العراق

إعانات يوزعها الصدر.. هل تخلي مسؤوليته عن دعوته لزيارة الكاظم؟

24 مارس 2020

العراق, زيارة الكاظم, التبار الصدري, مقتدى الصدر, كورونا, فيروس, وباء, مهدي الصميدعي, - يسعى زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر لمحاولة تهدئة الشارع المنتقد لدعوته السابقة، إلى كسر حظر التجوال وإتمام زيارة الإمام الكاظم لدى الشيعة، من خلال توزيع أكياس تضم بعض المواد الغذائية على المواطنين.

في وقت حذرت فيه جهات صحية محلية وعالمية من خطر انتشار فيروس كورونا بشكل سريع في التجمعات البشرية.

بدأت الأزمة

تحول موضوع الفيروس من مرحلة مرض ظهر في الصين أواخر العام الماضي إلى وباء عالمي، واجتاح دول كثيرة منها إيران، الجار صاحب الحدود المفتوحة مع العراق.

وسجلت أول حالة إصابة في العراق بمحافظة النجف، حيث يقيم الزعيم الصدري، لدى طالب إيراني يدرس علوم الدين في حوزة النجف.

وتصاعد عدد الإصابات في المحافظة وانتقلت إلى أخرى مثل كركوك (ثاني محافظة سجلت إصابات بكورونا) لدى عائلة كانت في زيارة إلى إيران، ومن ثم ديالى وبغداد وكربلاء والبصرة.

ومع تزايد عدد الحالات دعت خلية الأزمة الصحية العراقية المواطنين إلى ملازمة مساكنهم وعدم الخروج إلا للضرورة القصوى، للوقاية من انتشار المرض.

وبالتزامن مع دعوة خلية الأزمة، صادفت ذكرى "استشهاد الإمام الكاظم"، أحد الأئمة الاثني عشر لدى الشيعة، حيث يقصدون مرقد الإمام في مدينة الكاظمية شمال بغداد سنويا، بزيارة جماعية، والتي استغلها الصدر في دعوة أتباعه إلى عدم الالتزام بتوجيهات خلية الأزمة، والتوجه لأداء مراسم الزيارة، واعتبر في تغريدة على حسابه تويتر تلك الدعوات بمثابة "مؤامرة بحق الشيعة".

تأتي دعوة الصدر رغم تأييد المرجعية الدينية الأعلى لدى الشيعة بالنجف، متمثلة بالمرجع الديني "علي السيستاني" لدعوة خلية الأزمة.

فضلا عن دعوات مماثلة في أكبر مساجد المسلمين بالعالم، مثل إغلاق حرمي مكة والمدينة في المملكة السعودية، وجامع الأزهر في مصر.

 

امتثال وامتعاض

وبالفعل، امتثل أتباع مقتدى الصدر لزعيمهم، وخرج مئات الآلاف لزيارة "الكاظم" مشيا على الأقدام من محافظات عدة، ما أثار امتعاضا كبيرا على مواقع التواصل الاجتماعي.

وأعتبره مدونون أمرا مرفوضا من "جميع المقاييس، الشرعية والإنسانية والأخلاقية".

ورسميا، حذرت جهات صحية من أن نتائج الزيارة قد تكون وخيمة وخطرة على العراق، وقد تظهر نتائجها خلال الأسبوعين المقبلين.

ويرى مراقبون أن أكثر من جهة لم تلتزم بدعوة خلية الأزمة ببقاء المواطنين داخل منازلهم في هذه المرحلة،

من بينها صلاة الجمعة الجماعة التي أداها رجل الدين السني مهدي الصميدعي في مسجد ابن تيمية ببغداد.

وهو المسجد الثاني إلى جانب "جامع الكوفة" التابع لزعيم التيار الصدري في النجف، حيث أقيمت فيهما صلوات الجمعة الجماعة، بينما أغلقت باقي مساجد العراق أبوابها.

 

"أدرك خطأه"

ويقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكوفة أياد العنبر، إن "الكثير من الجهات لم تتعاطى مع موضوع الحجر بمسؤولية أخلاقية قبل أن تكون مسؤولية شرعية"، مضيفا في حديث لموقع (ارفع صوتك) أن تلك الجهات "اعتبرت منع الزيارة أو إقامة صلاة الجماعة هو شكل من أشكال المؤامرة، وهي نوع من الجمل الجاهزة للتشجيع على فعل ما".

ويتابع العنبر أنه "عندما أصبح الموضوع جديا فدول عظمى تتعرض لخطر هذا الوباء وليست بمأمن منه، أدركت هذه الشخصيات أنها ارتكبت خطأ".

وفي مثل هذه المواقف "دائما ما يكابر الكثير من الشخصيات من الاعتراف بالخطأ"، وفقا لأستاذ العلوم السياسية الذي يعتبر هذه المكابرة هي "المشكلة الأكبر في العراق".

وتدفع تلك مواقف الخطأ تلك بالشخصيات إلى ممارسة دور الكفيل الاجتماعي للتعاطي مع حجم الخطر بسبب مواقفها "وكأن شيئا لم يكن".

 

سباق الايديولوجيات

ويرى العنبر أن الكثير من المؤسسات والشخصيات تجد في الأزمات فرصة "لتثبت وجودها وتحل محل الدولة، لأن دور الدولة يكون غائب تماما، وبالتالي تكسب الكثير من المواقف وتزيد من رصيدها الاجتماعي".

وهذا الشيء تمارسه كل القوى الحزبية والشخصيات العامة التي ترفع شعارات التكافل الاجتماعي وفي كل مجتمعات العالم، بحسب العنبر.

ويضيف أن "المشكلة في العراق مختلفة، لأن الأزمات تتحول إلى نوع من السباق، ففي مواقع التواصل الاجتماعي يتبارى المدونون، هكذا يفعل الإسلاميون وأين دور العلمانيين؟، على سبيل المثال".

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.