العراق

بعد جدل ومخاوف.. هيئة التقاعد العراقية: الرواتب الخميس

06 مايو 2020

أعلنت هيئة التقاعد العراقية، عبر موقعها الرسمي أنها ووزارة المالية "تنفيان الأخبار المتداولة حول استقطاع الرواتب".

وجاء في الخبر الذي نشرته أنه سيتم "إطلاق رواتب المتقاعدين ابتداءً من يوم غد الخميس".

لكن هذا النفي والتوكيد من هيئة التقاعد، لم يُشر إلى رواتب الموظفين الحاليين، إنما المتقاعدين فقط.

وكان قرار تم تداوله محلياً، أثار غضب ومخاوف العراقيين، يقضي باستقطاع 12٪ من رواتب المتقاعدين للشهر الحالي، و25٪ من رواتب الموظفين وفق سياسة "الادخار الإجباري" لمواجهة أزمة انخفاض أسعار النفط في العراق، موجة من الانتقادات الرافضة له حيث اعتبره البعض "مؤقتاً" في حين عده آخرون دليلا على بداية مجاعة محتملة للعراقيين. 

وكان سيتم بموجبه "إلغاء 75٪ من مخصصات الدرجات الخاصة وتحديد سلم لأعلى راتب وتقاعد (5-4 مليون دينار) وإلغاء 50٪ من مخصصات بقية الموظفين لضمان توفير مرتبات موظفي الدولة في ضل شح الموارد".

من جانبه، شعر سلام وهاب (48 عاما) بالاستياء مما وصفوه بأنه "الادخار الإجباري"، إذ تناول القرار عبارة "سياسة الادخار الإجباري" لمواجهة الأزمة.

وقال لـ "ارفع صوتك"، إن "الموظف والمتقاعد في هذه البلاد هما المرشحان دوماً لتخليص الحكومة من أزماتها".

وأضاف سلام الذي يعمل في وظيفة حكومية، أن هذا القرار "سيخلق أزمات كثيرة بين شرائح مختلفة من المجتمع العراقي، خاصة الذين عليهم توفير ايجارات منازلهم أو التزامات مالية". 

الإصلاح والتغيير

وأعاد هذا القرار إلى أذهان العراقيين، معاناتهم من عواقب الحصار الاقتصادي في تسعينيات القرن الماضي.

تقول جميلة عمران (62 عاماً) لـ "ارفع صوتك": "السبب فيما يحدث لنا هو الخلافات السياسية والفساد المفتشي في العديد من دوائر ومؤسسات الدولة، وتجاهل الحكومات المتوالية على حكم البلاد لمطالب الإصلاح والتغيير".

وتتابع "تحاول الحكومة استغلال الرواتب التي هي لذوي الدخل المتوسط لحل أزماتها، مقدمة المقاعد والموظف على أنه العلاج لفسادها، بينما تتحكم القوى السياسية وجماعاتهم بكل شيء".

وتشير جميلة وهي مدرسة متقاعدة إلى أن المتقاعد "لا يقوى على كوارث اقتصادية جديدة"، مضيفة "عشنا الكثير من سنوات العوز والفقر بحياتنا ولم نعد نحتمل المزيد".

احتياطات خزينة الدولة

في ذات السياق، يقول عامر قيس (32 عاماً): "إذا حدث واستقطعت الحكومة من الرواتب بهذا السهولة، سيأتي اليوم الذي لن يجد فيه الموظف أو المتقاعد أي راتب بسبب الفساد الذي يحقق أغراضهم دائما ومصالحهم".

ويضيف لـ "ارفع صوتك" مستغرباً "فشلت القوى السياسية في تشكيل حكومة مؤقتة بسبب خلافاتها على المكاسب والسلطة، وهو ما سيحدث أيضا بتعامل هذه القوى مع الأزمة الأخيرة وتداعياتها الاقتصادية على الشعب".

ويتابع عامر قوله "كانوا يسخرون منا، ويقولون إن احتياطات خزينة الدولة تغطي الرواتب لأكثر من سنة، والنتيجة بعد ثلاثة أشهر تعلن الحكومة عجزها عن توفير الرواتب".

ويتساءل "أين ذهبت ايرادات النفط، وأين ذهبت احتياطات خزينة الدولة؟" مردفاً "من غير المتوقع ألا يكون الشعب هو الضحية الآن مثل كل مرة، من أجل أن تؤمن القوى السياسية وأحزابها وجودها". 

واردات النفط

وكانت اللجنة المالية، في مجلس النواب العراقي استبعدت قبل أيام، تقليل أو التلاعب برواتب الموظفين ومخصصاتهم، كونها سنت بقانون ولا يمكن تغييرها إلاّ بقانون.

وتخيم المخاوف من عدم قدرة الحكومة من توفير الرواتب من الأساس، وتفتح أمام الخبير الاقتصادي جاسم خالد قراءات "كارثية" عن الأوضاع التي ستهدد ملايين العراقيين من الذين يعتمدون على الرواتب الحكومية كالموظف والجندي والشرطي وغيره.

يقول لـ "ارفع صوتك"، إن اللجوء إلى تقليص رواتب المتقاعدين والموظفين "مؤشر على بداية الطريق لحالة من العوز والفاقة في البلاد".

ويحذر خالد من أن هذه القرارات "تضاعف من الصراعات السياسية لأنها علىصلة بالكوارث المالية والأزمات الاقتصادية نتيجة الفساد المستشري في البلاد".

وتعتمد البلاد على واردات النفط لتوفير جميع الاحتياجات بما فيها الرواتب والأجور والمدفوعات الحكومية، لكن انخفاض أسعار النفط وتدهورها عالميا وسط تفشي جائحة كوفيد-19.

يقول خالد "تقليص الرواتب الحكومية ليست المخرج الوحيد من هذه الأزمة والمشاريع الخاصة في الزراعة والصناعة وكذلك السياحة يجب أن تستثمر لتنويع مصادر الدخل لتجاوز العجز أو لتخفيف الأزمة".

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.