شاب يبحث عن فرصة عمل، يحمل شهادة جامعية في الفلسفة، وهو عاشق أيضاً، يتعثّر أثناء بحثه مع أبيه بالواسطة والمحسوبيات في الوظائف الحكومية، ليكون الحل العمل على مركبة متنقلة تبيع الخضار.
هكذا تبدأ الحلقة السابعة من المسلسل العراقي "غايب في بلاد العجايب" الذي يُبث على شاشة "ام بي سي العراق"، شارك فيه عدد من المؤلفين، وأخرجه أسامة الشرقي، فيما البطولة للفنان كاظم القريشي.
وحسب موقع "السينما.كوم"، تدور أحداث المسلسل حول "يوميات المواطن العراقي البسيط غايب. الذي يعيش حياة صعبة مع زوجته، وأولاده، داخل بيت واحد. كما يحمل العمل إسقاطات سياسية واجتماعية وثقافية وإنسانية من خلال المواقف الغريبة التي يعيشها غايب في أجواء من الفانتازيا".
فقد ابنه في...
غايب، فعلياً هو اسم واحد لشخصيات عراقية متعددة، يتعرض عبرها للعديد من المواقف، العديد منها خيالية، في رمزية لبعض القضايا المعاصرة في العراق.
وفي الحلقة السابعة وعنوانها "موت الورود"، يتعرّض غايب وابنه لصعوبات عديدة في العمل ببيع الخضار حتى يتوقفان عن ذلك، تجنباً للمخالفات الأمنية.
وحين تندلع التظاهرات، يشارك بها غايب، قائلاً "خرجنا نطالب بحقنا، حتى السيارة التي استأجرتها لبيع الخضار أخذوها منّي. ألا ترى كل هؤلاء الشباب المتظاهرين؟" لصديقه الذي يسأله عن سبب دعوته للتظاهرات.
وأثناء مشاركتهما يلتقيان بابنه الذي يوزّع الورد على المتظاهرين، ليفاجؤوا بعدها بإطلاق نار على المتظاهرين، ويُقتل ابنه بسّام.
وظهر المشاركون من الشبان والشابات، بالإضافة لمركبات التكتك، وهي الصورة التي عرفناها في الاحتجاجات العراقية التي استمرت ميدانياً أكثر من أربعة أشهر، بدأت أكتوبر 2019.
وختمت الحلقة بعبارة "إهداء إلى أرواح شهداء الوطن" مع بيت من الشعر الشعبي يعكس رؤية الكثير من المتظاهرين حول الاستمرارية بالمطالبة بالحقوق رغم تزايد عدد القتلى، باعتبار أنهم "يموتون ليعيش غيرهم حياة أفضل".
#غايب_في_بلاد_العجايب
— اياد الراوي 2 (@aead9595) April 30, 2020
حلقة اليوم روعة 😭 pic.twitter.com/gfwkLTYzGf
وحسب العديد من العراقيين متابعي الدراما العراقية في رمضان، غابت التظاهرات عن الغالبية العظمى من الأعمال المعروضة (حتى زمن نشر هذا المقال).
وفي التعقيبات على الحلقة السابعة من "غايب في بلاد العجايب"، نقرأ:
وعن آراء المتابعين العراقيين في المسلسل ككل، غرّد إياد الراوي في تويتر "ليس بالضّرورة أن تكون الأشياء العميقة معقّدة، وليس بالضّرورة أن تكون الأشياء البسيطة ساذجة، إنّ الانحياز الفنّي الحقيقي هو كيف يستطيع الإنسان أن يقول الشّيء العميق ببساطة #بنج_عام #غايب_في_بلاد_العجايب"
وكتب مضاء العلي في فيسبوك "أعمال يُشاد لها بالبنان، في هذا الموسم
الأول للفنان كاظم القريشي بأدائه للكوميديا الهادفة من خلال العمل (غايب في بلاد العجايب) وأجادها بحرفية بعد أن عُرف بالتراجيديا والدراما".
وبين عدة مسلسلات عراقية تُعرض في شاشات محليّة وعربية، متوفر بعضها مجانًا في "يوتيوب"، يبدو "غايب في بلاد العجايب" الوحيد الذي تطرّق للتظاهرات، المستمرة لغاية اليوم بشكل متقطع ميدانياً ولم تتوقف في مواقع التواصل الاجتماعي، عبر من شاركوا فيها، ونشطاء ناصروها إلكترونياً.
ما الأسباب؟
في الحلقة الخاصة بالتظاهرات بين حلقات متنوعة المواضيع لـ"غايب في بلاد العجايب" نجدها قريبة جداً من أحلام الشباب الذين خرجوا في بداية أكتوبر 2019، والقتلى الذين سقطوا بنيران القوات الحكومية وعناصر المليشيات، خصوصاً المدعومة من إيران.
وتذكرنا قصة الشاب الذي يبيع الخضار ويحمل شهادة بكالوريوس بعشرات الشباب الذين لم يجدوا فرصة عمل موائمة لتخصصاتهم الجامعية، عدا عن قصة أمجد البديري، الشاب البسيط الذي كان يبيع الشاي وتعرّضت بسطيته مرات عديدة للمصادرة.
كما كان مشهد توزيع الورود هو الحاضر فعلاً في بدايتها قبل أن يُفاجأ المتظاهرون بالنيران.

استعارات رمزية
في محاولة البحث عن حضور أو غياب التظاهرات عن الدرامة العراقية بعد مرور أكثر من ستة أشهر على اندلاع الاحتجاجات، يشير العديد من العراقيين إلى عملي "ولاية بطيخ" و"كما مات وطن".
يقول سنان السرحان لـ"ارفع صوتك": "لغاية الآن لا شيء مجرد سكيتش واحد بولاية بطيخ تطرق للموضوع بشكل خجول، السبب برأيي أن أصحاب القنوات لا يدفعون لهكذا أعمال، لأن مع الأسف كل القنوات مشتركة مع الحكومة بشكل أو بآخر و ماعدنا إعلام حر".
ويتفق معه حيدر كريم بالقول "أصحاب القنوات لا يتكلمون عن المظاهرات يخافون تضرّر مصالحهم".
ويقول حبيب العكيد، إن "أغلب حلقات كما مات وطن تتكلم عن الحكومة لكن بشكل غير مباشر".
ويشير محسن إلى أن "بعض مشاهد ولاية بطيخ من أفكار التظاهرات، وطُرحت بطريقة ساخرة"، مضيفاً لـ"ارفع صوتك "لكنها لا تكفي أمام قصص التظاهرات وأفكارها وقيمتها الكبيرة".
في ذات السياق، تقول آمنة لـ"ارفع صوتك" إن "توثيق أسماء شهداء التظاهرات مهم جداً، حتى لا يضيع حقهم".
وتشير إلى ضرورة إنتاج أفلام وثائقية (لا درامية) يشارك فيها متظاهرون "يروون أحداث الثورة" بالإضافة للتركيز على "القمع بحقهم كي تتم محاسبة المجرمين يوماً ما".
وبرأيها، فإن العمل الدرامي أو السينمائي قد لا يفي الثورة حقها، خصوصاً أنها "لم تنته".
وفي مسلسل ولاية بطيخ، بموسمه الخامس، نلحظ رمزية مباشرة وصريحة، حول قضايا سياسية، مثلاً في الحلقة الثالثة يظهر رجل اسمه "عراق" وله ابنان اسمهما "رافدين" مصابات "بالجفاف"، ولا يسلم من سرقة أحد له حتى "أكثر الناس شرفاً وأمانة"، أما جيرانه "السعودية وتركيا وإيران" ويحذره منهم موظف دولة بالقول "لا تسمح لهم بالتدخّل في حياتك".
أما الحلقة الرابعة، المشار إليها من قبل عدد من المتابعين، فتبدأ بمشهد رجل يتظاهر داخل بيته بالأعلام العراقية ولافتتين، إحداهما تحمل صورة زوجته رسم عليها "X" كبيرة كالتي رأيناها على صور رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي ومرشحي رئاسة الحكومة وبعض النوّاب العراقيين في التظاهرات، كتب عليها "مرفوض من قبل الشعب".
أما الثانية فتحمل شعار "ولائي للطلاق فقط"، وهو تناص عن الشعار "ولائي للعراق فقط".
أما الرجل "الثائر على زوجته" فيلقب زوجته بـ"أبو الشغب" مشيراً إلى استخدامها "أدوات محرمة دولياً ومنتهية الصلاحية" دلالة على القنابل المسيلة للدموع والدخانيات التي استخدمت في ساحة التحرير وكشفت منظمات دولية على انتهاء صلاحيتها، كما أدت لمقتل العشرات من المتظاهرين.
ويكمل الحوار بينه وبين زوجته بشكل كوميدي، نصّه هو المناظرة بين المتظاهرين والسلطات الحاكمة.
في نهاية الاسكتش التلفزيوني، وهو جزء من الحلقة الرابعة، يقول "خل أحضّر الصورة مال مخطوف" فتتوقف الكاميرا بلقطة له يرفع إِارة النصر مع العلم العراقي، ويكتب على الشاشة" #الحريةـلأبوشهم".
وفي تغريدة له، قال مخرج عملي "ولاية بطيخ" و"بنج عام" علي فاضل، إن الكثير من المتابعين يتهمونه بـ"الخيانة" ويوجهون له الشتائم وصفهم بـ"الذباب الإلكتروني".
وأضاف صورة كتب عنها "هذا عمل عن قصص لشهداء العراق (اسمه 9 ملم)، تأليف مصطفى الركابي، مكتوب صار سنتين نتوسل بكل أصحاب القرار ينتجون ومحد اهتم لأن هم وطنيين بتويتر وبس".
وتشي هذه التغريدة بوجود خطوط حمر لدى منتجي الدراما في العراق، أضف إلى ذلك استخدام الرمزية في العديد من الأعمال، التي تتراوح بين التلقائية غير المتكلفة (غايب في بلاد العجايب) والمباشرة الفجّة (ولاية بطيخ) والسلسة الأقل مباشرة وأقرب إلى التلقائية (كما مات وطن مثلاً)، إضافة إلى أنها جميعها يغلب عليها الطابع الكوميدي بدرجات متفاوتة.
وإن كانت الكوميديا وسيلة المقهورين تاريخياً في التعبير عن معاناتهم وسط القمع والمصالح الضيّقة وسطوة رؤوس الأموال، فإنها أحيانًا تجعلنا نتساءل "هل كل الموضوعات تحتمل الكوميديا الساخرة؟".
