راتب تقاعد جدتي
تنتظر جدتي راتبها التقاعدي، وتحسب الأيام والساعات للذهاب إلى مكتب صيرفة في منطقة البياع لاستلامه من صراف المكتب الآلي.
لدى جدتي (80 عاما) التزامات مالية عليها سدادها.
لديها شقة في منطقة الإسكندرية (جنوبي بغداد)، وهي كل ما خرجت به من نتاج عمل حياتها وحياة جدي الذي توفى في ثمانينيات القرن الماضي.
لكن لديها في نفس الوقت عدد من الأدوية التي يتوجب شراؤها جراء الأمراض المزمنة التي تعاني منها بسبب التقدم بالسن، وأيضا لحاجة عمي الذي يعيش معها في نفس الشقة مع زوجته لبعض العلاجات.
يعاني عمي من مرض يجعله يفقد التركيز ويميل إلى الغضب معظم وقته.
بدأ معه هذا المرض خلال العشر سنوات الأخيرة. وبحسب الأطباء، فإن سبب المرض هو "التعذيب الجسدي والنفسي الذي تعرض له عندما كان أسيرا في إيران".
وقع عمي الذي كان جنديا مكلفا تحت أسر الإيرانيين في معركة "نهر جاسم" عام 1987، وأتذكر حينها كنت أنا وأخي الأكبر ننتظر عودته من الجبهة في إجازته الدورية، لنذهب معا إلى سينما أطلس في شارع السعدون، كما وعدنا.
يقول لي عمي فاقد التركيز، "لا تتحدث عن حالتي في الإعلام، حكومتنا تحب إيران، وإذا علمت بموضوع أسري في إيران قد تعاقبني".
ما زال عمي يخاف إيران، رغم أنها أصبحت محركا رئيسيا لإدارة العراق.
نعود إلى جدتي التي تنتظر منذ أسبوعين راتبها التقاعدي الذي تأخر كثيرا.
تفاجأت جدتي كثيرا صباح اليوم عندما علمت بقرار الحكومة الجديد الذي "يستقطع 10% من مرتبات المتقاعدين".
تقول جدتي، "الحكومة تركض خلف رواتبنا البسيطة وتترك الفاسدين يتنعمون بما سرقوه من خيرات البلد".
يبدو أن لدى جدتي البسيطة خبرة اقتصادية أفضل من مستشاري رئيس الحكومة الذين أشاروا عليه بفكرة استقطاع نسبة من رواتب المتقاعدين ولم تخطر على بالهم استرداد الأموال المسروقة أو حتى التفكير بحلول بديلة، بدل منافسة المسنين على مرتباتهم القليلة.
أو ربما لدى جدتي الجرأة بالحديث عن الفاسدين على عكس مستشاري الرئيس.
تعيد جدتي الثمانينية حساباتها مجددا بشأن مصاريف الشهر، وكيف ستتمكن من سدداها بعد أن قل مرتبها 60 ألف دينار (ما يعادل 50 دولار)، كون راتبها الشهري كان 600 ألف دينار (500 دولار)، ولا خيار لديها غير الاكتفاء بـ"الدعاء على الحكومة ومستشاريها"، على حد قولها.
مواقع التواصل
وللأمانة الصحفية، فإن حالة جدتي أفضل بكثير من آلاف الحالات لمتقاعدين يعيشون معاناة مادية وصحية، وينتظرون مرتباتهم البسيطة التي لم تنجُ من قرارات الحكومة غير المدروسة.
ولاقى هذا القرار امتعاضا كبيرا من قبل المدونين على مواقع التواصل الاجتماعي.
وانتقد غالبية المدونين فريق المستشارين المحيط برئيس الحكومة، والذي "كان محيطا بالرؤساء السابقين ولم يقدم أي حلول للأزمات الاقتصادية للعراق على مدى أكثر من عقد"، بحسب تعبيرهم.
الحماية القانونية لرواتب المتقاعدين
يذكر الخبير القانوني علي جابر التميمي أن الدستور العراقي تحدث عن "الحقوق والحريات والتزامات الدولة في المواد من (٢٢ إلى ٣٦)، التي توجب حماية الشيخوخة والعيش الكريم في كافة المجالات".
ويشير في تصريح لموقع (ارفع صوتك)، إلى أن قانون التقاعد الموحد رقم (٩ لسنة ٢٠١٤) تحدث بإسهاب عن التوقيفات التقاعدية وهي نسب الاستقطاع من راتب الموظف طيلة عمله في الوظيفة فتحتسب له راتبا تقاعدي فيما، بعد فهي أشبه بالتوفير على المدى البعيد.
وفي نفس القانون، يوجد "صندوق التقاعد" وهو له شخصية معنوية مستقلة وذمة مالية مستقله حالها حال الأفراد الطبيعيين يعمل من يديره على توفير الرواتب التقاعدية من الاستقطاعات التقاعدية ومساهمة الدولة، وأيضا جزء من وارداته تأتي على شكل هبات ومن الموازنة العامة، كما أوضحت المواد (٧ و٨ و٩) من هذا القانون.
ولا يمكن لأي جهة سحب الأموال من هذه الصندوق لأنه مخصص للمتقاعدين بعيدا عن أي جهة أخرى، ويخضع لرقابة ديوان الرقابة المالية.
وتعتبر هذه رواتب المتقاعدين "مقدسة ومحمية قانونا ودستوريا"، كما يصف الخبير القانوني، مضيفا أنها "تحتاج إلى حلول مستعجلة في عدم تأخير صرفها لأن من ينتظر استلامها قد لديه التزامات خصوصا إذا ما علمنا صعوبة الحياة وغلاء المعيشة".