العراق

أين الأطفال في بغداد يُنشدون "ماجينا يا ماجينا"؟

30 أبريل 2020

"ماجينا يا ماجينا حلّي الچيس وانطينا/ تنطونا لو ننطيكم/ بيت مكة نوديكم/ رب العالي يخليكم/ تعطونا كل ماجينا/ ما جينه.. ياما جينه". 

أغنية يرددها الأطفال الصغار خلال شهر رمضان في أزقة وأحياء بغداد القديمة.

و(ماجينا) كلمة أوردية من مقطعين: ماج وأصلها (ماك)، و(اينا)، حيث أن كلمة (ماك) تعني التصالح والغفران، و(اينا) معناها أهل المحلة أو المنطقة الواحدة، فيكون معناها "تصالح أهل الحي والمنطقة وتغافرهم".

فما إن ينتهي الصائمون من تناول الإفطار ويحل الظلام، يجتمع الأطفال في رأس (الدر بونة) أو الزقاق، ويسيرون في كوكبة صغيرة يقودها أكبرهم سناً، ويطرقون كل الأبواب، منشدين أغنية "ما جينا".

يقول الباحث في تراث وفلكلور الشعوب وهاب شريف، إن "أصل كلمة الماجينة هي (لولاك ما جئنا) وكان يرددها الفقراء والأيتام بمناسبة ولادة الإمام الحسن التي تصادف ليلة النصف من رمضان، ومن هنا جاء الاحتفال بهذه الليلة".

وهناك رواية أخرى عن "الماجينا"، مفادها أن "سيده بغدادية يهودية اسمها (ريجنا) كانت تحسن للأطفال والناس وتشاركهم أفراحهم ومسراتهم، وكان الأطفال يقفون عند باب بيتها".

أما ردّ سكان الحي على هؤلاء الأطفال بعد فتح أبوابهم لهم، فهو تقديم الحلوى مثل "االزلابية، والبقلاوة، والملبّس، والمصقول، والزبيب".

 وإذا تأخر صاحب الدار عن الرد فإن الأطفال يرددون "يا أهل السطوح تنطونه لو نروح؟"، وعندها يضطر صاحب الدار أن يعطيهم بعض المال بدلا من الحلوى إذا كانت غير متوفرة لديه، فيتغزلون بابنه الكبير أو الأصغر بين إخوته مرددين "داده (فلان) ما حلالي مثلك.. شط الهندية ما بلل كذلتك".

ويختمون الأنشودة أو الأهزوجة بمقطع ينشده قائد المجموعة بقوله "الله يخلي راعي البيت" ويقول بعده باقي أفراد المجوعة "آمين"، ليعود القائد ويقول "وبجاه الله وإسماعيل"، ثم يقول الأطفال "آمين".

أما إذا امتنع صاحب الدار عن إعطاء الهدية أو فتح الباب فإنهم يرددون "يهل السطوح تنطونه لو نروح؟". 

وحكاية أهل السطوح هي أنه كان من المعتاد قيام الأطفال بجولتهم هذه عندما يقع رمضان في الصيف ويطيب السير والتجوال في الأزقة، يكون عندئذ سكنة البيت قد أفطروا وصعدوا فوق سطح البيت للنوم على عادة العراقيين. 

ينهض حينذاك واحد منهم إلى سياج السطح، إن كان أعجبه غناء الجوقة واستحسن شكلهم فيلقي عليهم شيئاً من الشوكولاتة والحامض حلو، وإذا تضايق منهم وانزعج من أصواتهم فيلقي عليهم جرّة ماء من فوق ويفرقهم، يتراكضون عندئذ وهـم يولولون ويصرخون وينهالون بالشتائم على صاحب البيت، فيقولون مثلاً "ذبو علينه الماي يا بيت الفكر".

المناطق الشعبية

تستقبل الأحياء والمناطق الشعبية القديمة المكتظة بالسكان كل رمضان بحماس شديد، مواكب الأطفال الذين يتجمعون بعد الفطور ويتجولون على المنازل مرددين أنشودة "الماجينة".

تقول البغدادية وداد رحيم لـ "ارفع صوتك" إن "أطفال الزقاق الذي تسكن فيه يجتمعون بعد الفطور ويدورون على البيوت منشدين (ماجينا يا ماجينا )"

وحالياً، تحرص وداد (53 عاماً) خلال أيام شهر الصوم مثلما كل عام على حفظ وتجهيز بعض الحلويات في منزلها لتوزيعها على مواكب الأطفال.

وتضيف أن "حظر التجوّل بسبب تفشي الوباء لم يؤثر على هذا الطقس، ولم يمنعهم الخروج من بيوتهم بعد الفطور، ليطرقوا كل الأبواب عبر تجمعات تغني (ماجينه)".

لكن الأحياء والمناطق غير الشعبية أو الحديثة تختلف كثيراً. تقول هناء غانم (56 عاماً) إن أطفال "الماجينا" في تلك الأحياء غابوا في الأعوام الأخيرة، إذ تختلف اهتمامات الأطفال وألعابهم في هذه المناطق عن غيرها من المناطق الشعبية.

ولعل تفشي فيروس كورونا المستجد في الأراضي العراقية وفرض حظر التجول الليلي، أسهم في ندرة ظهور أطفال "الماجينا" أو اختفائهم.

تضيف هناء "الكثير من العوائل أهملت هذا التقليد وامتنعت عن التواصل مع أطفال (الماجينا) ولم تعد تفتح أبواب منازلها لهم لمنحهم بعض الهدايا والحلويات".

طفلة لم ترهم يوماً

أدى مشهد تلفزيوني لأطفال يسيرون في حي شعبي قديم وينشدون "ماجينا يا ماجينا"، إلى اكتشاف الآء أحمد (10 أعوام) طقوس الأطفال في شهر الصيام وأنشودة "الماجينا" تحديدا.

تقول لـ "ارفع صوتك" إنها "لا تتذكر أن صادفت يوماً رؤيتها للصغار من أبناء الجيران بمنطقتها خلال شهر الصيام يرددون أنشودة (ماجينا)".

وتضيف "متابعتي لبرامج التلفزيون بسبب وحظر التجوّل جعلتني أتعرف على عادات وألعاب كان الأطفال يحرصون عليها في رمضان". 

في نفس الوقت، تشعر الطفلة آلاء بالاستياء بسبب أزمة كورونا، تقول إن "أمها وعدتها بعد انتهاء الأزمة أن تصحبها لأمسية رمضانية يشارك فيها الأطفال بغناء الأناشيد الخاصة بشهر الصيام". 

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.