حسين مطر، مصور ومؤلف كتاب "ألف قصة وقصة"
حسين مطر، مصور ومؤلف كتاب "ألف قصة وقصة"

يشارك حسين مطر (21 عاماً) في التظاهرات منذ أول أكتوبر 2019، كمسعف، وهو طالب هندسة مدنية في جامعة بغداد، بالإضافة لكونه مصوراً فوتوغرافياً ودليلاً سياحياً داخل المدينة التي ترعرع بين جوانبها، بغداد.

يقول حسين "كل ما نريده وطن، نريد عراقنا وبيتنا وأهلنا، نريد وطناً لنا ولأحفادنا وأحفاد أحفادنا، يليق بنا وبأفكارنا وطموحاتنا وأحلامنا ويليق بتاريخ الأجداد الذين بنوا هذا البيت الكبير، واسمه العراق".

حسين أثناء مشاركته في التظاهرات، تنشر الصورة بإذنه

وهو من المتظاهرين المصرّين على الاستمرار في الاحتجاج، على الرغم من كل عمليات القمع والترهيب بحقهم، يقول لـ"ارفع صوتك": "بلدنا يستحق كل التضحيات، ولو متنا ألف موتة وقيل لنا ستموتون مجدداً بعدها، سنموت حتى يتحقق التغيير".

وقبل نحو عامين، أصدر حسين كتاباً بعد حصوله على منحة من معهد غوتة الألماني في بغداد، رصد فيه تغيّر العمارة البغدادية وحكاية العديد من الأماكن في بغداد القديمة بالصور، وعبر قصص رواها سكان تلك الأماكن.

يقول حول هذا العمل "بدأت فكرتي نهاية عام 2016 بعد صورة التقطها صديقي لي، كنت على قبة كنيسة اللاتين في الرّصافة، وظهر في الصورة جامع الخلفاء مقابلي، هذه الصورة جعلتني أبحث لأعرف أكثر عن المكان".

وفي هذا البحث، وجد حسين صورة لجندي أسترالي في الجيش البريطاني عام 1919 كان يقف في نفس مكانه، يقول "كلانا كان ينظر لمنارة جامع الخلفاء، وهي من أقدم الآثار العبّاسية يعود عمرها لـ1100 سنة". 

تلك الصّورة حفزته للبحث عن صور مماثلة وتوثيق أثر الزمن على ملامح بغداد القديمة، يوضح حسين "اخترت صوراً قديمة ذات طابع معماري والتقطت صوراً حديثة لنفس الأماكن ونفس الزوايا في الأولى، واستغرق ذلك 9 شهور بين عامي 2017 و2018".

"هدفي كان إيصالا رسالة حول تأثير التغيير المعماري للمدينة على شخصية الفرد البغدادي" يقول حسين، مضيفاً "ضم المشروع 11 صورة، واحدة فقط صورتها خارج بغداد القديمة".

وأهالي البلدة القديمة في بغداد، كانوا شركاء في مشروع حسين الذي تحوّل فيما بعد كتاباً، حيث لجأ إليهم لمعرفة القصص والحكايات التاريخية المختبئة بين زوايا وشوارع وردهات وأسطح ونوافذ الأماكن التي قام بتصويرها.

يقول حسين: "كان تعاون الأهالي عظيماً، حتى أن بعضهم خاطر بسلامته الشخصية من أجل مساعدتي في التقاط صورة، وبعض الصّور كلفتني نحو أربعة شهور للوصول إلى مكان التقاطها".

بعد إنهاء مشروعه، الذي أطلق عليه اسم "ألف قصّة وقصّة"، عرضه حسين لأول مرة ضمن مهرجان تركيب للفنون المعاصرة، ثم في ملتقى "تيدكس بغداد".

يقول حسين: "تمثّل العرض بفيديو، وكانت الغرفة مغلقة، طلبت من المنظمين إيقاف المروحة حتى يشعر الحضور بأنهم في بغداد فعلاً، فهي معروفة بطقسها الحار، وصاحبت حديثي أصوات سجلتها في أماكن التصوير، حتى أن البعض ظنّ الباب مفتوحاً وأن ما يسمعه أصوات الشارع في الخارج، لكنها إيقاعات الحياة في بغداد".

وفكرة تجرّ أخرى، أصبح مشروعه الثاني توثيق الإيقاعات، في إطار ما يُعرف بالسياحة الصوتية، وينشر جميع هذه التسجيلات عبر قناته في يوتيوب "بغداد ميلودي".

وفي التظاهرات التي أصبحت جزءاً من حياته مؤخراً، سجّل حسين أصوات أماكن وأشخاص أحياءً أو قتلوا في التظاهرات، نسمع منها "إيقاع الثورة" و"إيقاع المطعم التركي" مثلاً. 

ويطمح حسين بـ"أن يكون مع غيره من الشباب قادراً على إعادة بناء المدينة وتطوريها بمستوى يليق بتاريخها وتاريخ العراق" مضيفاً "أريد تكوين أرشيف للمدينة كلها ولأفكار الناس، ولأسلوب العمارة، خصوصاً أن السنوات الأخيرة شهدت صعود مبان لا تنسجم مع تاريخ وتراث المدينة". 

أما أمنيته للعراق، أن يعيش أهله معاً كعائلة واحدة، من عرب وأكراد وسنة وشيعة ومسيحيين وغيرهم من الطوائف والقوميات والأديان، يقول حسين "ساحات التظاهر تشهد أننا يد واحدة، أما السياسيون فلا يمثلوننا، وعاجلاً أو آجلاً سيرحلون، ويبقى العراق".

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.