العراق

بعد تصريحات الغانمي.. قصص رشاوى من داخل مراكز شرطة عراقية

20 مايو 2020

كشف وزير الداخلية العراقية عثمان الغانمي عن وجود دلائل على "عمليات فساد" داخل بعض مراكز الشرطة والدوائر الأمنية، وهي في تماس مباشر مع المواطن.

وتناول الغانمي عبر اجتماع مصوّر، أساليب الابتزاز التي يمارسها البعض من ضباط مراكز الشرطة، بحق المواطنين.

 

وقال الغانمي إن مراكز الشرطة "فسدت" والدليل على ذلك "عدم اعتماد أكثرها على سجل تدوّن فيه الشكاوى".

ويخضع مقدمّو الشكاوى إلى تسجيل القضية في سجلات خاصة بمركز الشرطة، ثم يمنحون نسخاً من الدعاوى بعد ختمها بأرقام رسمية.

وأضاف الغانمي أن "هناك شبهات في أن دفع الأموال والرشاوى من جانب الخصوم حصل بإذن من ضباط هذه المراكز لإبعاد التهم عنهم، أو تأخير وصولها إلى قاضي التحقيق للحكم عليها".

وأشار إلى ضرورة إسناد المناصب وفق مؤهلات الكفاءة والنزاهة والتخلص من هذه الممارسات  "لأن من يبتز بالمال أو الشرف يستطيع أن يساند الإرهاب" على حد تعبيره.

رشوة لإبطال شكوى

وكان تحسين مسعود (48 عاماً) لجأ إلى مركز شرطة في بغداد عام 2019 من أجل تفادي إغلاق محله الخاص ببيع الملابس النسائية بسبب اتهامه بالاعتداء على زبونة، الشيء الذي نفاه.

يقول لـ "ارفع صوتك": "إذا حكم قاضي التحقيق ضدي فسوف يلقي القبض علي ويغلق محلي".

وجاء في شكوى الزبونة أنه "قام بالاعتداء عليها وابتزازها لأنها تأخرت أكثر من أسبوع في دفع مستحقات مالية عن سلع اشترتها من المحل بطريقة الدفع الآجل".

وينفي تحسين الأمر بقوله "أنا طالبتها فقط بدفع المستحقات المتأخرة منذ عام ونصف العام، فكان رد فعلها تقديم الشكوى ضدي".

ويشير  إلى أن قضية الشكوى ضده لم تغلق إلا بعد أن دفع أضعاف المال الذي كان بحوزة الزبونة لبعض رجال الشرطة في المركز.

وفي ذلك لا يُسمّيها "رشوة"، يقول تحسين "هذا حقهم لتسهيل إجراءات إبطال الدعوى". 

ورطة كبيرة

الوضع مع سندس علوان (41 عاماً) كان مختلفا.

تقول لـ "ارفع صوتك" إنها ذهبت إلى قسم الشرطة لتقديم شكوى ضد جارها صاحب الدار التي تسكن فيه، إذ حاول إقناعها بدفعها الإيجار عبر علاقة جنسية معه.

وتضيف سندس "بعض العاملين في مركز الشرطة عرضوا علي دفع رشوة كي لا تتأخر إجراءات الدعوى ضد المؤجر أو تتوقف".

وترى أن  "من يدخل مراكز الشرطة سيشعر بورطة كبيرة، لأنه سيحتاج للكثير من الأموال حتى تسير قضيته بشكل طبيعي وحيث لا أملك المال، قررت الرحيل عن البيت والتنازل عن الشكوى".

هل "الرشوة حق"؟

يقول الخبير القانوني منير الجنابي إن "دفع الأموال والرشاوى كثيرا ما تستخدم في مراكز الشرطة. لذا تجد ضحايا جرائم الابتزاز والسرقة والاحتيال وغيرها يفضلون في أحيان كثيرة السكوت والتنازل عن حقوقهم بدلاً من تقديم شكوى لطلب المساعدة".

ويتابع "ينتهي الأمر بدفع الضحية رشوة للشرطة سواء بالمال أو غيره حتى تحصل على حقها، وربّما لن تحصل، خصوصاً إذا كان الخصم لديه القدرة على دفع المزيد من المال".

ويقول الجنابي لـ"ارفع صوتك": "مسائل الفساد المالي طبيعية جداً في المجتمع، وستظل الرشوة قائمة طالما يتم النظر إلى أنها حق لابد منه للعمل والحماية".

ويختم حديثه بالقول "استمرار الرشوة يعني غياب العدالة، ولا توجد مشكلة في أن يوافق المتهم على دفع أي مبلغ مطلوب مقابل إسقاط التهمة عنه".

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.