العراق

منذ بداية 2020.. تهجير أهالي 7 قرى كاكائية في العراق

دلشاد حسين
18 مايو 2020

زادت الهجمات المسلحة لتنظيم داعش في محافظات ديالى وصلاح الدين وكركوك ونينوى، ما جدّد مخاوف الأقليات الدينية والعرقية العراقية من اإادة سيناريو 2014.

ولم يهدأ الخط الممتد من مدينة خانقين شمال شرق محافظة ديالى مرورا بجنوب غرب كركوك وغرب صلاح الدين وصولاً إلى جنوب الموصل وأطراف سنجار في غربها، من الهجمات التي يشنها مسلحو التنظيم الإرهابي ضد القوات الأمنية العراقية، واستهداف الأقليات بالقتل وإحراق أراضيهم الزراعية وتهجيرهم من قراهم.

واستهدفت غالبية الهجمات التي شنها داعش في محافظة كركوك وقضاء خانقين، منذ بداية العام الحالي، أتباع الديانة الكاكائية الذين اضطروا إلى ترك قراهم، خوفاً من التعرض لعمليات إبادة جماعية.

يقول رجب عاصي كاكائي رئيس منظمة "ميثرا للتنمية والثقافة اليارسانية" لـ "ارفع صوتك": "نواجه خطرا أكبر من السابق لأن هوية قسم من مسلحي داعش باتت مكشوفة لنا، وهم من بقايا حزب البعث الذين انتموا لتنظيم داعش ثم دخلوا صفوف المليشيات الخارجة عن الدولة، وهم الذين ينفذون العمليات الإرهابية ضدنا ليلاً".

ويشير كاكائي إلى أن أتباع الديانة الكاكائية يواجهون حالياً مشكلة تهجيرهم من مناطقهم، مضيفاً "حملة التهجير هذه امتداد لمشروع التغيير الديمغرافي الذي يستهدف مناطقنا".

ويؤكد أن سكان سبع قرى كاكائية هجّروا منها منذ بداية 2020، على يد داعش والجماعات المسلحة المتشددة بواقع قريتين في قضاء خانقين وخمس قرى في قضاء داقوق جنوب غرب كركوك، ولا تزال عمليات التهجير مستمرة.

كما تعرضت مقابر الكاكائيين في محافظتي نينوى وكركوك نهاية مارس الماضي للتدمير على يد مجهولين، يقول كاكائي "عمليات التدمير التي طالت مقابرنا هدفها مسح آثارنا، والقول إن لا جذور تربطنا بهذه الأرض".

وعبر "ارفع صوتك"، طالب كاكائي بـ"سيادة القانون لحل المشكلات التي يواجهها الكاكائيون".

يقول "هناك إشكاليات قانونية الأفضل أن تحل في المحاكم لا في التوافقات السياسية بين الأحزاب، وليس بين حكومتي إقليم كردستان والاتحادية في العراق، كما أن مناطقنا تقع ضمن مناطق المادة 140 الدستورية، ويُفترض تواجد قوات مشتركة فيها، من الجيش العراقي والبيشمركة، ما قد يحل جزءا من مشكلاتنا".

الديانة الكاكائية

يعود تاريخ ظهور الكاكائية أو اليارسانية، إلى نحو أكثر من خمسة آلاف عام. وحسب المصادر التاريخية، فإنّ جذورها تمتد إلى الديانة الميثرائية، التي ظهرت بين الشعوب الهندو-أوروبية، وعن طريقهم انتشرت في غرب آسيا ومنها إلى كردستان.

وينقسم الكاكائيون بين إيران والعراق، حيث يبلغ عدد الكاكائيين في إقليم كردستان العراق نحو 250 ألف شخص، ونحو ثلاثة ملايين في المناطق الكردية الإيرانية.

أين الحكومة؟

ورغم إعلان الحكومة العراقية عن تحرير كافة الأراضي من تنظيم داعش نهاية عام 2017، إلا أن عمليات التنظيم عادت مجدداً إلى الواجهة في المناطق المحررة بعد مرور أشهر من الإعلان الحكومي.

يقول خضر دوملي، وهو باحث مختص في حل النزاعات وبناء السلام "لا يوجد أمام داعش خطوة أفضل من استهداف المكونات كي يلفت أنظار العالم له ويثبت وجوده".

ويضيف لـ"ارفع صوتك": "هناك ثلاثة مسارات لحل المشكلات الأمنية في المناطق المتنازع عليها، أولها التنسيق بين الأجهزة الأمنية الداخلية التابعة للحكومتين الاتحادية والإقليم، ما سيجعل عملية فرض الأمن أسهل وأسرع، وثانيها، تشكيل قوات محلية من هذه المناطق تمنح صلاحيات فرض الأمن على طول الخط الممتد من خانقين وصولا لسنجار من دون وجود مليشيات أو جماعات مسلحة،".

"أما الثالث فيتمثل بجديّة المجتمع الدولي في بسط الأمن والحفاظ على المكونات الدينية والقومية والمذهبية في العراق" يتابع دوملي.

ويشير إلى أن المسار الثالث يمكن ضمانه بـ" تمركز قوات التحالف المنسحبة من وسط وجنوب العراق في هذه المناطق، بحيث تدرّب الأهالي على الإدارة وتعزيز السلطة المحلية، لحين إيجاد آلية مشتركة للتعاون في هذا المجال بين بغداد وأربيل".

ويصف ما تعيشه المناطق حالياً بـ"الكارثة الحقيقية". يقول دوملي "70% من أهالي جنوب سنجار لم يعودوا إليها، وأكثر من 70%من المسيحيين والأيزيديين لم يعودوا إلى سهل نينوى، خاصة قضاء تلكيف وبلدة برطلة، وأكثر من 70% من الكاكائية لم يعودوا إلى جنوب شرق الموصل، فيما اختفى 90% من الكاكائية من داقوق وأطرافها".

في ذات السياق، يقول لويس مرقوس أيوب، وهو نائب رئيس منظمة "حمورابي لحقوق الإنسان": "لم تقدم الحكومة الاتحادية لنا شيئا يذكر للحفاظ على أرواحنا وكرامتنا لا أثناء النزوح ولا بعد التحرير".

"لذلك تيقنت المكونات الدينية جميعها وخصوصاً المسيحيين والأيزيديين أن الحكومة غير مكترثة لهم، ولن تكون جادة يوماً بحمايتهم، والدليل على ذلك تركهم المكونات لقمة سائغة من دون وازع وطني أو أخلاقي أو إنساني أو قانوني في مواجهة داعش كي يفترسهم وينهي وجودهم" يضيف أيوب لـ"ارفع صوتك".

وتشير إحصائيات منظمة "حمورابي" إلى أن أكثر من 50% ممن نزحوا من المسيحيين هاجروا خلال أقل من ثلاث سنوات، ومثلهم المكون الأيزيدي، حيث هُجّر أكثر من 100 ألف منهم".

ويتابع أيوب "مخاوف المكونات الدينية لا تزال قائمة، بسبب تنامي وبقاء الفكر الإرهابي الداعشي من دون وجود رؤية حكومية لمعالجته".

دلشاد حسين

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.