العراق

كيف ودع العراقيون عبد المهدي؟

08 مايو 2020

في مقر مجلس الوزراء العراقي، جرت مراسيم تسليم الوزارة من الحكومة المستقيلة برئاسة عادل عبد المهدي إلى الجديدة برئاسة مصطفى الكاظمي.

في قاعة الاجتماع التي ضمت لقاء للحكومتين، انتهى اللقاء بتبادل حقائب جلدية، في رمزية إلى تسليم مسؤولية الوزارات من وزرائها السابقين إلى الجدد.

كانت هذه العملية مثار انتقاد شعبي على مواقع التواصل الاجتماعي، بسبب تبادل الجميع لحقيبة واحدة، تميزت بوجود الملصق التجاري الذي نست تشريفات المجلس رفعه عن الحقيبة.

 

على صعيد ردود فعل الشارع العراقي في مواقع التواصل لتوديع عبد المهدي منصبه، كانت لتركة المستقيل مع المتظاهرين، مئات القتلى وآلاف الجرحى، الحضور الأساسي في المدونات والمنشورات، وطالب بعضهم بمحاكمة عبد المهدي على تلك التركة.


على الأرض، خرج عبد المهدي حاملاً وزر عهد انتهى دامياً بمقتل متظاهرين، وعملية اغتيال أجّجت التوتر في المنطقة.

تسلم عبد المهدي (77 عاما) منصبه في تشرين الأول/ أكتوبر 2018، وفي كانون الأول/ديسمبر 2019، ترك منصبه ليصبح أول رئيس حكومة يترك منصبه قبل نهاية ولايته، في عراق ما بعد العام 2003.

وكان من المؤمل أن يكون جسراً بين قوى عدة، بسبب انتماءاته السياسية المتعددة أثناء فترة معارضته للنظام السابق.

لكنه استقال تحت ضغط المتظاهرين الذين يربطونه بفضيحة عمرها عشر سنوات، متهمين أعضاء من فريق حمياته بارتكاب جريمة سطو مسلح على أحد مصارف بغداد، وكان يلقب عبد المهدي باسم ذلك المصرف.

 

ووصفه منتقدوه، بالحلقة الأضعف في وجه الأحزاب والمليشيات التي كانت تحاول تشديد قبضتها على دولة ينخرها الفساد والمحسوبية.

ويقول أحد كبار المسؤولين الذين عملوا لفترة طويلة مع عبد المهدي "إنه يحب الإجماع ويكره اتخاذ قرارات جذرية".

لكن في مواجهة عشرات آلاف المتظاهرين الذين خرجوا إلى الشوارع، "كان مقتنعا بأن عليه أن يقاتل ضد انقلاب".

ويضيف المسؤول في حديث لوكالة الصحافة الفرنسية، "كان (عبد المهدي) يعلم بأنه لا يستطيع أن يكون ثورياً" وتمسك بحلفائه السياسيين لأن ليس لديه أي حزب أو دعم شعبي.

البحث عن السلطة

عبد المهدي درس الاقتصاد وولد لعائلة شيعية في بغداد تمتد جذورها إلى محافظة ذي قار.

عرف على يد والده الذي كان وزيرا في عهد الملكية التي سقطت عام 1958 في العراق.

انضم في بداياته إلى حزب البعث، وبعد ذلك، صار معارضاً لنظام صدام.

وانتقل ببداية مرحلة المعارضة إلى صفوف الشيوعيين، ثم انتقل إلى جبهة الإسلاميين، في منفاه بين سوريا ولبنان.

وصار عبد المهدي قياديا بارزا في المجلس الأعلى الإسلامي العراقي، وهي حركة أسسها محمد باقر الحكيم، وكان حينها رفيقاً لزعيم منظمة "بدر" هادي العامري.

بعد ذلك انسحب عبد المهدي من التشكيلات السياسية، وقدم نفسه كمستقل.

ويقول أحد المسؤولين السابقين طالباً عدم كشف هويته إن تلك التنقلات الكثيرة في السياسة "تقول إن عبد المهدي يريد شيئاً واحداً فقط: السلطة".

وبعد استقالته، بقي عبد المهدي رئيس حكومة تصريف أعمال لأكثر من خمسة أشهر، مع فشل شخصيتين قبل رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي، بتشكيل حكومة.

بعد عام 2003

بدأ مشوار عبد المهدي في السياسة العراقية كعضو في مجلس الحكم الموقت الذي شكلته القيادة العسكرية الأميركية بعد العام 2003.

ثم اختير لفترة وجيزة وزيرا للمالية في الحكومة الانتقالية، قبل أن يصبح نائبا لرئيس الجمهورية بعد أول انتخابات في العراق عام 2005.

وفي عام 2014، عين وزيرا للنفط في حكومة رئيس الوزراء آنذاك حيدر العبادي، لكنه استقال من المنصب بعد عامين.

وانتقد المدونون فترة حكم عبد المهدي، لأنها كانت من أكثر الفترات انتشارا للسلاح خارج سلطة الدولة.

كما انها أودت بالبلاد إلى أزمة اقتصادية ومالية وسياسية.

وكان آخر قرار لعبد المهدي هو إيقاف صرف رواتب المتقاعدين، اتخذه قبل ساعات من تركه لمنصبه.

 

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.