العراق

مقاتل في الحشد: فقدنا التمويل بعد انسحاب التحالف!

26 مارس 2020

في الوقت الذي تتناول فيه الوكالات الإخبارية أنباء سحب بعض دول التحالف الدولي ضد الإرهاب لجنودها من العراق "بسبب تفشي مرض كورونا".

تضجّ بعض الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، الموالية للمليشيات المسلحة المدعومة من إيران، بمنشورات تهدد بزيادة الهجمات الصاروخية على القواعد العسكرية المشتركة.

 

فيما يعتبر مدونون منهم الانسحاب "نصرا عقائديا، يحسب لقادة بعض فصائل الحشد الشعبي".

وبينما أتابع تلك الأحداث ومستجداتها، يرن هاتفي ظهر الأربعاء باتصال من رقم مجهول.

لا طعام ولا شراب

وبعد الإجابة، اكتفى المتصل بالتعريف باسمه بـ"قاسم"، وقال إنه مقاتل في أحد ألوية الحشد الشعبي المرابطة في منطقة "عكاشات" بصحراء الأنبار، والفصيل المنتمي إليه متواجد حاليا على الحدود العراقية السورية.

طلب قاسم مني بصفتي صحفي "إيصال صوتهم (مع المقاتلين في نفس الفصيل) إلى الجهات المعنية، بسبب نفاذ الطعام ومياه الشرب منذ ثلاثة أيام".

يقول قاسم "كنا نعتمد على قوات الجيش العراقي المتواجدة في قاعدة القائم الغربية بموضوع مياه الشرب المعقمة والطعام بل وحتى وقود السيارات، لكن منذ فترة انقطع تزويدنا بتلك المواد".

ويضيف "قبل ثلاثة أيام اضطررنا إلى حفر بئر لكن المياه التي خرجت منه فيها نسبة كبيرة من الكبريت، تسببت بأمراض جلدية وفي الكلى".

وبحسب المقاتل قاسم، فإن انسحاب القوات الأميركية التي كانت تزود الجيش العراقي بالمياه والطعام والوقود التي تساعد الأخير على إرسال الفائض منها إلى فصائل الحشد، تسبب بأزمة كبيرة في هذه المواد الرئيسية الثلاثة.

ويتابع "كان الوقود من النوع المحسن يأتينا من الأردن، والآن معظم آلياتنا متوقفة بسبب نفاذ الوقود".

ويختتم متسائلا "كيف تطالب الحكومة وقياداتنا بانسحاب قوات التحالف وهي لا تتمكن من توفير احتياجات مقاتليها الرئيسية؟، إذا استمر الأمر هكذا اسبوعا آخر سأنسحب وأعود إلى أهلي".

جبهات أخرى

وغادرت الأسبوع الماضي القوات الأجنبية قاعدة القائم الغربية على الحدود مع سوريا، بما في ذلك الفرنسيون والأميركيون.

فيما غادر اليوم الخميس 800 عسكري ومتعاقد مدني أميركي وفرنسي قاعدة القيارة في شمال البلاد، وجرت عملية تسلم وتسليم مع القوات العراقية في القاعدة العسكرية.

وحالياً، فإن 2500 مدربًا، أي ما يقارب ثلث قوات التحالف، غادروا أو ما زالوا يغادرون البلاد، مع تعليق عمليات التدريب مع القوات العراقية.

وكان الخبير بشؤون الجماعات المسلحة هشام الهاشمي قد حذر من أن انسحاب قوات التحالف من العراق "يمنح تنظيم داعش فرصة هي الخطر منذ انتهاء عمليات التحرير".

ويوضح الهاشمي في حديث لموقعنا، أنه بالإضافة للتدريب والدعم الذي يقدمه التحالف الدولي، فإنه يوفر أيضا "غطاءً جويا مهما وكبيرا في عمليات ملاحقة عناصر داعش، فضلا عن المعلومات الاستخبارية الدقيقة والنصح العسكري".

"انسحاب التحالف الدولي سيفتح جبهات أخرى أمام القوات الأمنية العراقية كانت تغطيها بدقة عالية قوات التحالف، ما يزيد من حجم الاستنزاف والانهاك العسكري الذي يبحث عنه التنظيم ويراهن عليه في عودة نشاطه المسلح"، وفقا للهاشمي.

وكان داعش قد أعلن في صحيفة النبأ الأسبوعية الموالية له أنه بدأ منذ فترة باستخدام استراتيجية الاستنزاف المجهد.

وتعتمد هذه الاستراتيجية على ثلاثة عوامل:

- هشاشة البيئة الأمنية.

- الانهيار الاقتصادي والفوضى السياسية.

- الفوضى الطائفية أو القومية.

وقدمت الصحيفة النبأ التابعة للتنظيم وصفًا كاملًا لتكتيك الاستنزاف المجهد، موضحةً أنها تبقي الأجهزة الأمنية في حالة تأهب دائم، وهو ما يضعف من روحها المعنوية، ويؤدي لإجهادها ومن ثم انهيارها.

قدرات تكنولوجية عسكرية

وبحسب مختصين، فإن الإمكانية العراقية في مواجهة تنظيم داعش ترتكز على جهاز مكافحة الإرهاب، بسبب طبيعة التدريب والتجهيز والتسليح الذي يتلقاه مقاتلو هذا الجهاز.

ويقلل أستاذ الأمن الوطني في جامعة النهرين ورئيس مركز أكد للدراسات الاستراتيجية حسين علي علاوي من حجم تأثر عملية مكافحة تنظيم داعش بانسحاب قوات التحالف الدولي.

ويرى أن الانسحاب لا يعني "توقف الدعم الاستخباري والتجهيز".

ويقول علاوي "ما سيتأثر هو الدعم والاسناد الجوي الدقيق الذي يحتاج إلى ضربات عميقة تحت الأرض، وهذه الضربات تحتاج إلى مهارات وامكانات وقدرات تكنلوجية متقدمة"، مضيفا في حديث لموقع (ارفع صوتك) "الحرب الآن هي حرب الكهوف، وهذا ما نشاهده في عمليات المطاردة الواضحة لعناصر داعش في المناطق الوعرة".

ويعتبر أستاذ الأمن القومي أن ما يحصل الآن هو إعادة لتموضع القوات الأميركية الاستشارية التي تعمل ضمن بعثة التحالف الدولي في العراق مع القوات العراقية، وهذا لن يؤثر على أداء القوات العراقية في مكافحة الإرهاب.

ويتابع "لن يؤثر على مجمل التعاون العسكري بين التحالف الدولي والقوات العراقية، العمل مع القوات العراقية، بل سيركز باتجاه التدريب وتطوير القدرات الاستخبارية وأيضا في تبادل المعلومات بين الجانبين".

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.