العراق

عراقيون خائفون من فرض "الحجر المناطقي"

05 مايو 2020

تشعر الحاجة أم رائد بالقلق الشديد بعد حجر ابنها وزوجته وأطفاله لمدة 14 يوما مع الوافدين من خارج العراق.

"الحجر الصحي الذي خضعوا له لا يختلف عن السجن بنظر  ابني"، تقول أم رائد، في إشارة إلى أنهم قد جردوهم من أوراقهم الرسمية وجوازات السفر، لحين الانتهاء من مدة الحجر الصحي.

وخرج ابنها وأسرته، الذين هاجروا لإيطاليا عام 2001 من مركز للحجر الصحي، حيث أُخذت المسحات منهم، وأجريت لهم الفحوصات لتوكيد سلامتهم من الإصابة بفيروس كورونا المستجد.

ويواجه العائدون من خارج العراق، إجراءات الحجر الصحي بعد أن يتم فحصهم في المنافذ الحدودية، وعند وجود حالات مشتبه بها يتم نقلهم إلى المستشفيات وإخضاعهم لفحص "تفاعل البوليميراز المتسلسل".

أما بقية الوافدين فيتم حجرهم جميعا في أماكن مخصصة، ولمدة 14 يوما، أو الحجر المنزلي مع أخذ تعهد قانوني منهم بالالتزام بالحجر لحين ظهور نتائج الفحص.

من جهتها، تقول أم رائد لـ"ارفع صوتك" إن قلقها ليس بسبب ظروف الحجر الصحي بل في الضغوط التي تواجهها من قبل جيرانها ومعارفها في المنطقة، التي يسكنون فيها عقب عودة أسرة ابنها، منها مطالبتهم بإخلاء المنزل والانتقال لمنطقة أخرى.

"الناس بعد أن سمعت باحتمالية تطبيق قرار الحجر المناطقي. بدأت ترفض وجود أية حالة كانت مصابة بفيروس كورونا أو مشتبه بها داخل مناطقهم"، تقول أم رائد.

وتضيف أن الجيران يرددّون عليها عبارات مثل "ستحجرنا الحكومة كلنّا بسبب أسرة ابنك".

وتشير  إلى أن أكثر من شخص تحدث معها وطالبها بالرحيل عن المنطقة  حتى انتهاء أزمة كورونا، خشية عزل منطقهم.

ملابسات الحجر المناطقي

وسبق أن باشرت محافظة بغداد بجرد وتحديد المناطق التي تزداد بها أعداد الإصابة بفيروس كورونا دون غيرها، والتوجه إلى اعتماد خطة لتهيئة الحجر المناطقي.

وقال محافظ بغداد محمد جابر العطا إن "هناك 8 إلى 10 آلاف فحص تجريها دائرتا صحة الكرخ والرصافة يومياً. 

من جانبه، يقول غانم باقر (51 عاماً) لـ"ارفع صوتك"، إن الخطوات التي تتناقلها الأخبار عن الحجر المناطقي تسببت بمخاوف من وجود عائلات أصيب أحد أفرادها بالوباء أو كان ملامسا له، خاصة مع عودة الوافدين من خارج البلاد.

 "شقيقي أراد العودة من السويد ورفضت، حيث أخبرته بأن عودته ستتسبب بطردنا من المنطقة"، يوضح غانم.

ويشير إلى أن شقيقه "لم يكن مقيماً في السويد، بل زائراً لأغراض الدراسة"، لكنه لن يتمكن من العودة للعراق في ظل أزمة كورونا "لأنه يهدد وجود أسرة متكونة من 14 فرداً، خاصة أن الوباء شجع على مراقبة الجيران لبعضهم البعض"، حسب غانم.

ومنذ الإعلان عن تحديد المناطق التي تزداد بها أعداد الإصابة بفيروس كورونا، والتوجه إلى فكرة الحجر المناطقي، انشغل الأهالي بملابسات هذا الحجر وتداعياته خاصة في المناطق الشعبية.

كما أعلن العطا عن وجود "ثلاثة  آلاف من العائدين للعراق، أغلبهم قدموا من مناطق موبوءة وجرت استضافتهم في المستشفيات المخصصة للحجر". 

احتواء الأزمة

الخبير الاجتماعي رياض الخليل، يتساءل في حديثه لـ"ارفع صوتك": "هل تمهد محافظة بغداد لفك حظر التجوّل بشكل نهائي بعد الإعلان عن خطة الحجر المناطقي؟"

ويقول إن"فرض حجر مناطقي ليس ضروريا، لأن نظامه أمني لا صحي". 

ويتابع الخليل أن "الإجراءات المتبعة لم تجعل من الفيروس مشكلة صحية تستهدف الناس بقدر تسببها في إخضاعهم والتهديد بعقوبات في حال مخالفتها، دون توعية كافية لإقناعهم بدور التباعد الوقائي في انحسار الوباء".

 ومع استمرار تفشي مرض كوفيد-19، تجري كل من دائرة صحة الكرخ والرصافة بين ثمانية وعشرة آلاف فحص يومياً.

ويستغرب الخليل من اللجوء لإعداد خطة للحجر المناطقي بينما الحكومة لم تقم سوى بفحص بعض الآلاف من المشتبه بهم إلى الآن، في حين أن التعداد السكاني للعراق يقارب 40 مليون نسمة.

ويضيف "بدلا من عزل المصابين وحجرهم داخل مراكز صحية خاصة عند الحدود وعدم السماح لهم في الوصول إلى مناطقهم، تسعى الحكومة إلى الحجر المناطقي" وتدابيره التي لن توفر حياة طبيعية لسكان تلك المناطق".

كما أن العديد من المناطق لم تسجل سوى حالات إصابة قليلة بفيروس كورونا، وفق الخليل، مضيفاً "إلا أنها قد تجبر على تطبيق إجراءات الحجر المناطقي".

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.