العراق

شاب عراقي: الدولة تدفعنا للجوء إلى العشيرة والميليشيات

20 مايو 2020

"من أمِنَ العقاب أساء الأدب، مثل يقال للذين يخالفون القانون والتعليمات، لكنه في العراق بات يقال لبعض أفراد الأجهزة الأمنية المكلفين بحماية القانون"، هكذا يعلق الشاب سلمان الحمداني على مقطع فيديو تداوله مدونون في مواقع التواصل الاجتماعي بعد يعاقب فيه أفراد من الشرطة الاتحادية لشاب، صاحب محل مواد غذائية، بعد أن ظهر بث مباشر على صفحته بفيسبوك وقال إنه "دفع مبلغ 5 آلاف دينار رشوة للشرطة حتى يسمحوا له بفتح المحل أثناء فترة حظر التجوال".

وفي مقاطع وصور متعددة، يظهر ضابط برتبة ملازم وهو يمسك بشعر الشاب بطريقة مهينة، ويضع حذائه على صدر الشاب، قريبا من منطقة الرقبة.

يعتذر الشاب عن فعلته لكن دون جدوى، يقوم المنتسبون الأمنيون بحلاقة شعر الشاب وشاربه وجزء من حاجبه.

 

"العشيرة تحميني من القانون"

يقول سلمان الحمداني وهو شاب من بغداد، "بمثل هذه الأفعال يدفعون بنا إلى الاستعانة بقوة العشائر، ويضعفون سلطة الدولة وقوة القانون".

ويوضح سلمان (28 عام) في حديث لموقع (ارفع صوتك) أنه "للأسف منتسبي الأجهزة الأمنية لا يطبقون القانون ولا يخافون معاقبتهم من مراجعهم العسكرية، لكن أكبر ضابط في تلك الأجهزة يخشى العشائر، لذلك قد نضطر للجوء إلى العشيرة بدل الدولة".

ولا يستبعد الشاب سلمان لجوء أقرانه من الشباب إلى "المليشيات المسلحة، فلو كان لصاحب المحل المعاقب سند فيها لما جرأ عليه أفراد الشرطة الاتحادية وعاقبوه بهذه الطريقة المهينة"، على حد تعبيره.

هذه المقاطع والصور التي تناولها المدونون كان معها امتعاض شديد من التصرف المهين الذي يقوم به أفراد القوات الأمنية، خصوصا وأنه ليس الأول.

فقد سبقته حالات عديدة لشباب أطالوا شعرهم وآخرين يرتدون البرمودا (البنطلون القصير).
واعتبروه تعدي على الحقوق الشخصية التي كفلها الدستور إهانة للإنسان العراقي الذي كفل الدستور كرامته أيضا.

وتناولت صفحات على مواقع التواصل أحاديث عن أوامر من قائد الشرطة الاتحادية الفريق جمعة عناد وتوجيهات من رئيس الحكومة القائد العام للقوات المسلحة مصطفى الكاظمي بمحاسبة وعزل القوة التي قامت باعتقال الشاب ومعاقبته.

لكن تلك الأنباء لم تتأكد، فهي حتى الآن منشورات على الفيسبوك دون بيانات وتصريحات رسمية، حتى وقت كتابة هذا المقال.

قانونيا

يعتبر الخبير القانوني علي جابر التميمي أن ما جاء في هذه الفيديوهات والصور "إساءة واضحة لكرامة الإنسان وحقوقه المكفولة وفق القانون".

ويوضح لموقعنا "تناول الدستور العراقي في المادة (٣٧) قواعد الاستجواب والتحقيق بما لا يمس كرامة الإنسان أو حريته ولا يجوز استخدام أي من أساليب الترهيب والتعذيب مع المتهمين، وأيضا المادة (١٢٧ من قانون الأصول الجزائية) حرمت استخدام اي من أساليب التعذيب والاكراه في استجواب المتهمين وهو ما يسمى ضمانات المتهم عند الاستجواب".

ويضيف التميمي "محرم قانونا تشويه صورة وسمعة الإنسان حتى لو كان مطلوب في أي تهمة، وإنما يتم التحقيق معه ومواجهته بالأدلة فالتحقيق أصبح علم".

لذلك "لا يجوز. بل محرم قانونا حلاقة شعره أو شاربه أو حاجبه".

وفيما يخص تصوير المتهم أو الشاب مثار القضية فيوضح التميمي "هذا يخالف ميثاق العهد الدولي والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وهذا النشر قد يقلب كفة التحقيق فيجعله (أي المتهم) مظلوما وله حق المطالبة بالتعويض عن التشهير من الجهة التي شهرت به".

ويتابع الخبير القانوني "كان الأولى سلك الطرق القانونية وفق الإجراءات وليس بهذه الطريقة التي ستجعل المنظمات الدولية تعترض على ذلك، يحتاج بعض منتسبي الأجهزة الأمنية إلى الاطلاع على مبادئ حقوق الانسان".
 

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.