العراقيات وحرية "الكروبات" المغلقة: ممنوع دخول الرجال
شاركت فداء قاسم (32 عاماً) قبل أسابيع قليلة بتجمع نسوي على فيسبوك، وفي أغلب الأيام، كما تقول.
ومعظم اللاتي يظهرن في الفيديوهات المباشرة كن ينقلن للمشتركات الأفكار التي تأخذهن بعيداً عن حياة فُرضت عليهن بعد تفشي فيروس كورونا.
تابعت فداء قبل فترة فتيات يتحدثن عبر الفيديوهات المباشرة عن ظروف حياتهن الشخصية، وكيف أن بعضهن يشعرن بالملل والقلق بسبب العزلة.
تقول الشابة التي تعمل سكرتيرة في مصرف أهلي لـ"ارفع صوتك" إن "هذا (الكروب) أو التجمع نسوي ويمنع فيه دخول الرجال أو مشاركتهم، لذا استمدت المواضيع والأفكار التي تنشر بحرية كبيرة ودون تحفظ كل شيء يخص المرأة فقط".
ويبدو أن هذه التجمعات وغيرها تقودها شابات وجدن خلال العزل وقتاً مناسباً للتواصل مع أخريات من داخل البلاد وخارجها.
قضايا حساسة
وعندما تتصفح منشورات وفيديوهات في أحد "الكروبات" النسوية، قد تجد فتاة تعرض مهاراتها في المكياج وهي بعمر 19 عاماً، وهناك فتاة عراقية مغتربة تركز على تصفيف الشعر وصحته ورونقه، وأخرى تظهر بجانب زوجها التركي تلقنهن خطوات الطبخ التركي وآليته.
والأفكار التي يتم طرحها من قبل صاحبات البث المباشر، لا تقتصر على أمور التجميل والطبخ، حيث توجد طبيبات متخصصات بالأمراض النسائية والتوليد، وقارئات للحظ ومدربات للرياضة وأيضا "فاشينستات" وغيرهن.
تقول إيمان صباح لـ"ارفع صوتك" إن المرأة العراقية لا تستطيع البوح بكل القضايا التي تخصّها، أو حتى تطلب المساعدة من أي أحد، خوفاً من الأهل والمجتمع، لكن ذلك يتلاشى داخل "الكروبات".
تروي إيمان (24 عاماً)، قصة متزوجة حديثاً طلبت مساعدة المشاركات في عبر بسبب "تعرضها إلى مشكلات كثيرة مع والدة زوجها التي تسكن معها".
تقول " تقول لـ "الزوجة لم تبلغ أهلها بهذه المشكلات خشية أن تتزايد الأمور سوءاً".
امرأة أخرى تعاني من "الغيرة" وتسببت بمشكلات كثيرة مع زوجها، الذي "لا يتمكن من توفير كل ما تريد اقتناءه لضعف قدرته المادية" تعرض مشكلتها أيضاً بحرية، وفق إيمان.
جالبة للعار
"في التجمعات النسوية على موقع التواصل الاجتماعي تجد الفتاة نفسها غير مقيدة"، تقول إنعام حميد (29 عاماً).
وتضيف لـ"ارفع صوتك" إنها تتعرض دوماً للتحرش في الفيسبوك عندما تحاول المشاركة في تجمعات أخرى مختلطة.
عاشت إنعام طوال حياتها تتجنب الحديث مع أحد عن التحرشات الجنسية واللفظية التي تتعّرض لها، حيث كانت تشعر "بالعار" لأن أمها أقنعتها بأن التحرش الجنسي سببه الفتاة لأن أخلاقها "غير سويّة".
ولكن "الكروبات" النسوية، غيرت أفكارها ومواقفها.
تقول إنعام "فوجئت بأعداد الفتيات والنساء اللواتي يتحدثن عن معاناتهن من نظرة المجتمع الذكورية تجاه المرأة".
وتشير إلى أنه رغم بساطة أفكارهن وعدم حصولهن على مؤهلات علمية أو جامعية إلاّ أنهن كن مدافعات عن حرية المرأة ومصرّات على التصدي للعادات المجتمعية التي تختزل وجودهن بعبارة "جالبة للعار"، بالتالي لا حق لها في الشكوى والرفض والمعارضة بأي شكل من الأشكال.
عزل النساء
من جهتها، تبدي الدكتورة في علم النفس الاجتماعي صبيحة الصالحي، أسفها لرغبة كثيرات بالابتعاد حتى في مواقع التواصل الاجتماعي عن التجمعات الاعتيادية التي يتواجد فيها الرجل والمرأة معاً، وتفضيلهن لتجمعات نسوية فقط، بسبب ما يتعرضن له من تحرشات وانتقادات وإساءات من قبل بعض الرجال والشباب بل وحتى من نساء مؤمنات بسلطة المجتمع عليهن رغم معاناتهن من قسوته.
تقول الدكتورة لـ"ارفع صوتك" إن "عدم الاختلاط أو عزل النساء عن الرجال في مواقع التواصل الاجتماعي ليس الأول من نوعه، فالمجتمع بالأساس يشجع هذه التوجهات ويدعمها بقوة على أرض الواقع".
وتقر الصالحي أن العزل في مواقع التواصل يُظهر "حجم الضغوط التي تتعرض لها المرأة التي تلجأ إلى الكروبات، وهي مقتنعة أو هاربة من واقع مخذل، بل وقد تعتبرها الخلاص لها من سلطة المجتمع المتمثلة بالأب والأخ والزوج، والسبب أنها تفتقر لوجود من يساعدها على تجاوز معاناتها".
وترى أن هذه "الكروبات" وسيلة تحدٍ بنظر كل امرأة أو فتاة مشاركة ومحاولة التصدي لمقولة تتكرر دوماً "ليس لك حق التصرف".
وتشير الصالحي إلى أنها قد رصدت الكثير من الفتيات المشاركات في "الكروبات" النسوية المغلقة ودون علم الأم أو الأب والأخ خشية أن تمارس ضدهن ضغوطات واتهامات مرتبطة بسمعة وشرف العائلة.