العراق

في يوم العمّال.. عراقيون كسَبة يشكون أوضاعهم بعد الكورونا

01 مايو 2020

يأتي يوم العمّال العالمي، وأغلب العمّال العراقيين في بيوتهم، لا خشية من عدوى فيروس كورونا المستجد، بل بسبب فقدانهم أعمالهم.

يقول سلمان حميد لـ "ارفع صوتك" إن "حظر التّجول الجزئي لأماكن العمل وتوقف الكثير من المشاريع الخاصة دفعه وغيره للبقاء في منازلهم".

ويعتبر سلمان (49 عاماً) الذي يعمل في محل حدادة، البقاء في المنزل "وسيلة لتلافي مصاريف التنقل من إلى محله في وقت لا يمكنه الحصول فيه على المال الكافي". 

ويضيف "كنّا نفعل ذلك في الأزمات الاقتصادية عندما ينحسر سوق العمل أو يتوقف".

إلاّ أن حال كرار (29 عاماً) يختلف رغم تدهور الوضع بسبب الوباء. فمع اقترابه من السيارة، يبدأ بتغطية وجهه بشماغ بدلاً من الكمامة قبل أن يتحدث مع صاحبها.

مهمته هي الاتفاق على أجوره المالية لليوم الواحد قبل توجهه للعمل. في العادة يفعل عمال البناء هذا، لكن عادات الحصول على عمل الآن تغيرت.

يقول لـ "ارفع صوتك": "سنعود للتزاحم حول السيارات حين يزول خطر الوباء". 

عادة، ما يتجمع عمال البناء في مكان متعارف عليه في كل منطقة، حتى يتمكن الباحثون عن عمّال بناء وترميم من رؤيتهم، وحين يجدونهم يختارون من يناسبهم.

وللمحافظة على فرصة عمله، يلجأ كرار إلى الركض مسرعاً نحو أية سيارة تقف في المكان والتزاحم مع الآخرين للاتفاق مع صاحبها.

يضيف لـ"ارفع صوتك" أن " أصحاب العقارات أوقفوا مشاريعهم في البناء والترميم بشكل مؤقت ريثما تنتهي أزمة فيروس كورونا".

ورغم أوضاعهم المالية السيئة، قرر الكثير من عمال البناء البقاء في منازلهم، أملاً في استئناف هذه المشاريع، إلا أنه يفضل الاستمرار في الذهاب إلى مكان تجمع العمال كل يوم على أمل أن تعود حياته الطبيعية.

"كان يمكن أن أبقى في البيت كغيري الكثير من العمال الذين أدركوا استحالة العثور على عمل يوفر لهم لقمة العيش الآن، لكني لم أتمكن من تحمل تبعات ذلك"، يقول كرار. 

ويشير إلى أن حركة وتنقل المواطنين بشكل طبيعي في كل الشوارع والأسواق، كما أن المتاجر والمحلات مفتوحة.

ويقول كرار "بينما أعمالنا متوقفة.. أنا لم أعمل منذ أسابيع، وأوضاعي المالية متدهورة جداً".

أسوأ من السابق

كرار، ليس حالة استثنائية، وإنما جميع العمال والكسبة يعانون الآن من توقف الأعمال والمشاريع الخاصة بسبب تفشي فيروس كورونا.

تقول نوافل خضير (37 عاماً) التي كانت تعمل في شركة خاصة للطيران قبل أزمة الفيروس وأغلاق الشركة، إنها " تخشى أن يستمر هذا الوضع لأشهر طويلة".

وتضيف نوافل التي تعيل أفراد أسرتها " من الصعب تحمل هذا الوضع وسط تدهور أمورنا المالية وتوقف أعمالنا".

لكنها مستمرة بالبقاء في منزلها أملاً في انفراج الوضع رغم شعورها بأن القادم من تداعيات جائحة كورونا على سوق العمل سيكون أسوأ بكثير من السابق.

وكانت وزارة التخطيط العراقية، أعلنت عن إن معدل البطالة بين الشباب في البلاد يبلغ 22.6٪ غالبيتهم من الإناث.

وأوضح الجهاز المركزي للإحصاء التابع للوزارة، أن "معدل البطالة بين الشباب للفئة العمرية بين (15- 29) سنة يبلغ 22.6٪، و 56.3٪ منهم إناث".

وأضاف الجهاز أن "نسبة معدلات مشاركة الشباب في القوى العاملة تبلغ 36.1٪".

وهذه الأرقام أقل بكثير عن أخرى أعلنها صندوق النقد الدولي في مايو 2018، حيث بين أن معدل البطالة لدى شريحة الشباب في العراق تبلغ أكثر من 40٪.

ارتفاع مؤشرات البطالة

من جهته، يقول الخبير الاقتصادي جاسم خالد، إن مشكلة البطالة "قديمة وأعداد العاطلين عن العمل في تزايد قبل أزمة الفيروس ولا وجود لأية إستراتيجية حقيقية للحكومة العراقية في هذا الشأن".

لكن تفشي الفيروس أحدث تأثيرا كبيراً في ارتفاع مؤشرات البطالة، وأنه من "المستحيل" إيجاد الحلول ما لم ينته الوباء، يضيف الخبير. 

وسجلت وزارة التخطيط العراقية خلال الأسابيع الماضية 18 مليون طلب إعانة بطالة بسبب تأثير إجراءات الحظر الوقائي من تفشي فيروس كورونا على سوق العمل.

ويحذر جاسم من أن استمرار ارتفاع مؤشرات البطالة " يعطي العصابات الإجرامية فرصة لاستقطاب المزيد من الشباب العاطل لمواجهة الفقر".

وكانت لجنة الاقتصاد والاستثمار النيابية، قد أعلنت في وقت سابق عن تجاوز نسبة البطالة والعاطلين عن العمل أكثر من 42% في عموم محافظات البلاد. 

وقالت عضو اللجنة ندى شاكر، إن "نسبة البطالة والعاطلين عن العمل من الخريجين تجاوزت 42% في عموم محافظات البلاد"، لافتة إلى إن "عدد الخريجين العاطلين عن العمل قد يتجاوز خمسة ملايين شخص في الوقت الحالي".

وأضافت أن "وصول نسبة العاطلين عن العمل لأكثر من 42% مؤشر خطير وقد يولد توسع في قضية المخدرات والجريمة المنظمة"، مبينة أن "تزايد نسبة البطالة يعود لعدم تفعيل الاستثمار والصناعات المحلية من قبل الحكومة".

وكانت لجنة النزاهة النيابية أكدت، أن معدل المشاريع المدرجة بموازنة 2019 تقضي على البطالة بشكل نهائي في العراق، من خلال تشغيل القطاعين العام والخاص، مبينة أن سوء الإدارة والفساد المستشري وراء عدم تطبيقها.

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.