العراق

"قافلة الإبل" وخوف من العنف الأسري... قصص من بغداد تحت حظر الكورونا

25 مارس 2020

عادة ما يقضي رعد غانم أيام حظر التجوال خلال الأعوام الماضية بالتواصل مع الآخرين من معارف وجيران في زقاق الحي الذي يسكن فيه، أو أثناء الجلوس عند واجهة البيت أو محلات التسوق لتبادل أطراف الحديث. 

لكن منذ أن فرض حظر التجوال في البلاد لمواجهة تفشي فيروس كورونا، أُجْبِر هذا الرجل - كغيره من العراقيين- على البقاء في بيته. 

ويعيش رعد (54 عاماً) في بغداد، حيث قررت خلية الأزمة، فرض حظر للتجوال عليها من الساعة الحادية عشر مساء، الثلاثاء، لغاية الرابع والعشرين من الشهر الجاري.

ويفرض حظر التجوال عدم الخروج من البيت إلا للضرورة القصوى، من أجل تعفير المناطق بمطهرات "الفاركون" وفحص الداخلين والخارجين بواسطة أجهزة دائرة الصحة، كما يُسمح لأصحاب المخابز ومتاجر المواد الغذائية والبقالة ومحطات الوقود بممارسة عملهم. 

يشعر رعد في الوقت الراهن بالقلق، يقول لـ "ارفع صوتك": "لست من عشاق البقاء في البيت، والآن أجدني مجبراً على ذلك". 

ويضيف "طيلة حياتنا كان حظر التجوال بسبب الأوضاع الأمنية غير المستقرة فرصة لقضاء بعض الأوقات المسلية والخالية من ضغط المسؤولية والعمل رغم التحديات".

من جهة أخرى، لا يمثل حظر التجوال شيئا مقلقاً عند سهام خليل (49 عاماً)، تقول "الفرد العراقي اعتاد على أزمات كثيرة كانت تدفعه دوماً للجلوس في البيت".

وضربت مثالاً عام 1991 و 2003، تقول سهام "حينها بقينا في البيت أكثر من شهرين دون خدمات الماء والكهرباء"، مضيفة "اعتدنا على الأزمات، وهذه أزمة وسترحل كغيرها".

كما لا يرى عادل مجيد (51 عاماً) مشكلة في حظر التجوال لمواجهة عدوى فيروس كورونا، ولكن "المشكلة في الأطفال الذين اعتادوا على الخروج من البيت واللعب مع أقرانهم من أبناء الجيران"، حسب قوله.

ويتابع "يتنمر هؤلاء – ومنهم أطفالي- ويرفضون حجرهم بالبيت ومنعهم الخروج للعب، لدرجة أنك قد لا تستطيع النوم خشية إغفالهم"، مستدركاً "إذا كان الكبار لا يلتزمون فماذا نتوقع من صغار السن؟".

ويضيف عادل "لا يلتزم الجميع بالحظر، إذ لدى البعض لامبالاة بالمرض ويتوقعون أن الخطورة قد ترتبط بغير المخاوف الأمنية مثل الحرب أو الاقتتال الطائفي أو التفجير الإرهابي".

وتم تداول مقطع فيديو في مواقع التواصل، لقافلة إبل داخل بغداد على الرغم من قرار حظر التجوال، ولاقى المقطع استهجان نشطاء عراقيين من عدم الالتزام بالحظر من جانب، وسخرية البعض من جانب آخر.

تذمّر واستغلال للوقت

بقاء الرجال في البيوت طيلة الوقت ليس من الأمور الاعتيادية في العراق، وهذا الأمر ليس مرغوباً لبعض النساء، تقول نادية حسن (54 عاماً) إن هذا الأمر "يفرض عليها مواجهة المشكلات العائلية بسبب تدخلاته الكثيرة بأمور كانت هي تتحمل مسؤوليتها، مثلا في ترتيب البيت أو الطبخ أو متابعة التلفاز وغير ذلك".

وتضيف "بسبب العادات والتقاليد، فإن من حق الرجل التحكم بأفراد أسرته وخاصة النساء. وهذه الأحقية قد تبرر له استخدم التعنيف بكل أشكاله في حال الوقوف ضده أو معارضته. وفي هذه الظروف، لا يوجد ملجأ للنساء". 

لكن سامر جاسم (37 عاماً) يرى أن حظر التجوال والمكوث الجبري بالبيت "سيساعده أكثر على قراءة الكتب بعد أن كان يحجم عن ذلك بسبب عمله".

ويقول "جهزتُ مكتبة البيت بالكثير من عناوين الكتب كنت لا أستطيع التفرغ لها بسبب التزاماتي. فرصة القراءة لم تكن متاحة لي حتىّ من قبل زوجتي التي كانت تعدها ترفاً، ولكن بسبب فيروس كورونا وخشية العدوى، صارت تشجعني بحماس شديد".

 

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.