العراق

العراقيات وحرية "الكروبات" المغلقة: ممنوع دخول الرجال

19 مايو 2020

شاركت فداء قاسم (32 عاماً) قبل أسابيع قليلة بتجمع نسوي على فيسبوك، وفي أغلب الأيام، كما تقول.

ومعظم اللاتي يظهرن في الفيديوهات المباشرة كن ينقلن للمشتركات الأفكار التي تأخذهن بعيداً عن حياة فُرضت عليهن بعد تفشي فيروس كورونا. 

تابعت فداء قبل فترة فتيات يتحدثن عبر الفيديوهات المباشرة عن ظروف حياتهن الشخصية، وكيف أن بعضهن يشعرن بالملل والقلق بسبب العزلة.

تقول الشابة التي تعمل سكرتيرة في مصرف أهلي لـ"ارفع صوتك" إن "هذا (الكروب) أو التجمع نسوي ويمنع فيه دخول الرجال أو مشاركتهم، لذا استمدت المواضيع والأفكار التي تنشر بحرية كبيرة ودون تحفظ كل شيء يخص المرأة فقط".

ويبدو أن هذه التجمعات وغيرها تقودها شابات وجدن خلال العزل وقتاً مناسباً للتواصل مع أخريات من داخل البلاد وخارجها.

قضايا حساسة

وعندما تتصفح منشورات وفيديوهات في أحد "الكروبات" النسوية، قد تجد فتاة تعرض مهاراتها في المكياج وهي بعمر 19 عاماً، وهناك فتاة عراقية مغتربة تركز على تصفيف الشعر وصحته ورونقه، وأخرى تظهر بجانب زوجها التركي تلقنهن خطوات الطبخ التركي وآليته.

والأفكار التي يتم طرحها من قبل صاحبات البث المباشر، لا تقتصر على أمور التجميل والطبخ، حيث توجد طبيبات متخصصات بالأمراض النسائية والتوليد، وقارئات للحظ ومدربات للرياضة وأيضا "فاشينستات" وغيرهن.

تقول إيمان صباح لـ"ارفع صوتك" إن المرأة العراقية لا تستطيع البوح بكل القضايا التي تخصّها، أو حتى تطلب المساعدة من أي أحد، خوفاً من الأهل والمجتمع، لكن ذلك يتلاشى داخل "الكروبات".

تروي إيمان (24 عاماً)، قصة متزوجة حديثاً طلبت مساعدة المشاركات في عبر بسبب "تعرضها إلى مشكلات كثيرة مع والدة زوجها التي تسكن معها".

تقول " تقول لـ "الزوجة لم تبلغ أهلها بهذه المشكلات خشية أن تتزايد الأمور سوءاً".

امرأة أخرى تعاني من "الغيرة" وتسببت بمشكلات كثيرة مع زوجها، الذي "لا يتمكن من توفير كل ما تريد اقتناءه لضعف قدرته المادية" تعرض مشكلتها أيضاً بحرية، وفق إيمان.

جالبة للعار

"في التجمعات النسوية على موقع التواصل الاجتماعي تجد الفتاة نفسها غير مقيدة"، تقول إنعام حميد (29 عاماً).

وتضيف لـ"ارفع صوتك" إنها تتعرض دوماً للتحرش في الفيسبوك عندما تحاول المشاركة في تجمعات أخرى مختلطة.

عاشت إنعام طوال حياتها تتجنب الحديث مع أحد عن التحرشات الجنسية واللفظية التي تتعّرض لها، حيث كانت تشعر "بالعار" لأن أمها أقنعتها بأن التحرش الجنسي سببه الفتاة لأن أخلاقها "غير سويّة".

ولكن "الكروبات" النسوية، غيرت أفكارها ومواقفها.

تقول إنعام "فوجئت بأعداد الفتيات والنساء اللواتي يتحدثن عن معاناتهن من نظرة المجتمع الذكورية تجاه المرأة".

وتشير إلى أنه رغم بساطة أفكارهن وعدم حصولهن على مؤهلات علمية أو جامعية إلاّ أنهن كن مدافعات عن حرية المرأة ومصرّات على التصدي للعادات المجتمعية التي تختزل وجودهن  بعبارة "جالبة للعار"، بالتالي لا حق لها في الشكوى والرفض والمعارضة بأي شكل من الأشكال.

عزل النساء 

من جهتها، تبدي الدكتورة في علم النفس الاجتماعي صبيحة الصالحي، أسفها لرغبة كثيرات بالابتعاد حتى في مواقع التواصل الاجتماعي عن التجمعات الاعتيادية التي يتواجد فيها الرجل والمرأة معاً، وتفضيلهن لتجمعات نسوية فقط، بسبب ما يتعرضن له من تحرشات وانتقادات وإساءات من قبل بعض الرجال والشباب بل وحتى من نساء مؤمنات بسلطة المجتمع عليهن رغم معاناتهن من قسوته.

تقول الدكتورة لـ"ارفع صوتك" إن "عدم الاختلاط أو عزل النساء عن الرجال في مواقع التواصل الاجتماعي ليس الأول من نوعه، فالمجتمع بالأساس يشجع هذه التوجهات ويدعمها بقوة على أرض الواقع".

وتقر الصالحي أن العزل في مواقع التواصل يُظهر "حجم الضغوط التي تتعرض لها المرأة التي تلجأ إلى الكروبات، وهي مقتنعة أو هاربة من واقع مخذل، بل وقد تعتبرها الخلاص لها من سلطة المجتمع المتمثلة بالأب والأخ والزوج، والسبب أنها تفتقر لوجود من يساعدها على تجاوز معاناتها".

وترى أن هذه "الكروبات" وسيلة تحدٍ بنظر كل امرأة أو فتاة مشاركة ومحاولة التصدي لمقولة تتكرر دوماً "ليس لك حق التصرف".

وتشير  الصالحي إلى أنها قد رصدت الكثير من الفتيات المشاركات في "الكروبات" النسوية المغلقة ودون علم الأم أو الأب والأخ خشية أن تمارس ضدهن ضغوطات واتهامات مرتبطة بسمعة وشرف العائلة.

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.