الرئيس برهم صالح في لقاء مع رئيس الوزراء المكلف عدنان الزرفي في قصره ببغداد
الرئيس برهم صالح في لقاء مع رئيس الوزراء المكلف عدنان الزرفي في قصره ببغداد

العراق, سياسة - رسميا، كُلف عدنان الزرفي، محافظ النجف السابق وعضو حزب الدعوة السابق أيضا، بتشكيل حكومة جديدة في العراق.

جاء تكليف الزرفي بعد اعتذار محمد توفيق علاوي عن تشكيل الحكومة لتعذر إيجاد توافق سياسي على توليه، بسبب حجم الصراعات الحزبية داخل البرلمان، التي تعد الأكبر في تاريخ العراق.

مساحة التوازن

ويبدو أن تشكيل الحكومة، هو التحدي الأكبر والأول الذي ينتظر الزرفي.

ويرى مختصون في علم السياسة أن "الطريق أمام الزرفي لن يكون معبدا، خصوصا وأن حلفاء إيران لا يرضون أن ينفلت العراق من مساحة التبعية التي ثبتها عادل عبد المهدي".

يعتبر رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري أن "عبد المهدي حول العراق إلى دولة تابعة لإيران، وفق مصطلح العلوم السياسية".

ويقول الشمري "أتصور هذا تحدي لعدنان الزرفي على مستوى العودة إلى مساحة التوازن، كلما استند إلى الدستور في إقامة علاقات مع إيران على أساس المصالح المشتركة ممكن أن يكسب ود كل الأطراف الداخلية"، مضيفا في حديث لموقع (ارفع صوتك) أنه "على إيران أن تتفهم ان العراق بلد سيادة ويجب أن تمضي مع هذا النهج الجديد".

وفي كلمته الأولى التي ألقاها الزرفي عقب تكليفه وعد بأن يضع "العراق أولا في برنامج حكومته الذي سيطرحه على القوى السياسية".

ويرى الشمري أن "شخصية الزرفي المتسمة بالواقعية والمرونة، ستساعده في الحصول على تفهم بقية الأطراف".

مكاسب ومناصب

ورغم تمثيل القوى السياسية الذي كان حاضرا في القصر الجمهوري لحظة التكليف، والذي شمل معظم تلك القوى، لكن إعلان وبيانات الرفض استمرت عقب ذلك.

يعلق الشمري "جزء كبير من الأطراف يرفض الزرفي من أجل مكاسب سياسية، ومساحة تواجدها في السلطة التنفيذية".

ويتابع "جزء آخر مرتبط بقلق بعض الأطراف التي أنشأت دولة عميقة في زمن عادل عبد المهدي، من خلال إعادة هيكلة الدولة وضياع ما أنشأته تلك القوى".

هذا فضلا عن خشية بعض القوى التي تملك أجنحة مسلحة على نفوذها في حال ذهاب الزرفي إلى "حصر السلاح بيد الدولة".

وكان الزرفي قد تعهد الزرفي في بيان المتكون من 12 نقطة، بالعمل على إجراء انتخابات نيابية مبكرة خلال أقل من سنة، وحصر السلاح بيد الدولة.

مليشيات وسلاح سائب

ومع إعلان الزرفي برنامجه الانتخابي، مساء الثلاثاء 17 مارس، للخروج من مرحلة الركود السياسي والاقتصادي والاجتماعي في البلاد، سقط صاروخ كاتيوشا على حي سكني محاذٍ للمنطقة الخضراء وسط بغداد، والتي تضم مقر السفارة الأميركية.

وهذا الهجوم هو الرابع خلال أسبوع، استهدفت جميعها قواعد عسكرية تضم قوات أميركية، ما يضع الزرفي أمام تركة تواجد القوات الأجنبية في العراق، وما وصل إليه هذا الملف من تعقيد بسبب الهجمات الصاروخية التي تشنها مجاميع عراقية مسلحة موالية لإيران، تستهدف المصالح الأميركية بالعراق.

وفي تغريدة على تويتر قال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إنّ "العراقيين يريدون حكومة تحافظ على سيادة العراق وتوفّر احتياجاتهم الأساسية ولا ينخرها الفساد وتصون حقوق الإنسان الخاصّة بهم".

وأضاف "إذا أعطى رئيس الوزراء المكلّف عدنان الزرفي الأولوية لهذه المصالح، فسيحصل على الدعم الأميركي والدولي".

وهذا الأمر يضع رئيس الحكومة المكلف عدنان الزرفي أمام تحديات أمنية كبيرة.

يقول أستاذ الأمن القومي في جامعة النهرين حسين علي علاوي، إن تلك التحديات "تتعلق بالجماعات الخاصة المسلحة المرتبطة بإيران"، موضحا في حديث لموقعنا "بدأت تلك الجماعات بتغيير تكتيكها العسكري في استهداف القواعد العسكرية التي تتواجد فيها البعثات الدولية التي تدرب القوات العراقية وتشاركها المعلومات الاستخباراتية".

بالتالي تضع تلك التحديات الزرفي في حال حصوله على ثقة البرلمان إلى "عملية فرض للقانون".

يوضح علاوي "يجب على الزرفي العمل مع القوى السياسية على إعادة بناء وهيكلة القوات المسلحة العراقية وخصوصا القوات النظامية، وإعادة ترميم نظام الدفاع الوطني من خلال العلاقة مع قوات البيشمركة، باعتبار جهودها الكبيرة في الحرب ضد الإرهاب".

ويرى أستاذ الأمن القومي أن فرص نجاح الرئيس المكلف "ممكنة، إن استطاع إدارة العلاقات الخارجية خصوصا مع إيران بصورة إيجابية"، إضافة إلى وجوب اعتماد الزرفي على "الحوار الوطني مع القوى السياسية"، من أجل إنهاء وجود قوات خارج سلطة الدولة، تستخدم السلاح ضد مؤسسات الدولة والشركاء الدوليين للعراق.

ويتابع علاوي "الأجنحة العسكرية والمليشيات والمجاميع الخاصة تستمع لقياداتها السياسية، بالتالي الحوار السياسي الذي لا بد أن يجري من أجل إنهاء وجود السلاح خارج سيطرة الدولة".

"فبقاء السلاح سائبا يؤثر على هيبة وسيادة وسمعة الدولة، إضافة إلى تأثيره على الاقتصاد"، وفقا لعلاوي.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.