في يوم الصحافة العالمي .. صحافة العراق معاناة وأرقام ضحايا
أعمل في الصحافة بالعراق منذ 13 سنة، في كل عام أكلف فيه بتغطية يوم الصحافة العالمي، أسرع للحصول على تقارير لأعداد ضحايا العمل الصحفي، قتلى ومعتقلين وأشخاص تعرضوا لتهديدات.
فهذه المعلومات الوحيدة التي ترصد للعاملين في مجال الصحافة، دون البحث عن النجاحات التي حققها العاملون فيها أو تكريم بعضهم، أو حتى تقديم تهنئة لهم.
يقول رئيس المرصد العراقي للحريات الصحفية هادي جلو مرعي، "كنا نتمنى أن نقدم التهاني، لكن كما تعودنا في كل عام نقدم بهذه المناسبة تقارير تتحدث عن الأجواء السيئة التي تحيط بالعمل الصحفي في العراق".
وبنبرة لا تخلو من اليأس يضيف مرعي "وآفاق المستقبل لا تبدو جيدةً وفقا لمعطيات الحاضر".
والسؤال هنا، ما هو واقع الصحافة في العراق؟
البقعة السوداء
لا يزال العراق يحتفظ بموقعه المتقدم ضمن الدول الأكثر خطورة في مجال العمل الصحفي.
ووفقا لتصنيف منظمة "مراسلون بلا حدود"، فإن العراق خلال عام 2020، حافظ على بقائه في البقعة السوداء المخصصة للدول الأكثر خطورة في مجال الصحافة وحرية التعبير عن الرأي، محتلا المركز 162 من بين 180 دولة رصدتها المنظمة في العالم.
ويذكر تقرير للمنظمة أن الصحفيين العراقيين يخاطرون بحياتهم عندما يغطون الاحتجاجات أو عندما يحققون بشأن قضايا الفساد.
وازدادت حدة الضغوطات على العاملين في مجال الصحافة منذ اندلاع التظاهرات في أكتوبر/ تشرين الأول 2019، حيث يواجه الصحفيون الذين ينقلون احتجاجات المتظاهرين خطر التعرض للمضايقات أو الاختطاف أو الاعتداء على أيدي مسلحين مجهولين أو منتسبين إلى إحدى الميليشيات، بل ويصل الأمر حد الاغتيال في بعض الحالات، بحسب التقرير.
وتقول منظمة مراسلون بلا حدود، إنه في ظل تعنت الشخصيات السياسية والدينية التي تعتبر نفسها مقدسة وغير قابلة للانتقاد، يتعرض الصحفيون للملاحقات ووسائل الإعلام لمنع النشر أو البث بتهمة "إهانة رموز وطنية أو دينية".
وتضيف "هذا وتمر اغتيالات الصحفيين دون أي عقاب، علماً بأن التحقيقات التي تُفتح بشأنها لا تؤدي إلى أية نتائج مجدية".
وترى المنظمة أن الوضع أكثر خطورة مما يبدو، لأن الدولة في "موقف ضعف إلى حد يجعل من المستحيل تحديد ما إذا كانت المليشيات العديدة المتدخلة في الساحة العراقية تعمل لمصلحة الحكومة أم أن الوضع يخرج بالفعل عن سيطرة السلطات".
صحافة الأحزاب والتمويل
يرى رئيس المرصد العراقي للحريات الصحفية هادي جلو مرعي، أن العراق ومنذ 2003 سيطرت فيه القوى الحزبية على الإعلام ووجهته لصالحها ولتمرير أجنداتها، ولكسب الجمهور في الانتخابات والترويج لشخصيات فيها وللمنافسة مع الآخرين وتسقيط الخصوم، لذلك كانت الصحافة في الغالب حزبية.
ويقول في حديث لموقع (ارفع صوتك)، "حتى الصحافة المستقلة لا تبتعد عن الحزبية لأسباب مرتبطة بنوع الصراع السائد سواء على المستوى السياسي أو الطائفي أو الولاء والتدخلات الخارجية وأجندات القائمين على تلك الوسائل جهة التمويل".
ويضيف "لذلك نجد أن الصحافة المستقلة في العراق نادرة جدا لأسباب لا ترتبط بالأحزاب فقط، وإنما بسبب البحث عن التمويل".
فالعلاقة بين وسائل الإعلام ووزارات الدولة هي علاقة مصالح مشتركة.
تبحث وسائل الإعلام عن الربح المادي من خلال الإعلانات، وتبحث المؤسسات الحكومية عن جهة تروج لها، وتبث المعلومات التي تخدمها، وتخفي المعلومات المتعلقة بالفساد أو الفشل بتقديم الخدمات.
ويوضح مرعي "لذلك تعرضت الصحافة في العراق منذ 2003 إلى مئات الحوادث وأشكال مختلفة من الاضطهاد الاقتصادي والسياسي والأمني وقتل العشرات من الصحفيين وترك المئات العمل وبعضهم ترك البلاد".
وما زال الصحفيون يعانون من الضائقة المالية بسبب قطع الرواتب وتسريح آلاف العاملين، وفقا لمرعي.
ولا يمكن أن نتحدث عن وضع الصحافة في العراق دون المرور بالظروف التي أسست لواقعها الحالي، سواء على مستوى الحرب الطائفية والتدخلات الأجنبية والتنظيمات المسلحة وغيرها.
يقول مرعي، "تلك الظروف جعلت الصحافة في العراق جزء من المعاناة وحالة اللا استقرار، وربما يستمر هذا الوضع لفترة قادمة".