أين الأطفال في بغداد يُنشدون "ماجينا يا ماجينا"؟
"ماجينا يا ماجينا حلّي الچيس وانطينا/ تنطونا لو ننطيكم/ بيت مكة نوديكم/ رب العالي يخليكم/ تعطونا كل ماجينا/ ما جينه.. ياما جينه".
أغنية يرددها الأطفال الصغار خلال شهر رمضان في أزقة وأحياء بغداد القديمة.
و(ماجينا) كلمة أوردية من مقطعين: ماج وأصلها (ماك)، و(اينا)، حيث أن كلمة (ماك) تعني التصالح والغفران، و(اينا) معناها أهل المحلة أو المنطقة الواحدة، فيكون معناها "تصالح أهل الحي والمنطقة وتغافرهم".
فما إن ينتهي الصائمون من تناول الإفطار ويحل الظلام، يجتمع الأطفال في رأس (الدر بونة) أو الزقاق، ويسيرون في كوكبة صغيرة يقودها أكبرهم سناً، ويطرقون كل الأبواب، منشدين أغنية "ما جينا".
يقول الباحث في تراث وفلكلور الشعوب وهاب شريف، إن "أصل كلمة الماجينة هي (لولاك ما جئنا) وكان يرددها الفقراء والأيتام بمناسبة ولادة الإمام الحسن التي تصادف ليلة النصف من رمضان، ومن هنا جاء الاحتفال بهذه الليلة".
وهناك رواية أخرى عن "الماجينا"، مفادها أن "سيده بغدادية يهودية اسمها (ريجنا) كانت تحسن للأطفال والناس وتشاركهم أفراحهم ومسراتهم، وكان الأطفال يقفون عند باب بيتها".
أما ردّ سكان الحي على هؤلاء الأطفال بعد فتح أبوابهم لهم، فهو تقديم الحلوى مثل "االزلابية، والبقلاوة، والملبّس، والمصقول، والزبيب".
وإذا تأخر صاحب الدار عن الرد فإن الأطفال يرددون "يا أهل السطوح تنطونه لو نروح؟"، وعندها يضطر صاحب الدار أن يعطيهم بعض المال بدلا من الحلوى إذا كانت غير متوفرة لديه، فيتغزلون بابنه الكبير أو الأصغر بين إخوته مرددين "داده (فلان) ما حلالي مثلك.. شط الهندية ما بلل كذلتك".
ويختمون الأنشودة أو الأهزوجة بمقطع ينشده قائد المجموعة بقوله "الله يخلي راعي البيت" ويقول بعده باقي أفراد المجوعة "آمين"، ليعود القائد ويقول "وبجاه الله وإسماعيل"، ثم يقول الأطفال "آمين".
أما إذا امتنع صاحب الدار عن إعطاء الهدية أو فتح الباب فإنهم يرددون "يهل السطوح تنطونه لو نروح؟".
وحكاية أهل السطوح هي أنه كان من المعتاد قيام الأطفال بجولتهم هذه عندما يقع رمضان في الصيف ويطيب السير والتجوال في الأزقة، يكون عندئذ سكنة البيت قد أفطروا وصعدوا فوق سطح البيت للنوم على عادة العراقيين.
ينهض حينذاك واحد منهم إلى سياج السطح، إن كان أعجبه غناء الجوقة واستحسن شكلهم فيلقي عليهم شيئاً من الشوكولاتة والحامض حلو، وإذا تضايق منهم وانزعج من أصواتهم فيلقي عليهم جرّة ماء من فوق ويفرقهم، يتراكضون عندئذ وهـم يولولون ويصرخون وينهالون بالشتائم على صاحب البيت، فيقولون مثلاً "ذبو علينه الماي يا بيت الفكر".
المناطق الشعبية
تستقبل الأحياء والمناطق الشعبية القديمة المكتظة بالسكان كل رمضان بحماس شديد، مواكب الأطفال الذين يتجمعون بعد الفطور ويتجولون على المنازل مرددين أنشودة "الماجينة".
تقول البغدادية وداد رحيم لـ "ارفع صوتك" إن "أطفال الزقاق الذي تسكن فيه يجتمعون بعد الفطور ويدورون على البيوت منشدين (ماجينا يا ماجينا )"
وحالياً، تحرص وداد (53 عاماً) خلال أيام شهر الصوم مثلما كل عام على حفظ وتجهيز بعض الحلويات في منزلها لتوزيعها على مواكب الأطفال.
وتضيف أن "حظر التجوّل بسبب تفشي الوباء لم يؤثر على هذا الطقس، ولم يمنعهم الخروج من بيوتهم بعد الفطور، ليطرقوا كل الأبواب عبر تجمعات تغني (ماجينه)".
لكن الأحياء والمناطق غير الشعبية أو الحديثة تختلف كثيراً. تقول هناء غانم (56 عاماً) إن أطفال "الماجينا" في تلك الأحياء غابوا في الأعوام الأخيرة، إذ تختلف اهتمامات الأطفال وألعابهم في هذه المناطق عن غيرها من المناطق الشعبية.
ولعل تفشي فيروس كورونا المستجد في الأراضي العراقية وفرض حظر التجول الليلي، أسهم في ندرة ظهور أطفال "الماجينا" أو اختفائهم.
تضيف هناء "الكثير من العوائل أهملت هذا التقليد وامتنعت عن التواصل مع أطفال (الماجينا) ولم تعد تفتح أبواب منازلها لهم لمنحهم بعض الهدايا والحلويات".
طفلة لم ترهم يوماً
أدى مشهد تلفزيوني لأطفال يسيرون في حي شعبي قديم وينشدون "ماجينا يا ماجينا"، إلى اكتشاف الآء أحمد (10 أعوام) طقوس الأطفال في شهر الصيام وأنشودة "الماجينا" تحديدا.
تقول لـ "ارفع صوتك" إنها "لا تتذكر أن صادفت يوماً رؤيتها للصغار من أبناء الجيران بمنطقتها خلال شهر الصيام يرددون أنشودة (ماجينا)".
وتضيف "متابعتي لبرامج التلفزيون بسبب وحظر التجوّل جعلتني أتعرف على عادات وألعاب كان الأطفال يحرصون عليها في رمضان".
في نفس الوقت، تشعر الطفلة آلاء بالاستياء بسبب أزمة كورونا، تقول إن "أمها وعدتها بعد انتهاء الأزمة أن تصحبها لأمسية رمضانية يشارك فيها الأطفال بغناء الأناشيد الخاصة بشهر الصيام".