العراق

سحب الحصانة البرلمانية: هل سيحقق الإصلاح في العراق؟

13 مايو 2020

فاتح مجلس القضاء الأعلى مجلس النواب العراقي برفع الحصانة عن عدد من النواب تمهيداً للتحقيق معهم بتهم فساد وقضايا نشر وغيرها.

وحسب الدستور العراقي يحظى عضو مجلس النواب بحصانة كاملة تمنع محاكمته قضائيا بأي شكل من الأشكال حتى يتم رفع الحصانة بقرار نيابي.

وينص الدستور العراقي في المادة (63)/ البند ( أ) على تمتع عضو مجلس النواب بالحصانة عما يدلي به (من آراء في اثناء دورة الانعقاد) ولا يتعرض للمقاضاة أمام المحاكم بشأن هذه الآراء.

كما ينص البند الثاني من المادة (63) في الدستور العراقي أن النائب لا يُعفى من العقوبة في حال ارتكابه جريمة، وتضمن آلية "أمر القبض على النائب" الصادر من القاضي المختص عند ارتكابه أي جريمة أو فعل يعاقب عليه القانون.

كما ينص الدستور في المادة (63)/ البند (ج) على وجوب إلقاء القبض على النائب من قبل الأجهزة الأمنية إذا ضبط بالجرم المشهود دون أخذ موافقة مجلس النواب.

جهات متنفذة

وفي حال موافقة مجلس النواب سيتم رفع الحصانة عن 18 نائبا، تم توجيه اتهامات بعضها موثق بتصريحات إعلامية أو مقاطع تصويرية.

"ولسنوات، تسبب قانون الحصانة البرلمانية في أزمات عدة لأنه يمنع القضاء من اتخاذ أية إجراءات قانونية"، يقول الخبير القانوني مهند حسوني لـ "ارفع صوتك".

ويتابع "قد تكون الموافقة على قانون رفع الحصانة مصدراً للشعور بالعدالة عند العراقيين، حيث أن الكثير منهم يشكك بإمكانية محاسبة المسؤول".

ويرى حسوني أن رفع الحصانة عن عدد من النواب "خطوة أساسية نحو التغيير والإصلاح رغم احتمالية مواجهتها لتحديات صعبة". 

ويعلل ذلك بالقول "لأن البعض من النواب تساندهم جهات متنفذة قد تقوم بالضغط على القضاء أو مجلس النواب لإفشال مهمة رفع الحصانة".

ويقول حسوني إن "للقضاء العراقي ولجان البرلمان التحقيقية مئات الملفات المرفوعة طيلة السنوات الماضية على خلفية دعاوى، بتهم موجهة لبعض أعضاء البرلمان ومسؤولين في الحكومة، لارتكابهم مخالفات وجرائم، دون أن تصدر أي كشوفات عن تفاصيل تلك التحقيقات، وربّما لم يتم التحقيق معهم من الأساس".

محاسبة المخالف

وتحظى مسألة محاسبة المسؤول بعد رفع الحصانة عنه بدعم كبير من العراقيين، خاصة الذين شاركوا في تظاهرات أكتوبر 2019.

في هذا السياق، يرى الناشط الحقوقي باسم حسين أن "الكثير من العراقيين يرفضون قانون الحصانة البرلمانية لأنهم على يقين بأنه السبب وراء عدم قدرة القضاء على محاسبة المخالف للقانون أو مساءلته".

ويُحّمل قانون الحصانة البرلمانية ما تعرض له المتظاهرين من اعتقالات واختطاف وقتل وغيرذلك من جرائم عنف مقابل إنهاء الاحتجاجات بغية البقاء في السلطة.

ويقول باسم "الأمر لا يتوقف عند التظاهرات فحسب، بل إن الكثير من دوامات العنف والصراعات الطائفية خلال السنوات الماضية في البلاد، كلها بفعل السياسيين لتحقيق مكاسبهم أو لتقوية تحالفاتهم".

اللجان التحقيقية

من جهته، يبدي رجل القانون سلام خليل استغرابه من كمية "اللامبالاة" التي يحملّها القضاء العراقي خاصة عندما يظهر النائب أو السياسي على شاشة التلفاز أو عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، وهو يتفاخر بتصريحات وأدلة تدين هذا وتوجه الاتهام لذاك دون أي تعليق أو سلوك قانوني يذكر من جانب القضاء. 

ويقول لـ "ارفع صوتك" إن "العراقيين ملّوا من اللجان التحقيقية التي غالباً ما تقوم بتسويف التهم الموجهة لبعض أعضاء البرلمان أو السياسيين بحجة قانون الحصانة البرلمانية".

ورغم ترحيب سلام بقانون رفع "الحصانة البرلمانية" إلاّ أنه يخشى  أن تتم مساعدة المتهم أو المرتكب لجرائم على الفرار أو التملص من الحكم.

ويختم حديثه قائلاً "نحن بحاجة إلى الوضوح في تنفيذ مثل هكذا قرارات، وأن تجري المحاكمات بشكل علني لا بسرية، كي نتمكن من الوثوق بمساعي الحكومة الجديدة في الإصلاح والتغيير".

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.