العراق

كورونا يمنع لقاء ليلى الأيزيدية بعائلتها

06 مايو 2020

بعد سنوات من خطفها على يد تنظيم داعش، تمكّنت الشابة الأيزيدية ليلى عيدو أخيراً من التواصل مع عائلتها في العراق. وحين بات لمّ شملهم وشيكاً، عرقل وباء كورونا اللقاء المنتظر.

على غرار أيزيديات كثيرات، خرجت ليلى (17 عاماً) العام الماضي من بلدة الباغوز (شرق سوريا) حيث خاضت قوات سوريا الديموقراطية آخر معاركها ضد التنظيم وأعلنت دحره في آذار/ مارس 2019.

وبقيت منذ ذاك الحين داخل مخيم الهول الذي يؤوي عشرات الآلاف من النازحين وأفراد عائلات مقاتلي التنظيم المتطرف.

وتمكّنت الشابة التي كانت في الحادية عشرة من عمرها حين خطفها التنظيم مع شقيقتها عام 2014 مع الآلاف من الأقلية الأيزيدية في شمال العراق، من التواصل تدريجياً مع أهلها بعيداً عن أعين النساء المتشددات في المخيم.

وفي مطلع نيسان/أبريل، أي بعد عام من وجودها في الهول، علمت القوات الكردية في المخيم بهوية ليلى الأيزيدية، فسلّمتها إلى "البيت الأيزيدي"، وهي منظمة في شمال شرق سوريا تُعنى بإعادة المخطوفات الأيزيديات إلى عائلاتهن.

وتروي ليلى بخجل "حين تحدثت مع أهلي، طلبوا مني العودة إلى البيت وقالوا لي إنهم بانتظاري، لكن أتى فيروس كورونا وأُغلق الطريق"، في إشارة إلى المعبر الحدودي مع العراق الذي أُقفل من الجانبين في إطار تدابير التصدي للوباء.

وتقول الفتاة التي تقيم حالياً لدى عائلة أحد مسؤولي "البيت الأيزيدي" في قرية كمر في ريف الحسكة الشمالي، "شعرت أنني قليلة الحظ، فأنا مررت بأحداث صعبة وعشت تحت القصف وخفت من الموت في الباغوز، ليأتي اليوم المرض ويمنعني من رؤية أهلي".

وتضيف "أعدّ الأيام للعودة إليهم".

جهود لاستثنائها

في العراق، يتولّى مكتب المجلس الأعلى الأيزيدي لمّ شمل العائلات.

ويقول علي خدر، أحد المسؤولين في المجلس، "ليس بيدنا شيء، الحدود مقفلة من الجهتين بسبب الوباء".

لكن محاولات بعض السياسيين الأيزيديين للمساعدة في إنجاح ليلى من اللقاء بأهلها جارية.

وفي تصريح لموقع (ارفع صوتك)، تقول السياسية الأيزيدية والنائبة السابقة فيان دخيل، أن هناك تحرك للحصول على "استثناء إنساني من الحكومة العراقية لأجل دخول ليلى إلى العراق".

الموضوع قد يحتاج إلى وقت، "وليس معلوما طويلا أم قصيرا بسبب الوضع الحالي للحكومة في بغداد"، بين مقالة وأخرى قيد التصويت، بحسب دخيل.

"عادات مختلفة"

وليلى واحدة من آلاف الفتيات والنساء الأيزيديات اللواتي خطفهن تنظيم داعش عام 2014، خلال هجومه على منطقة سنجار.

ووقعت الأيزيديات ضحايا انتهاكات جسيمة كالاغتصاب والخطف والسبي.

ورغم تشوّقها لرؤية أهلها الذين بقيت صورهم عالقة في ذاكرتها، تبدي ليلى قلقا كونها نشأت على تعاليم التنظيم المتطرف ما أنساها معتقداتها كافة.

وتقول "أخاف أن أجد صعوبة في التأقلم مع أهلي لأنني تركتهم وأنا صغيرة، عشت مع غرباء ونشأت على عادات مختلفة".

وعلى هامش المعارك بين المقاتلين الأكراد والتنظيم المتشدد، تحرّرت عشرات الفتيات الأيزيديات من قبضة الجهاديين، إلا أن كثيرات لا زلن مفقودات.

وبين اللواتي تمّ إنقاذهن من يخشين الكشف عن انتمائهن خصوصاً اللواتي خُطفن في عمر مبكر ولم يعرفن سوى الحياة في كنف التنظيم.

وتمضي ليلى يومياتها مع ابنتي العائلة التي تقيم لديها وتتواصل مع أهلها عبر الهاتف.

داخل غرفة علقت فيها أيقونة أيزيدية وصوراً لطائر الطاووس، أحد رموز الديانة الأيزيدية، تروي ليلى كيف تزوّجت قبل سنوات من أحد مقاتلي التنظيم ويُدعى أبو مصعب العراقي، وكان عمره 21 عاماً.

وانتقلت معه من منطقة إلى أخرى تحت سيطرة التنظيم، قبل أن تستقر في الباغوز حيث قُتل الزوج جراء قصف جوي.

وفي مخيم الهول، ووسط آلاف النساء من عائلات عناصر داعش ومنهنّ من يتمسكن بتعاليم التنظيم ويحاولن تطبيقها، لم تظن ليلى أن بإمكانها العودة إلى أهلها.

وكانت تعتقد أنهم قتلوا. وخوفا على حياتها في المخيم، قرّرت وصديقتها التكتّم على انتمائهما.

وتقول الشابة الأيزيدية "كنا نخاف أن يحرقن خيمنا إذا أفصحنا عن أننا أيزيديات"، إلا أنّ صديقتها قررت مغادرة المخيم قبلها، وساهمت في حصول أتصال أول بين ليلى وأهلها.

وتضيف ليلى أن صديقتها أرسلت حسابها على "فيسبوك" الى عائلتها القاطنة حالياً في مخيم للنازحين في منطقة دهوك، فكان أول اتصال بين الطرفين بعد طول انقطاع.

حياة أفضل

وتقلّب ليلى على هاتف نقال صور أيزيديات خرجن من تحت سلطة التنظيم وعُدن إلى عائلاتهن، في محاولة لتطمئن نفسها بأنها ستتمكن من التأقلم وبدء حياة جديدة.

وتقول "طيلة السنوات الماضية رافقتني الذكريات. في البدء كنت أفكر دائماً بأهلي وأبكي كثيراً"، خصوصاً بعدما فُرّقت عن شقيقتها نوهات.

وتضيف "ثمّ تأقلمت مع الوضع.. حملت اسماً آخر هو زينب ودخلت دين الإسلام، ارتديت النقاب منذ صغري، وكان من الصعب عليّ التخلي عنه". لكنها خلعته فور خروجها من المخيم.

اليوم، لم تعد ليلى تفهم جيداً اللغة الكردية التي يتحدثها الأيزيديون أيضاً، لكنّها تعلّمت اللغتين التركمانية والعربية.

وأدى ذلك إلى ترددها في حسم قرار العودة إلى أهلها أو البقاء في المخيم.

وتقول الفتاة التي ترتدي سروال جينز وكنزة من الصوف "أحب اسم ليلى كثيراً، أتذكر أنني بكيت كثيراً حين سمعت صوت أهلي على الهاتف".

وتضيف "أتحدث معهم يومياً ونتبادل الصور.. أتمنى أن أعود إليهم وأعيش حياتي بشكل أفضل من دون طائرات وقصف وحرب".
 

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.