متظاهر في محافظة النجف
متظاهر في محافظة النجف

في النجف ليل الثلاثاء، مجاميع مسلحة برفقة قوات سوات تقوم برمي عشوائي للرصاص الحي من أسلحة خفيفة ومتوسطة باتجاه المتظاهرين، وفق ما زودنا به أحد الناشطين في التظاهرات، مرفقا صوراً للمصابين.

يروي الناشط أن "خيم الطبابة ومستشفيات المدينة امتلأت بالمصابين فضلا عن 8 قتلى (حتى لحظة الاتصال)"، مضيفا في حديث لموقع (ارفع صوتك)، أن "المسلحين استخدموا كل أنواع الأسلحة والقنابل الصوتية والتفوا على المتظاهرين من عدة محاور وشوارع".

ويتابع "الكثير من المتظاهرين هربوا بعد قيام ميليشيا القبعات الزرقاء بحرق خيم التظاهرات من جديد".

اجتماع المعاونية الجهادية!

في بابل اجتمعت "القيادة العامة للمعاونية الجهادية لسرايا السلام"، المرجع العسكري لمليشيا القبعات الزرقاء التابعة للتيار الصدري، لبحث الملف الأمني في المحافظة، وفقا لإعلامي من مدينة الحلة، طلب عدم الكشف عن اسمه.

يقول الإعلامي الحلي إن "الاجتماع تناول موضوع إبعاد خطر المندسين والعمل على منع قطع الطرق في المحافظة، تم الاتفاق على تشكيل غرفة عمليات مشتركة بين الجانبين (القوات الأمنية ومليشيا سرايا السلام)"، ويتساءل الحلي في حديث لموقع (ارفع صوتك) "بأي صفة تجتمع هذه العناصر المسلحة مع قيادات أمنية رسمية؟".

ويتابع "هل كان قطع الطرق عملا وطنيا عندما كان أتباع التيار في صفوف المتظاهرين، والآن أصبح خطرا والمتظاهرين مندسين؟".

وبحسب الإعلامي، فإن الاجتماع ضم كل من أبو حسن الحلفي وسالم عايش والشيخ مهيب القاسمي آمر لواء بابل لسرايا السلام في بابل.

اعتقالات وتحقيق

أمّا في العاصمة بغداد، وليس ببعيد عن المنطقة الخضراء ومقر وزارتي الدفاع والداخلية ومقرات الدوائر الأمنية والمخابراتية، نصبت ميليشيا القبعات الزرقاء نقاط تفتيش وبدأت بحملة تفتيش للسيارات المدنية، تحت مرأى القوات الأمنية.

كما قامت باعتقال والتحقيق مع عدد كبير من المتظاهرين.

يقول مصور صحفي طلب عدم الكشف عن أسمه، أن "ميليشيا التيار الصدري اعتقلتني مع مصور تابع لإحدى الوكالات الإعلامية الأجنبية، طلب مستمسكاتنا واستولت على أجهزة التصوير"، مضيفا في حديث لموقع (ارفع صوتك) أنه "بعد التحقيق معنا قاموا بفحص المواد المصورة ومسحوا كل اللقطات التي لها علاقة بأصحاب القبعات الزرقاء، واخذوا منا تعهدا شفهيا بعدم التصوير، وإلا سنعاقب بشدة في حال مسكتنا عناصرهم ونحن نصورهم".

يتساءل المصور الصحفي، "إذا كان القانون يلزم الجهات الأمنية بعدم الاعتقال إلا وفق مذكرات قضائية، من أعطى الحق لهؤلاء المسلحين بتنفيذ اعتقالات وتفتيش وفتح تحقيقات؟".

"غياب الدولة"

يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكوفة اياد العنبر أن ما "يحصل ليس بالأمر الجديد".

يوضح العنبر "ما نشهده منذ بدء التظاهرات هو غياب تام لكل المؤسسات الأمنية عن أداء واجباتها وهو يعكس تماما تخاذل الحكومة عن أداء أهم وظيفة لديها وهو توفير الأمن"، مضيفا في حديث لموقع (ارفع صوتك) "الحكومة لم توفر الحماية للمواطن لا من هجمات إرهابية ولا من أي العناوين التي تشكل خطرا على أمن المواطن، وحتى دخول داعش كان سببه الرئيسي فساد السلطة ومن هم بيدهم السلطة".

ولا يبدو الأمر مستغربا بأن يكون هناك غيابا تام للمؤسسة العسكرية والأمنية التي تكلف الدولة ثلثي الموازنة التشغيلية للعراق، لأن معظم القوى السياسية "تحاول أن تدفع بجميع القوى المسلحة الخارجة عن الصفة الرسمية إلى أخذ فرصتها في ضرب المتظاهرين والبطش بهم"، بحسب العنبر.

من يتحمل المسؤولية؟

تأتي هذه الأحداث في وقت سياسي حرج، حيث يدير الدولة رئيس وزراء مستقيل، بانتظار موافقة البرلمان على الحكومة المكلفة الجديدة.

لكن وفق القانون فإن المسؤولية ما يحدث لا تزال تقع على عاتق الحكومة المستقيلة.

يقول الخبير القانوني علي التميمي "صحيح أن حكومة عبد المهدي هي تصريف أعمال لكن وفق الفقه الدستوري، فإن من أولى واجبات هذه الحكومة حماية الناس والحفاظ على الأمن العام".

وأضاف في حديث لموقعنا "أما قتل المتظاهرين وإن كانت مسؤولية الجناة لكن عبد المهدي يتحمل المسؤولية الجزائية كاملة داخليا وفق القانون العراقي والقانون الدولي، ولا يعفيه من المسؤولية أنه لم يعطي الأوامر أو أن الحادث في محافظة أخرى كونه القائد الأعلى للقوات المسلحة".

ويتابع التميمي "هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم أو مضي المدة فيمكن تحريكها في أي وقت زمني قادم".

التيار ينفي

القيادي في كتلة الأحرار، الجناح السياسي للتيار الصدري، حاكم الزاملي، نفى تورط ميليشيا تياره في أحداث النجف.

وقال في لقاء على قناة العراقية الحكومية أن ما تم تداوله من مقاطع فيديو هي "أفلام تمثيلية ومنفذوها بارعون بالتمثيل والدبلجة".

وطالب الزاملي "بإظهار صور لتشييع الشهداء لإثبات الواقعة".

لاقى تصريح الزاملي سخرية على مواقع التواصل الاجتماعي بسبب طريقة النفي "البعيدة عن الحقيقة".

 

 

في هذه الأثناء، وقالت وكالة الصحافة الفرنسية المتظاهرون المناهضون للحكومة في النجف "شيّعوا الخميس، سبعة قتلى سقطوا ليل الأربعاء في اشتباكات مع أنصار الزعيم الشيعي مقتدى الصدر في النجف بجنوب العراق".

ويعلق استاذ العلوم السياسية في جامعة الكوفة "من خسر السلطة لم يبق لديه شيء يخسره".

ويتابع "على هذا الأساس فالقوى السياسية والحكومة الحالية تعتقد بأنه يجب أن يعاقب المتظاهرين وما يحصل هو عقوبة".

ويتطلب الوضع الحالي في العراق وفقا للعنبر والناشطين، "ضرورة في أن تتخذ القضية بعداً دولياً يجرم كل من هو موجود بالدولة وكل من تورط في قتل المتظاهرين، وخصوصا القوى المرتبطة بأجنحة مسلحة وعسكرية".

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.