العراق

هل عبد المهدي مطلوب للقانون؟

علي قيس
13 مايو 2020

بين أولى القرارات التي اتخذها رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي عقب توليه المنصب رسميا بعد تصويت مجلس النواب على حكومته، هو إطلاق سراح جميع المتظاهرين المعتقلين ممن لم يتورطوا بجرائم.

وتعهد الكاظمي بمعاقبة قتلة المتظاهرين، وهذا يشمل من ساهم وساعد ووجه وأعطى أوامر القتل، بالمحصلة هل يتحمل رئيس الحكومة المستقيل عادل عبد المهدي المسؤولية بصفته القائد العام للقوات المسلحة؟

يلفت الخبير القانوني علي التميمي إلى أن القانون العراقي وضح موضوع مسؤولية القائد العام للقوات المسلحة عن مثل تلك الجرائم بعدة مواد، منها:

- المادة ٢٤ من قانون العقوبات العسكري يكون الآمر مسؤولا عن الجريمة ويعد شريكا وإن لم يعطي الأوامر بالقتل.

- في المادة ٥٢ من قانون قوى الأمن الداخلي وحتى في قانون العقوبات العراقي حاسبت المادة ٤٨ و٤٩ على التحريض والتوجيه والمساعدة ويتساءل القادة عن القتل العمد وإحداث العاهات والأضرار الجسدية.

أما على صعيد القانون الدولي، فأن المواد ٦ و٧ و٢٨ من قانون المحكمة الجزائية الدولية عاقبت القادة على الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية حتى وإن لم يعطوا الأوامر لأن "واجبهم يحتم عليهم العلم".

وفي مثل هذه الحالات عاقب القانون الدولي بعض الشخصيات، من بينهم الرئيس اليوغزلافي ميلازفش، الذي حكمته هذه المحكمة ٦٠ سنة، وكذلك ما حكمت به المحكمة الجنائية في القاهرة على حسني مبارك لنفس الأمر وقتل المتظاهرين.

ويشير التميمي إلى أن هذه الجرائم "لا تسقط بالتقادم أو مضي المدة"، كما حصل في محاكمة الرئيس التشيلي بعد أن تقاعد وهو على كرسي متحرك.

مجازر أسلحة الصيد، إبادة جماعية

عرفت اتفاقية منع الإبادة الجماعية لعام ١٩٤٨، الإبادة الجماعية بأنها "استهداف طائفة او فئة بشكل يخالف القانون الدولي والإعلان العالمي لحقوق الإنسان"، والعراق هو من بين الدول التي وقعت على هذه الاتفاقية.

لذلك يدرج فعل ضرب المتظاهرين بأسلحة الصيد والقنص والسكاكين ضمن جرائم الإبادة الجماعية، كما يدرج هذا الاعتداء الذي طال المتظاهرين في بغداد والناصرية وكربلاء والنجف في القانون ضمن جرائم الإرهاب، وفق القانون العراقي وتعريف الإرهاب.

ويوضح الخبير القانوني أنه كون الحكومة كانت "حكومة تصريف أعمال لا يعفيها من مسؤولياتها، لأن الأمن العام من أول واجبات هذه الحكومة ومسؤوليتها داخليا وخارجيا".

ويتابع "وفق المواد ٤٠٦ من قانون العقوبات القتل العمد والمادة ٤١٢ الخاصة بأحداث العاهة، وخارجيا وفق المواد ٦ و٧ من قانون المحكمة الجنائية الدولية، فأن الحكومة تساءل أمام القضاء".

وهذه الجرائم "لا تسقط بالتقادم أو مضي المدة وفق اتفاقية منع التقادم في جرائم الإبادة فيمكن تحريكها في أي وقت زمني قادم"، بحسب التميمي.

إنشاء محكمة متخصصة

وقد يتطلب موضوع محاسبة قتلة المتظاهرين إنشاء "محكمة متخصصة"، بسبب خصوصية الجرائم والفاعلين، على حد قول الخبير التميمي.

ويكون إنشاء هذه المحكمة بقرار من مجلس القضاء الأعلى بالتشاور مع السلطة التنفيذية والادعاء العام وحتى البرلمان.

ومن الممكن أن تكون محكمة جنايات مركزية في بغداد وتحال لها الدعاوى من محاكم التحقيق في المحافظات.

ويرى التميمي أن إنشاء هذه المحكمة "سيشكل أساسا لمحاكمات دولية تطال مزدوجي الجنسية الذين يهربون إلى دولهم الأجنبية، والتنسيق مع الشرطة الدولية عن طريق الادعاء العام لاسترجاعهم".

وسقط أكثر من 700 قتيل وأصيب الآلاف من المتظاهرين، بينهم المئات ممن أصبحوا معاقين بسبب استهدافهم في ساحات التظاهر، منذ انطلاق الاحتجاجات المناهضة لحكومة عبد المهدي، على أيدي عناصر مسلحة مجهولة، يرتدون في معظم الحالات زي القوات الأمنية الرسمي.

ويتهم المتظاهرون عناصر مليشيات بتلك الجرائم.

فيما اتهمت حكومة عبد المهدي جهات مجهولة بالقيام بتلك الجرائم، وأعلنت فتح تحقيقات لكن لم يقدم متهم واحد إلى القضاء حتى الآن.

علي قيس

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.