الرئيس العراقي برهم صالح/ فرانس برس
الرئيس العراقي برهم صالح/ فرانس برس

أعلن رئيس الجمهورية العراقية برهم صالح، الخميس، استعداده لتقديم استقالته، احتجاجاً على تقديم أسعد العيداني كمرشح لشغل منصب رئيس الوزراء.

وقدّم صالح رسالة إلى رئيس البرلمان العراقي، قال فيها "في ضوء الاستحقاقات التي فرضتها حركة الاحتجاج المحقة لأبناء شعبنا، تحتم علينا أن ننظر إلى المصلحة العُليا قبل النظر إلى الاعتبارات الشخصية والسياسية".

وأضاف فيها "مع كل الاحترام والتقدير للأستاذ أسعد العيداني، أعتذر عن تكليفه مرشحاً عن كتلة البناء (...) وبما أن هذا الموقف المتحفظ من الترشيح الحالي قد يعد إخلالاً بنص دستوري، لذلك أضع استعدادي للاستقالة من منصب رئيس الجمهورية أمام أعضاء مجلس النواب، ليقررو في ضوء مسؤولياتهم كممثلين عن الشعب ما يرونه مناسباً".

 

 

وسرعان ما كان التفاعل في مواقع التواصل إثر هذه الرسالة، منهم الذي اعتبر استعداده للاستقالة خطوة "شجاعة ومشرفة" وآخر رأى فيها "تهرباً من المسؤولية".

 

 

 

 

وكان عشرات المتظاهرين العراقيين أغلقوا، اليوم، طرقاً، بعضها بإطارات سيارات مشتعلة، في بغداد ومدن في جنوب العراق وسط احتجاجات غاضبة ضد القادة السياسيين الذين ما زالوا يتفاوضون للبحث عن مرشح بديل لرئيس الوزراء المستقيل.

وتصاعدت سحب الدخان خلال ساعات الليل في سماء مدن بينها البصرة والناصرية والديوانية، وعلى امتداد طرق رئيسية وجسور تقطع نهر الفرات.

وعند الصباح، رفعت الحواجز عن بعض الطرق، بعد ساعات من قطعها لإعاقة وصول الموظفين إلى مواقع عملهم، بينها طريق يؤدي إلى ميناء أم قصر، في أقصى جنوب العراق، ويستخدم للاستيراد بصورة رئيسية.

وسببت هذه الإغلاقات اختناقات مرورية وشلل على طرق رئيسية داخل وخارج عدد كبير من المدن، كما هو الحال في العاصمة بغداد التي تعد ثاني أكبر العواصم العربية من حيث عدد السكان.

ففي الناصرية، أحرق متظاهرون مجددا مبنى المحافظة الذي تعرض لحرق خلال الأيام الماضية في حين تشهد المدينة احتجاجات منذ ثلاثة أشهر، كما قطعوا طرقا وجسورا مهمة هناك.

وفي الديوانية، أحرق متظاهرون مقرا جديدا لإحدى الفصائل المسلحة الموالية لإيران واستمروا بقطع طريق رئيسي يربط المدينة بمدن أخرى في جنوب العراق.

ويرفض المتظاهرون في عموم العراق أيا من "مرشحي الأحزاب" السياسية التي شاركت في حكم البلاد خلال السنوات الست عشرة الماضية.

وهتف محتجون في مدينة الكوت، خلال تظاهرة حاشدة الخميس وسط المدينة الجنوبية، "نرفض أسعد الإيراني".

وقال المتظاهر ستار جبار (25 عاما) متحدثا من الناصرية، إن "الحكومة رهينة الأحزاب الفاسدة والطائفية" وتابع "سنواصل الاحتجاجات " حتى تحقيق مطالبنا.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.