العراق

"صرت بائعاً متجولاً".. كيف يعيش البغداديون في الحجر المناطقي؟

27 مايو 2020

عادة ما يمارس حسن فترة عمله في بيع السمك داخل محله الذي يقع في سوق شعبي ببغداد.

لكن منذ أن اغلقت منطقة سكناه بـ"الصبات الكونكريتية" كإجراءات وقاية من تفشي مرض كوفيد - 19 المستجد، بدأ بعرض السمك وبيعه متجولاً بين الأزقة.

يقول حسن (48 عاما)، لـ"ارفع صوتك" إنه "لم يعد يتمكن من الوصول لعمله لبعده عن مكان سكنه بسبب إجراءات الوقاية من الوباء والإغلاق المناطقي المفروض".

ورغم أن فكرة بيع السمك عبر التوصيل السريع للمنازل ساعدته كثيرا، إلاّ أنه بات مضطراً للتجوال في أزقة منطقته وشوارعها، على غرار كثير من أصحاب المحال الذين تحولوا لباعة جوالين. 

ويضيف "أشعر بالقلق، لأن عملي صار متعباً. كما أن نمط حياتي اليومية تغير كثيراً". 

وكانت وزارة الصحة العراقية بدأت بتنفيذ الحظر المناطقي التام، يوم الأربعاء 20 مايو، لمدة أسبوعين ولبعض المناطق المشمولة، كمدينة الصدر والحبيبية والكمالية والشعلة والحرية والعامرية

وقال وزير الصحة العراقي، حسن التميمي، إن "الإجراءات ذاتها ستتخذ في باقي مناطق بغداد والمحافظات في حال تأشير زيادة في أعداد الإصابات فيها".

رجال الأمن

مروان حارث (36 عاماً) الذي يدير محلا لبيع المواد الغذائية يقول لـ"ارفع صوتك" إنه "لم يعد يتمكن من افتتاح مؤخراً بسبب تجوال رجال الأمن المستمر على المحلات لإغلاقها". 

ويلجأ أصحاب المحال التجارية الآن إلى "تمويه الأجهزة الأمنية" عبر إطفاء الأضواء والإبقاء على مساحة مغلقة من باب المحل حتى لا يلفت انتباه رجال الأمن دخول الزبائن أو خروجهم من المحل.

ويضيف: "لا يمكنني الالتزام بإغلاق محلي، رغم أن اقبال الزبائن أقل بكثير عن السابق، لأن الحظر أجبر الناس على التسوق من المحلات والمتاجر القريبة من منازلهم لمواكبة تغير الأوضاع".

أبناء الجيران

ويقول سالم جليل (29) لـ"ارفع صوتك"، إن "الحظر المناطقي جاء عند سكنة بعض هذه المناطق بمثابة فرصة للتزاور  بين الجيران والمعارف، وكذلك لأداء فروض الصلاة داخل المساجد".

ويضيف "عزل منطقتنا ومنع سكانها من الخروج أو دخول أحدهم إليها فرصة لقضاء الوقت بالجلوس مع أبناء الجيران، لأن البقاء في البيت لا يطاق". 

ويتابع سالم "رغم أن الشوارع الرئيسة خالية من حركة السيارات بسبب الحظر، إلاّ أن الأزقة والفروع الداخلية لهذه المناطق خلاف ذلك، حيث تكتظ الأزقة البعيدة عن الشوارع الرئيسة بالتجمعات".

ويشير  إلى أن الحظر المناطقي من الاجراءات المبالغ فيها " خاصة أن الناس تؤمن بشدة بأن كل ما تقدم عليه الحكومة الآن هو لصالحها وليس لصالح الشعب".

مهام المنزل

وتشكل أجواء الحظر المناطقي التام ضغطا نفسيا على وداد هادي (43 عاماً)، وتقول لـ"ارفع صوتك"، إنها الآن تواجه تحديات جديدة أهمها عدم قدرتها على إنجاز مهام منزلها من تنظيف وطبخ وغيره كما كانت قبل تفشي الوباء.

وتضيف "هذه الفترة ليست استثنائية بالنسبة لنا لأن أوقات طويلة من حياتنا في البلاد كانت خطرة كنا نخشى فيها الخروج من المنزل، ولكن المشكلة الآن في عدم قدرتنا على التأقلم نفسياً داخل منازلنا مع هذا الوضع".

حماية الناس

وبغض النظر عما إذا كان الحظر المناطقي وقائياً أم لا، فإن الآء نعيم (27 عاماً) تعتقد بأن وقته سيطول كما غيره من الحلول والقرارات الت تصفها بـ"الترقيعية" وهو الأمر الذي تلجأ إليه الحكومة دوماً للتخلص من مسؤوليتها.

تقول آلاء "تبدأ الجهات الحكومية بطرح حل وقتي حتى يصبح دائمي بعد وقت".

الآء من بين آلاف خريجي الجامعات العاطلين عن العمل بالبلاد، تقول لـ "ارفع صوتك" إن "واحدة من خطط الحكومة عام 2014 كانت إيقاف التعيين في القطاع العام لحل أزمة التقشف الاقتصادي، أملاً في انتهاء من هذه الخطة عام 2018، ولكن هذا لم يحدث بل ازدادت الأمور سوءا".

وتشير  إلى أن هذا ما يحدث الآن "يتم فرض الحظر على بعض المناطق لمدة أسبوعين ثم تزداد المدة وذلك لسبب واحد يتعلق بعدم قدرة الحكومة على حماية الناس من مخاطر فيروس كورونا بل ومن كل شيء".

وكانت وزارة الصحة، أعلنت الثلاثاء، عن تسجيل 216 حالة اصابة بفيروس كورونا في عموم العراق بينها 163 اصابة في العاصمة بغداد فقط، ليرتفع عدد الإصابات منذ بدء تفشي المرض في البلاد إلى 5135 إصابة.

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.