طلاب مدرسة في البصرة، ديسمبر 2017/ ا ف ب
طلاب مدرسة في البصرة، ديسمبر 2017/ ا ف ب

ظلّ توفير الأجور الدراسية في حياة صفا خليل لمدرسة طفلها الأهلية روتيناً شهريا طيلة السنوات الماضية، فقد اختارت لطفلها محمد الذي يبلغ من العمر (11) عاماً الآن، الدراسة في مدرسة أهلية مقابل أقساط شهرية تدفعها كاملة قبل استلام نتيجة نهاية كل سنة دراسية.

ولكنّ تفشي فيروس كورونا في البلاد غيّر الحال.

وأغلقت المدارس والجامعات منذ أكثر من أربعة أشهر، كما تمّ إلغاء الامتحانات النهائية للصفوف غير المنتهية، لكن أقساط الدراسة لم تلغ.

وتقول صفا لـ (ارفع صوتك) إن "المشكلة لا تكمن في دفع الأقساط عن مرحلة لم تُدرس فحسب، فبالإضافة إلى توقف الأعمال والوظائف، تعتبر إدارات المدراس الأهلية هذه المرحلة سنة رسوب للطالب إن لم تدفع أقساطه الدراسية كاملة".

وكما توضح الأم، تبدو عملية نجاح طفلها مرتبطة بدفع الأقساط المدرسية.

وحتى بعد أن قررت وزارة التربية العراقية خفض القسط السنوي الكلي المستحق الدفع من أولياء أمور التلاميذ والطلبة في المدارس الأهلية داخل وخارج العراق للعام الدراسي الحالي بنسبة 10 بالمئة، ترفض صفا (كما غيرها من أولياء الأمور) دفع الأقساط السنوية على اعتبار أن هذه الظروف غير مناسبة.

وتضيف "نحن نعيش في ظروف مادية صعبة للغاية، ولا نعرف ما الذي ينتظرنا جراء تفشي كورونا".

التعليم الأهلي بالعراق

ويبلغ عدد الكليات الأهلية بالعراق حوالي 45 كلية وجامعة أهلية معترف بها في العراق من قبل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي. وتبدأ التكاليف الدراسة بالجامعات الانسانية بنحو 800 ألف دينار عراقي للمرحلة الدراسية الواحدة وتتصاعد وفقا للسنوات لما لا يقل عن (100) ألف بالسنة، بينما تتجاوز الدراسات الطبية والعلمية الثلاثة والأربعة والخمسة ملايين دينار عراقي بالسنة الدراسية الواحدة.

أما المدارس الاهلية فتكون بحسب المراحل (الابتدائية، المتوسطة، الإعدادية):

الابتدائية قد تتجاوز مليون ونصف مليون دينار عراقي بالسنة.

المتوسطة قد تتجاوز مليوني دينار عراقي بالسنة.

الإعدادية قد تتجاوز مليوني ونصف دينار عراقي بالسنة.

ويعتمد تحديد تكاليف الدراسة بالمدارس الأهلية حسب المنطقة وكذلك المناهج المقدمة، فعندما تقع المدرسة الأهلية بمنطقة غير شعبية وتُدرس لطلابها مناهج الدروس بأكثر من لغة تتزايد التكاليف كثيراً.

استئناف الدراسة

وكانت وزارة التربية العراقية قد أعلنت عن حسم مصير تلاميذ وطلبة الصفوف غير المنتهية بعد إغلاق مدارسهم بسبب تفشي جائحة كورونا، بالاعتماد على نتيجة النصف الأول من العام الدراسي الحالي أساس للنجاح.

وقالت الوزارة إن "هيئة الرأي قررت في اجتماع لها اعتماد درجة النصف الأول من العام الدراسي الحالي كدرجة للنجاح للصفوف غير المنتهية في المرحلة الابتدائية. ويسمح للتلميذ الراسب بأداء امتحان الدور الثاني لاحقاً في جميع المواد التي رسب فيها".

وتم اعتماد درجة الكورس الأول للصفوف غير المنتهية للمراحل المتوسطة والإعدادية والتعليم المهني ومعاهد الفنون الجميلة كدرجة للنجاح، ويسمح للطالب الراسب أداء امتحان الدور الثاني في جميع الدروس التي رسب فيها.

لكن الكثير من العوائل تواجه الآن صعوبة كبيرة في توفير قوت يومهم بسبب حظر التجوّل الذي بسببه توقف مدخول أرزاقهم اليومية.

وتقول عواطف غالي لـ(ارفع صوتك) "علينا أولاً أن نوفر لقمة العيش ثم نفكر بعد ذلك بتوفير أقساط الدراسة، لذا فلا توجد مشكلة من رسوب ابنتي بالسنة الحالية".

عوطف لا ترى مشكلة في رسوب ابنتها زهراء البالغة من العمر (16عاماً)، وتضيف "أدرك الحزن الذي تشعر به ابنتي، ويؤلمني أن تتخلى عن حلمها في النجاح، ولكني حاولت إقناعها في أن الحياة لن تتوقف وما دامت تحافظ على صحتها من عدوى الوباء فإنها ستتمكن من استئناف دراستها بعد ذلك".

وتضيف "القلق يسيطر علينا بسبب الوباء، ويصعب علينا التفكير بشيء آخر غير الوضع الصحي".

العمل والدراسة

ويعد وعد ساجد (21 عاماً)، ضمن المئات من طلبة الجامعات الأهلية الذي يمارسون العمل والدراسة في آن واحد.

ويقول وعد لـ(ارفع صوتك) إنه فجأة وجد نفسه عاطلا عن العمل. "توقف عملي بسيارتي التي كنت أستغلها في إيصال الطلبة مقابل دفهم لأجور شهرية، في مقابل ذلك، يتعين عليّ الآن دفع أقساط الدراسة الجامعية لهذه السنة كاملة".

ويضيف "ليس لديّ المال كي أدفعه في الوقت الراهن لأقساط الدراسة الجامعية، وهذا يعني أنني قد أرسب".

ويقترح الشاب أن تفكر الحكومة بجدية بحال الطلبة الذين كانوا يعملون لكسب الرزق كي يتمكنوا من دفع مستحقات الأقساط الدراسية.

ورغم إعلان وزارة التعليم العالي عن استجابة الجامعات والكليات الأهلية إلى تخفيض الأجور الدراسية للطلبة بنسب متفاوتة في هذا الظرف المعقد صحيا واقتصاديا، لم تتبلور هذه القرارات بعد. ومن ضمن إعلانها، منحت الوزارة مقاعد دراسية مجانية لعدد ليس بالقليل من الطلاب وأسقطت الأجور عن المتعففين وأبناء الشهداء وغطت جزئيا رواتب التدريسيين والموظفين الذين تقدر أعدادهم بأربعة عشر ألف منتسب.

 

 

 

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.