العراق

عُرف العشيرة يقتل شقيقتين عراقيتين.. من يُحاسب المجرمين؟

رحمة حجة
19 مايو 2020

جريمة جديدة بحق النساء تثير الرأي العام العراقي، لكن بشكل أقل ممّا حصل في قضية انتحار الشابة ملاك حيدر الزبيدي نتيجة العنف المنزلي. 

أما الضحية، فهما شقيقتان من الناصرية في محافظة ذي قار، إحداهما 14 عاماً فيما ذكرت منظمة "حقوق المرأة العراقية" أن عمرها 12 عاماً، والثانية 17 عاماً.

وأكدت مصادر مختلفة من ذي قار وخارجها، أن الفتاتين قتلتا ذبحاً بالسكين.

القصّة المتداولة

نشرت جريدة الناصرية الإلكترونية خبراً يفيد بمقتل "فتاتين رمياً بالرصاص في قرية البوطبر في ناحية البطحاء غرب مدينة الناصرية" حسب تأكيد مصدر طبي في دائرة صحة ذي قار، السبت الماضي.

وذكر المصدر، أن الفتاتين وهما شقيقتان "قتلتا غسلاً للعار".

وقال مصدر من الناصرية لـ"ارفع صوتك" إن "الفتاتين من منطقة البطحاء في الناصرية، الصغرى عمرها 14 سنة، كانت على علاقة بابن عمّها، فأخبرها أنه يريد لقاءها كي يعطيها موبايل، فأخبرت أختها الكبرى لتذهب معها، وحين ذهبتا للقائه من دون علم ذويهما، اتصل الشاب بالعائلة وأخبرها بالأمر، كنوع من الانتقام بسبب مشكلة قديمة". 

أما القصة التي نشرتها منظمة "حقوق المرأة العراقية" فهي أن "الفتاتين من قضاء البطحاء، وهما من مجتمع مغلق حتى أنهما لم تذهبا للمدرسة، وتم استدراج الصغرى من قبل قريب لهما لديه عداوة مع الأهل، فقام بإقناعها بالهروب من المنزل، وبسبب خوف الأخت الكبرى أخذت معها ذهباً ونقوداً، وحين التقين بالشاب أخذهما لمحافظة كركوك وسرق منهما المال والذهب وتركهما هناك لا يعرفن أحداً".

وتابعت المنظمة عبر صفحتها في فيسبوك "حين عثرت الشرطة عليهما، كانت عائلتهما وهي من العشائر تبحث عنهما في نفس الوقت، فقامت الشرطة بتسليم الفتاتين لمركز الثورة بالناصرية، الذي سلّمهما للعائلة مع تعهّد بعدم قتلهما".

"حتى أن بعض العناصر من الحشد الشعبي ناشدوا العائلة بعدم قتلهما وعرضوا الزواج منهما، كما توسط شخص برتبة عسكرية بألا يقتلوهما، خصوصاً الفتاة الصغرى" وفق المنظمة.

وفي ليلة 15 مايو قامت العائلة بأخذ الفتاتين إلى الصحراء غير آبهين بتوسلاتهما،  وقاموا بذبحهما بدعوى "غسل العار".

الروايات المنتشرة متقاربة نوعاً ما، لكن يبدو بسبب التعتيم وسطوة العشائرية في جنوب العراق، لم تصدر أي رواية من جهات رسمية أمنية أو صحيّة رواية رسمية لغاية الآن.

وكانت الناشطة العراقية حفصة عامر نشرت على حسابها في تويتر، رواية أخرى، قالت لـ"ارفع صوتك" إنها حصلت عليها من مصادر موثوقة في الناصرية، تفيد بأن الفتاة الصغرى عمرها 17 عاما بينما الكبرى 20 عاماً.

وكتبت حفصة "جريمة شرف جديدة في الناصرية، البنات كانوا يعانون من العنف الأسري استغلهم شخص مادياً وأخذهم إلى كركوك، الأخت الكبيرة أخذت معها الأخت الصغرى حتى تخلص نفسها وأختها من تعنيف أهلهم لكنهم فجأة وجدوا أنفسهم بالشارع بعد ما الولد سرق منهم النقود والذهب".

وقالت لـ"ارفع صوتك" إن الشرطة المجتمعية هي من سلم الفتاتين لعائلتهما، ويُعرف أن قائد الشرطة شيخ عشيرة في محافظة ذي قار.

 

غضب في مواقع التواصل

منذ شهر تقريباً، وحملة يومية في صفحات عراقية عبر مواقع التواصل، خصوصاً تويتر، تطالب بتشريع قانون مكافحة العنف الأسري، باستخدام هاشتاغ "#تشريع_قانون_العنف_الأسري" مرفقاً برقم اليوم من الحملة.

 

 

 

وكانت لجنة المرأة والأسرة النيابية، طالبت في وقت سابق، بالإسراع في إقرار قانون مكافحة العنف الأسري لحماية المرأة ومنع ما تتعرض لها من أعمال عنف.

وقالت اللجنة، في بيان لها إنها "باعتبارها ممثلة عن شريحة المرأة وجزءا من واجبها الرقابي والقانوني والمهني، تطالب الرئاسات الثلاثة والحكومة والمنظمات الدولية والنسوية إلى تبني حملة وطنية واسعة وفعالة لمنع العنف الأسري ضد المرأة باعتبارها نصف المجتمع وتتحمل مسؤوليات وضغوط كبيرة في مختلف شؤون الحياة والأسرة".

ونبهت إلى أن "الإجراءات التي اتخذتها خلية الأزمة في فرض حظر التجوال ألقت بظلالها على المرأة وحماية أسرتها من خطر الإصابة بالوباء سواء كانت زوجة أو أم أو أخت أو بنت".

في ذات السياق، كانت منظمة "هيومن رايتس ووتش" حذرت من عدم الإسراع في إقرار مشروع القانون المذكور أعلاه، وهو ما يزيد من انتشار جرائم العنف ضد النساء خصوصاً.

وجاء في تقرير المنظمة الدولية "يُجرّم قانون العقوبات العراقي، الذي يسري في كل من الأراضي الخاضعة لسيطرة بغداد وإقليم كردستان، الاعتداء الجسدي، لكنه لا يذكر العنف الأسري صراحة. بل على العكس، تمنح المادة 41 (1) للزوج حقا قانونيا في (تأديب) زوجته، وحقا للوالدين في تأديب أبنائهم (في حدود ما هو مقرر ... قانونا أو عرفا)".

كما ينص قانون العقوبات على "عقوبات مخففة على الأفعال العنيفة، بما في ذلك القتل، بسبب (بواعث شريفة)، أو إذا ما وجد الرجل زوجته أو إحدى قريباته متلبسة بالزنا في علاقة جنسية خارج إطار الزواج" وفق نص القانون.

وتعثرت الجهود البرلمانية العراقية لتمرير مشروع قانون مناهض للعنف الأسري طوال 2019 و2020. تقول وحدة الجميلي، عضوة لجنة حقوق الإنسان في البرلمان، لـ "هيومن رايتس" إن بعض النواب "اعترضوا على القانون لأنهم لا يعتقدون أنه ينبغي للدولة معاقبة جرائم الشرف أو عقاب الوالدين الجسدي لأطفالهم".

وتتضمن نسخة 2019 من مسودة قانون مناهضة العنف الأسري أحكاما بشأن الخدمات المقدمة إلى ضحايا العنف الأسري، وقرارات لحماية (أوامر تقييد)، وعقوبات على خرقها، وإنشاء لجنة مشتركة بين الوزارات لمكافحة العنف الأسري. مع ذلك، يحتوي مشروع القانون على عدة ثغرات وأحكام قد تقوّض فعاليته.

تتمثل إحدى المشاكل الرئيسية في أن مشروع القانون يعطي الأولوية للمصالحة على حساب الحماية وتحقيق العدالة للضحايا. ونادراً ما يقدم ضحايا العنف الأسري في العراق شكاوى جنائية من خلال الشرطة. بدلا من ذلك، تلعب الشرطة المجتمعية دور الوسيط بدلا من دور إنفاذ القانون، وتركز على المصالحة بين الضحية والمعتدي بما يتماشى مع ممارسات المجتمع، وفق تقرير "هيومن رايتس".

هل هناك صمت عراقي؟

في اليومين الماضيين شهد العراق العديد من القضايا المثيرة للجدل، على الأرض أو في مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما دفع العديد من النشطاء للمقارنة بين تفاعل الشارع مع الأحداث غير المرتبطة بجرائم قتل النساء، ما اعتبروه نوعاً من التواطؤ والدفع نحو استمرارها.

 

 

 

رحمة حجة

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.