العراق

العراق على شفا هاوية اقتصادية .. والسبب؟

علي قيس
01 أبريل 2020

"العراق يعيش في كارثة اقتصادية"، هكذا يصف الخبير الاقتصادي عبد الحسن الشمري، الوضع الاقتصادي في العراق، بعد انهيار أسعار النفط في السوق العالمية.

ويبدو من حديث الشمري أن الوضع معقدٌ جدا، وفقا للأرقام التي ذكرها.

ويوضح الخبير الاقتصادي أن السبب الرئيسي لما وصل إليه العراق اليوم من تهديد بالانهيار سببه سياسة الحكومات الاقتصادية بعد عام 2003، المعتمدة على أساليب خاطئة في إدارة الملف الاقتصادي.

من بين تلك الأخطاء:

  • النفط المورد الرئيس

يعتمد الاقتصاد العراقي على النفط كمورد ريعي، وبالتالي الموازنة تحتاج إلى سعر البرميل 50 دولار كحد أدنى، من أجل تسديد الرواتب فقط.

  • الوظائف والرواتب

مشكلة العراق هي رواتب العدد الهائل للموظفين وعمال العقود الذي بني عليه النظام الاقتصادي للعراق بعد 2003.

هذا النظام قد يؤدي إلى الانهيار الاقتصادي إذا استمر الوضع الحالي لمدة سنة، لأن العراق قد يخسر الاحتياطي النقدي ويعاني من قلة الموارد.

  • الاستدانة

من الأخطاء الاقتصادية التي يستمر العراق في ارتكابها منذ عام 2003 عند مواجهته لأي أزمة اقتصادية هي الاستدانة فقط.

وهذه كارثة أخرى، كيف سيسدد العراق الفوائد على القروض الخارجية والداخلية وهو يعيش أزمة اقتصادية.

  • لا دور لخبراء الاقتصاد

خطأ الدولة أنها لا تعتمد على الخبراء الاقتصاديين في إدارة الموضوع الاقتصادي، وأن من يضع قرارات مواجهة الأزمات الاقتصادية هم السياسيون.

ضعف المفاوض العراقي

يشرح الخبير الشمري تفاصيل الأزمة النفطية بشكل أدق بقوله إن "العراق يعاني من كارثة في موضوع بيع النفط إلى المستهلكين، لأن ما تأخذه شركات النفط الأجنبية من كلفة استخراج للبرميل تعادل ما يقبضه العراق وقد تكون أقل"، مضيفا في حديث لموقع (ارفع صوتك) "بعد التكلفة تكون حصة العراق 10 دولارات وأحيانا أقل".

وهذا الخلل ووفقا لموضوع الكلف بعلم الاقتصاد سببه المفاوض العراقي، فعندما أجرى جولة التراخيص لم يأخذ بالحسبان موضوع انخفاض أسعار النفط، بحسب الشمري.

ويتابع "لذلك كان السعر شبه ثابت بالنسبة لشركات النفط الأجنبية، حتى لو أصبح سعر البرميل 10 دولارات ستأخذ الشركات هذه الـ10، وهذه هي كارثة".

ويقول الشمري "نحن الآن نعيش في كارثة اقتصادية كبيرة جدا، العراق يحتاج أربعة أضعاف سعر النفط الحالي، والتعويض سيكون إما بالسحب من الكتلة النقدية الاحتياطية في البنك المركزي، أو الاستدانة من الداخل أو الخارج، وهذا حل خاطئ".

لا أزمة حتى الآن

في المقابل، ثمة أمل يبديه المتحدث باسم وزارة النفط عاصم جهاد، لتجاوز الأزمة الحالية.

يؤكد جهاد أن سعر برميل النفط العراقي لم تتغير حتى الآن لأن الأزمة جديدة، وأن السعر قد يتأثر إذا استمرت لوقت أطول.

ويقول في حديث لموقع (ارفع صوتك) إن "هناك اتصالات بين الدول المعنية بإنتاج النفط، ومنها روسيا، لإيجاد تحالف لمواجهة هذه الأزمة"، مضيفا "العراق يسعى لإعادة وزراء دول منظمة أوبك والمتحالفين مع المنظمة للعودة إلى طاولة الحوار من أجل الاتفاق على صيغة جديدة تنقذ سوق النفط وحقق تقدما كبيرا".

لكن تقييد حركة الطيران واتخاذ إجراءات الدول لمواجهة جائحة كورونا "حال دون عقد الاجتماعات"، وفقا لجهاد.

ويوضح المتحدث باسم وزارة النفط أن "ما يحصل الآن يضر الجميع وليس هناك طرف مستفيد من هذه الأزمة، باستثناء الدول المستوردة والمستهلكة للنفط الخام، لأنها تحصل عليه بسعر رخيص، فالدول المنتجة والمصدرة جميعها متضررة".

وهذا الأمر قد يكون كفيلا بإيجاد حل سريع من قبل الدول المصدرة، لا سيما وأنه "ليس من الحكمة ضخ كميات كبيرة من النفط بسعر رخيص، لأن ذلك يؤدي إلى المزيد من الخسائر وانخفاض أكثر في سعر النفط"، وفقا للمتحدث.

الإنتاج العراقي لم يتغير

وتبلغ قدرة العراق الإنتاجية 5 مليون برميل يوميا، وهو ملتزم باتفاق أوبك في تصدير 4.5 مليون برميل في اليوم، ولديه فائض 500 ألف برميل.

وتتراوح الصادرات اليومية حاليا بين 3.3 إلى 3.5 برميل مليون برميل، "ويمكن إضافة زيادة 300 ألف برميل إذا ما كانت هناك ضرورة لذلك".

وتبلغ تكلفة إنتاج البرميل الواحد نحو 10 دولارات.

وبحسب المتحدث باسم وزارة النفط، فأنه لم يكن هناك انسحاب للشركات النفطية الأجنبية العاملة بالعراق، باستثناء الشركة الماليزية التي تعمل على تطوير حقل الغراف في محافظة ذي قار، موضحا أن سبب انسحابها "وقائي من فيروس كورونا".

ويرجح جهاد أن "سوق النفط العالمية ستشهد تغييرا إيجابيا، إذا ما تمت السيطرة على فيروس كورونا، لأنه تسبب بكساد اقتصادي".

التزامات العراق للشركات الأجنبية

وفي معرض رده على ما أثاره الخبير الشمري بشأن "ضعف الجانب المفاوض العراقي في التعامل مع انخفاض أسعار النفط"، يقول المتحدث باسم وزارة النفط إنه عندما تحصل مثل هذه الأزمات " فمن الممكن تأجيل الدفعات للشركات الأجنبية، وهذا ما حصل في الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2013، والتي تسببت بانهيار أسعار النفط إلى أقل 30 دولار".

ويوضح جهاد "تمكنا من التفاوض مع الشركات وتأجيل مستحقاتها المالية والتزاماتنا الفنية، ونجحنا في تجاوز الأزمة".

ويرجح جهاد أن الأزمة ستكون "مؤقتة ولفترة قصيرة، وسيتمكن العراق من تجاوزها"، مشيرا إلى أن الأخير "يتعاطى بموضوعية وواقعية مع ما تفرضه السوق النفطية في الوقت الحاضر".

معالجة خاطئة

لكن الشمري يعتبر تأجيل الدفعات هو "خطأ آخر يعالج به خطأ سابق".

ويوضح "في هذا الكلام هناك جانب مخفي، وهو فوائد الشركات النفطية، فعندما تؤجل الشركات الأجنبية استحقاقاتها المالية ستطلب فوائد حسب فترة التأجيل، هي لا تؤجل مجانا، وهذا بالتالي سيزيد الوضع سوءا".

ويرى الخبير الاقتصادي إلى أن الحل من "الصعقات الاقتصادية" التي يتعرض لها العراق بين الآونة والأخرى، هو بالذهاب إلى موارد أخرى لرفد الموازنة العراقية.

علي قيس

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.