العراق

إذا كنت بلا عمل .. فأهلا بك في عالم التحليل السياسي

علي قيس
11 مايو 2020

في صيف 2015، كنت واقفا قرب استوديو الضيوف بالمؤسسة الإعلامية التي أعمل بها في ذلك الوقت، حضر عند وقت النشرة الرئيسية ضيفها من بغداد المحلل السياسي (دون ذكر أسماء)، ومعه شخص يرتدي بدلة بسيطة مع ربطة عنق أبسط، ويبدو من ألوانها انه لم يعتد لبس البدل الرسمية بعد.
بعد التعارف، حاول استعراض خبرته في السياسة، وعندما واجهته برأيي المخالف سرعان ما تراجع ورد عليّ "هل ترى ذلك؟ أتمنى أن تساعدني فأنا أريد أن أكون محللا سياسيا، وأتيت مع الضيف لأتعلم كيف يعمل ويحلل المحللون السياسيون".
بعد سؤالي للضيف الذي خرج من استضافة النشرة عن طالب التحليل السياسي الذي قدم معه، قال لي إنّه "عسكري سابق من أقاربي وليس لديه عمل حاليا، قلت له تعلم التحليل السياسي ومهما كان المبلغ الذي ستحصل عليه فهو أفضل من جلوسك في المنزل".
أدركت حينها أن التحليل أصبح مهنة وليست خبرة، خصوصا وأنا أشاهد طالب التحليل ذلك وقد أصبح محللا يخرج على شاشات عديدة، بينها عربية وليست محلية فقط، آراؤه بسيطة ويتحكم بها المذيع، والشيء الوحيد الذي اختلف لدى ذلك الطالب هو لون شعره المزروع حديثا في تركيا ولون بدلته الرسمية.
وهذا قطعا لا ينطبق على الجميع، وهو ما اتفق معي فيه المتحدثون في هذا المقال.

عندما يكون التحليل تطرف

ما دفعني لكتابة هذا المقال، الذي قد يزعج الكثير من أصدقائي المحللين، هو مشاهدتي لأشخاص (يدّعون الحكمة السياسية) يدعون لمعاقبة مكون كامل على أساس الطائفة، أو لإبادة مناطقهم.
ومحلل آخر يتلوّن وفق سياسة القناة التي تستضيفه، فأحيانا يدعو لضرب وقتل المحتجين، وأخرى يعطي لهم حق الاحتجاج والتظاهر لعدم توفر سبل العيش الكريم وفرص العمل (.....).
ويبدو أن هذا لم يكن رصدي فقط، فعلى المستوى الأكاديمي يؤكد رئيس مركز التفكير السياسي وأستاذ العلوم السياسية إحسان الشمري ما ورد أعلاه، ويقول "هذا الموضوع أصبح خطيرا، خصوصا إذا ما أدركنا أن بعضهم أصبح أداة بيد أحزاب وتوجهات وحتى أطراف لدول خارجية، لتمرير بعض القناعات إلى الرأي العام العراقي".
ويضيف الشمري في حديث لموقع (ارفع صوتك) أن خطورة دورهم لا تختلف عن خطورة مواقع التواصل الاجتماعي، فـ"الاثنان لديهم دور مهم في التأثير على الرأي العام ويمكن أن يغيرا القناعات".

مهنة لا مهنة له

لكن يبدو أن الشارع بدأ يميز بين شخصيات المحللين، "فمن يحرض ضد طرف معين هذا ليس محللا بل مسوقا لأفكار تلك الجهة، لذلك الرأي العام العراقي بدأ يميز بأن هذا الشخص هو تابع" وفقا للشمري.
ويؤيد الكاتب الصحفي حسن حامد سرداح ما ورد، ويضيف أنه في الفترة الأخيرة "أصبح التحليل مهنة لا مهنة له، فالكثير من الجهات السياسية توظف أشخاص دورهم إيصال رأيها وموقفها ويدافعون عن ذلك الموقف أو الرأي".
ويعمل سرداح معدا للبرامج السياسية في إحدى القنوات العراقية، ويقول في حديث لموقع (ارفع صوتك)، إن معظم هذه الشخصيات "تحلل الأمور بدون أي معلومات يرتكز عليها وتطرح مواضيع بعيدة عن الواقع، قد تكون مدفوعة الثمن من أطراف سياسية وحزبية لنقل رأيها إلى الشارع".
وهذا الأمر بدأ يزداد بعد أن فقد الشارع العراقي ثقته بتلك الأحزاب لذلك توجهت لتوظيف "مروجين بصفة مستقلين، فهذه أسهل وأسرع طريق للقوى السياسية لتسقيط خصومهم أو للتحريض ضدهم"، بحسب سرداح.

خلايا التحليل

وبرزت هذه الظاهرة بشكل واضح جدا وفقا للمتحدثين السابقين في مرحلة التظاهرات وبدأت تحرض على ضرب المتظاهرين وتصفهم بالجوكرية أو العملاء.
وكشف مصدر طلب عدم ذكر اسمه، أن هناك مجاميع من المحللين تعود إلى القوى السياسية المسلحة التي تسمي نفسها "محور المقاومة"، وهي الجهات السياسية الممثلة للمليشيات.
وتقسم تلك المجاميع إلى خلايا منها "خلية المهندس والاتحاد الإسلامي".
ويقول المصدر إنه "بشكل مفاجئ ظهرت تلك الشخصيات وفرضت على القنوات، وهددوا الأخيرة بالإغلاق أو الاقتحام، في حال عدم ظهورهم".

مؤهلات التحليل

ويرى رئيس مركز التفكير السياسي، أن من المحلل يجب أن يمتلك جملة مقومات، أبرزها:
- يمتلك القدرة على تفكيك المواقف والأخبار.
- أن يتبع هذا التفكيك استشراف لما يمكن أن يحدث مستقبلا.
- أن يستند إلى قاعدة معلومات.
- أن يكون قريبا من المعلومة وليس من الأحزاب، فبعض القوى والأحزاب السياسية والزعامات تطلق معلومات غير دقيقة وبالتالي يسقط الكثير من المحللين في عملية ترديد هذه المعلومات وهذا خطأ كبير.
- أن يكون من ذوي الاختصاص أو قريبا منه، يبني التحليل على أساس الأكاديمية العلمية ومنهج البحث العلمي السياسي.
- بالإضافة إلى الصفات الشخصية، كالمصداقية والمقبولية والكاريزما.
لكن على أرض الواقع، فإن الصحفي سرداح يرى أن المعيار الأساسي في البحث عن محلل سياسي بدأ يعتمد على "اختيار شخصية تردد كلمات تثير الرأي العام أو الرأي المقابل لتحقق البرامج السياسية أكبر عدد من المشاهدات".
ويتابع "في بعض الأحيان لا تبحث القناة عن المعلومة، بل عن تفاعل الشارع مع المحلل وعدد المشاهدات التي من الممكن أن يحققها".

بدعة في عالم الإعلام

"لا وجود لصفة أو مهنة تسمى المحلل السياسي"، أول ما تحدث به عميد كلية العلوم السياسية في جامعة النهرين عامر الفياض، موضحا في حديث لموقعنا، "ولو افترضنا وجود محلل فلا بد أن يكون عضو مركز بحثي أو نقابة الصحفيين، وعندما تعود إلى هذين المؤسستين لن تجد صفة محلل سياسي لذلك تعتبر هذه المهنة بدعة في عالم الإعلام".
ويوضح الفياض أنه ضمن إطار العلوم السياسية هناك مقررات وكتب متعددة تحمل عنوان محلل سياسي، تشير إلى أن من يريد أن يعمل في التحليل السياسي لابد وأن يتمتع بمواصفات أهمها أن "تكون مواقفه خالية من الانحياز، لأن دوره التحليل والتفسير وليس اتخاذ موقف".
ويرى الفياض أن مسؤولية من يحرض على العنف (من المحللين) تنصرف إلى صاحب الرأي نفسه، فهي "مسؤولية فردية".
ويتابع "مسألة انتحال صفة المحلل أو الكاتب أو المختص من الممكن تلمسها وملاحظتها، ومن يتحمل المسؤولية هو صاحب الشأن".
 

علي قيس

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.