العراق

في يوم الصحافة العالمي .. صحافة العراق معاناة وأرقام ضحايا

علي قيس
01 مايو 2020

أعمل في الصحافة بالعراق منذ 13 سنة، في كل عام أكلف فيه بتغطية يوم الصحافة العالمي، أسرع للحصول على تقارير لأعداد ضحايا العمل الصحفي، قتلى ومعتقلين وأشخاص تعرضوا لتهديدات.
فهذه المعلومات الوحيدة التي ترصد للعاملين في مجال الصحافة، دون البحث عن النجاحات التي حققها العاملون فيها أو تكريم بعضهم، أو حتى تقديم تهنئة لهم.
يقول رئيس المرصد العراقي للحريات الصحفية هادي جلو مرعي، "كنا نتمنى أن نقدم التهاني، لكن كما تعودنا في كل عام نقدم بهذه المناسبة تقارير تتحدث عن الأجواء السيئة التي تحيط بالعمل الصحفي في العراق".
وبنبرة لا تخلو من اليأس يضيف مرعي "وآفاق المستقبل لا تبدو جيدةً وفقا لمعطيات الحاضر".
والسؤال هنا، ما هو واقع الصحافة في العراق؟

البقعة السوداء

لا يزال العراق يحتفظ بموقعه المتقدم ضمن الدول الأكثر خطورة في مجال العمل الصحفي.
ووفقا لتصنيف منظمة "مراسلون بلا حدود"، فإن العراق خلال عام 2020، حافظ على بقائه في البقعة السوداء المخصصة للدول الأكثر خطورة في مجال الصحافة وحرية التعبير عن الرأي، محتلا المركز 162 من بين 180 دولة رصدتها المنظمة في العالم.

ويذكر تقرير للمنظمة أن الصحفيين العراقيين يخاطرون بحياتهم عندما يغطون الاحتجاجات أو عندما يحققون بشأن قضايا الفساد.
وازدادت حدة الضغوطات على العاملين في مجال الصحافة منذ اندلاع التظاهرات في أكتوبر/ تشرين الأول 2019، حيث يواجه الصحفيون الذين ينقلون احتجاجات المتظاهرين خطر التعرض للمضايقات أو الاختطاف أو الاعتداء على أيدي مسلحين مجهولين أو منتسبين إلى إحدى الميليشيات، بل ويصل الأمر حد الاغتيال في بعض الحالات، بحسب التقرير.
وتقول منظمة مراسلون بلا حدود، إنه في ظل تعنت الشخصيات السياسية والدينية التي تعتبر نفسها مقدسة وغير قابلة للانتقاد، يتعرض الصحفيون للملاحقات ووسائل الإعلام لمنع النشر أو البث بتهمة "إهانة رموز وطنية أو دينية".
وتضيف "هذا وتمر اغتيالات الصحفيين دون أي عقاب، علماً بأن التحقيقات التي تُفتح بشأنها لا تؤدي إلى أية نتائج مجدية".
وترى المنظمة أن الوضع أكثر خطورة مما يبدو، لأن الدولة في "موقف ضعف إلى حد يجعل من المستحيل تحديد ما إذا كانت المليشيات العديدة المتدخلة في الساحة العراقية تعمل لمصلحة الحكومة أم أن الوضع يخرج بالفعل عن سيطرة السلطات".

صحافة الأحزاب والتمويل

يرى رئيس المرصد العراقي للحريات الصحفية هادي جلو مرعي، أن العراق ومنذ 2003 سيطرت فيه القوى الحزبية على الإعلام ووجهته لصالحها ولتمرير أجنداتها، ولكسب الجمهور في الانتخابات والترويج لشخصيات فيها وللمنافسة مع الآخرين وتسقيط الخصوم، لذلك كانت الصحافة في الغالب حزبية.
ويقول في حديث لموقع (ارفع صوتك)، "حتى الصحافة المستقلة لا تبتعد عن الحزبية لأسباب مرتبطة بنوع الصراع السائد سواء على المستوى السياسي أو الطائفي أو الولاء والتدخلات الخارجية وأجندات القائمين على تلك الوسائل جهة التمويل".
ويضيف "لذلك نجد أن الصحافة المستقلة في العراق نادرة جدا لأسباب لا ترتبط بالأحزاب فقط، وإنما بسبب البحث عن التمويل".
فالعلاقة بين وسائل الإعلام ووزارات الدولة هي علاقة مصالح مشتركة.
تبحث وسائل الإعلام عن الربح المادي من خلال الإعلانات، وتبحث المؤسسات الحكومية عن جهة تروج لها، وتبث المعلومات التي تخدمها، وتخفي المعلومات المتعلقة بالفساد أو الفشل بتقديم الخدمات.
ويوضح مرعي "لذلك تعرضت الصحافة في العراق منذ 2003 إلى مئات الحوادث وأشكال مختلفة من الاضطهاد الاقتصادي والسياسي والأمني وقتل العشرات من الصحفيين وترك المئات العمل وبعضهم ترك البلاد".
وما زال الصحفيون يعانون من الضائقة المالية بسبب قطع الرواتب وتسريح آلاف العاملين، وفقا لمرعي.
ولا يمكن أن نتحدث عن وضع الصحافة في العراق دون المرور بالظروف التي أسست لواقعها الحالي، سواء على مستوى الحرب الطائفية والتدخلات الأجنبية والتنظيمات المسلحة وغيرها.
يقول مرعي، "تلك الظروف جعلت الصحافة في العراق جزء من المعاناة وحالة اللا استقرار، وربما يستمر هذا الوضع لفترة قادمة".

علي قيس

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.