العراق

"يا زكريا عودي عليّا"..  بأي حال استقبله العراقيون هذا العام؟

30 مارس 2020

"يا زكريا عودي عليا.. كل سنة وكل عام.. نشعل صينية بزوال الوباء". بهذه الكلمات أحيت نضال خليل (٤١عاماً) طقوس الاحتفال بـ "يوم زكريا".

تقول لـ(ارفع صوتك) "حتى أغنية "يوم زكريا" التي كنّا نرددها تغيرت هذا العام جراء حظر التجوّل. كما أن طقوسه اقتصرت على أفراد العائلة الواحدة فقط خوفاً من عدوى فيروس كورونا".

"السلامة فقط"

دفع حلم نضال في إنجاب طفل، إلى المواظبة على إحياء طقوس "يوم زكريا" في الأول من شعبان من كل عام، والدعاء كما غيرها الكثير من العراقيين الذين يتجمعون خلاله مع الأقارب والجيران لعقد النذور والدعاء.

فالاعتقاد السائد بأن هذا اليوم تلقى فيها النبي زكريا بشرى ولادة ابنه النبي يحيى، وكان بعمر ٩٢ عاما، ولأجل هذا تحرص النساء اللواتي حرّمن من الإنجاب على إحياء هذا اليوم.

ولكن هذا العام لم يتجمع الأطفال ولا نساء الجيران، تروي نضال، وهي ربة بيت، العديد من التغيرات في طقوس "يوم زكريا"، التي اعتادت عليها سنوياً، لكن هذا العام اقتصر الطلب على السلامة من الوباء وإنقاذ العالم كله منه.

وتقول نضال "لم يشاركني أحد غير زوجي وأمه لإقامة هذا الطقس، كنا وحدنا فقط، وكان الاحتفاء باهتاً ولم نشعر بأية بهجة كالسابق".

وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي صور لعوائل عراقية وهي تحتفي لوحدها بطقوس "يوم زكريا"، كإصرار وتحد على مواصلة الحياة رغم العزلة التي فرضها حظر التجول.

 

"صينية" زكريّا

وتجهز مائدة (صينية) زكريا بتشكيلة من الحلويات والمكسرات والأطعمة والشموع وأغصان أشجار الياس والبخور، بالإضافة إلى تَنَكات مصنوعة من الفخار وممتلئة بماء الورد. 

وتتميّز هذه المناسبة بالغناء والبهجة، وضرب الأطفال على طبول خشبية صغيرة وترديدهم للأغاني، مثل "يا زكريا عودي عليا.. كل سنة وكل عام.. ننصب صينية".

وتقول بلقيس علي (٤٩عاماً)  لـ"ارفع صوتك": "لديّ ارتباط روحاني بيوم زكريا وأواظب على إقامته منذ سنوات بعدما رزقت بطفلي (٧ أعوام) ، إذ كان الإنجاب بالنسبة لي حلماً لا يمكن تحقيقه، لكني حرصت في كل عام على إحياء هذه المناسبة بتجميع أطفال الحي حول صينية زكريا في بيتي".

وتضيف "كنت أجهز كل شيء لهم وأتركهم يغنون ويفرحون ويلهون، ولكن هذا لم يكن متاحاً لي هذا العام بسبب تفشي الفيروس في البلاد، واحترازات الوقاية وعدم التجمع وغير ذلك". 

السوق المحلي

ويستعد ناصر جواد (٥٦عاماً) في كل عام بتجهيز محله الذي يقع في سوق "الشورجة" الشهير بالمواد التي تحتاجها الناس لإحياء طقوس "يوم زكريا" مثل (المزهريات الفخارية الخاصة بأغصان الياس، وكذلك التنكات التي بشكل أباريق مخصصة لنذور الذكور، بينما الخالية من الأباريق هي لنذور الإناث، فضلاً عن الطبول الصغيرة والكبيرة).

ويتحدث ناصر عن أهمية "يوم زكريا" في السوق المحلي وتأثيراته الاقتصادية. 

يقول لـ "ارفع صوتك" إن "هذه المناسبة مهمة جدا، حيث يزايد الإقبال على مواد طقوسها، نظرا لاعتبارها من الفلكلور العراقي أو التراث الشعبي الذي يحرص الناس على إقامته، خصوصاً في الأحياء الشعبية".

ولا تزال الكثير من المتاجر والمحلات وسط الأحياء السكنية مستمرة بالعمل، رغم أن الشوارع الرئيسة ومتاجرها مغلقة، ولكن حظر التجوّل ضرب موسم التسوق الخاص بـ "يوم زكريا"، حيث لا يستطيع ناصر الوصول لمحله لتواجده في منطقة تبعد مسافتها كثيرا عن سكنه، وكذلك لإغلاق الطرق بالحواجز في إطار الإجراءات الوقائية.

ويشير إلى أن حظر التجوّل دفع بالكثيرين الآن لشراء ما متوافر من مواد ينفع استخدمها في طقوس "يوم زكريا" من المتاجر القريبة لبيوتهم رغم ندرتها وارتفاع أثمانها، بعد أن كانوا يصرّون على شرائها من سوق "الشورجة" تحديداً. 

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.