع" ما قاله المتحدث باسم وزارة الصحة، سيف البدر، في تسجيل، إنه "بتوجيه مباشر من قبل وزير الصحة فإن جميع دوائر الصحة مستنفرة لتقديم الدعم لدائرة صحة نينوى".

وأكد البدر أن "الوضع مسيطر عليه بحدود دائرة صحة نينوى".

وأضاف أن "الدعم وصل من جميع المحافظات المجاورة وإقليم كردستان إلى دائرة صحة نينوى"، لافتا إلى أن "هناك متابعة للإسعافات الأولية المقدمة للمصابين وحسب نوع الإصابة، حيث بعض الحالات تكون حالتها بسيطة الى متوسطة وأخرى تكون صعبة تحال إلى المراكز التخصصية".

وأشار إلى أن "الإحصائية الأولية نقلا عن دائرة صحة نينوى 100 حالة وفاة ونحو 150 إصابة"، وأعاد التأكيد على أن "الوضع مسيطر عليه وهناك متابعة دقيقة من مركز العمليات في الوزارة".

وبين أنه "تنفيذا لتوجيهات وزير الصحة مخازن الشركة العامة لتسويق الأدوية والمستلزمات الطبية في وزارة الصحة تواصل إرسال شحنات الأدوية والمستلزمات الطبية إلى نينوى لإسعاف وعلاج مصابي الحريق".

أسباب الحريق

ووفقا لزكريا، المطلع على حالة قاعة الأعراس قبل الحادث، فإن ما ساهم في الحريق هو كون الجدران مصنوعة من مادة "سندوتش بنل" وهي صفائح معدنية معزولة بنوع من الإسفنج الذي يسهم بالعزل الحراري، لكنه سريع الاشتعال للغاية.

كما أنه يقول إن "السقوف والجدران مغطاة بستائر قماشية للزينة، قد تكون أسهمت أيضا بانتشار الحريق بسرعة".

وكشفت مديرية الدفاع المدني، ليل الثلاثاء الأربعاء، أن ""قاعة الأعراس مغلفة بألواح الايكوبوند سريع الاشتعال"، وقالت إن القاعة "مخالفة لتعليمات السلامة" وقد أحيلت إلى القضاء "حسب قانون الدفاع المدني المرقم 44 لسنة 2013 لافتقارها إلى متطلبات السلامة من منظومات الإنذار والإطفاء الرطبة في منطقة الحمدانية بمحافظة نينوى"، وفق ما نقلته وكالة الأنباء الرسمية "واع".

ونقلت "واع" عن المديرية قولها إن "الحريق أدى إلى انهيار أجزاء من القاعة نتيجة استخدام مواد بناء سريعة الاشتعال واطئة الكلفة تتداعى خلال دقائق عند اندلاع النيران".