نافذتي مغلقة وأخاف الشارع".. حكاية مراهقة من كربلاء"
بالسّر، تراسلني ريم (15 عاماً) عبر بريد أحد مواقع التواصل، غير المسموح لها استخدامها.
تكتب على عجل "الأنثى حركاتها مقيدة جدا، أعني في كربلاء، بالإضافة للوسط المتدين سواء كمدرسة أو عائلة أو أقارب أو مجتمع، أقوى طلعة هي للمول مثلا؟ ولازم حسب ملابسهم اللي فارضينها: العباية، ومع شخص مرافق".
وريم واحدة بين عشرات وربّما مئات النساء العراقيات، اللواتي جرّبن الحجر المنزلي قبل جائحة كورونا وسيستمر معهن بعدها، إلا إذا طرأ تغيير يكسر هذه العزلة الإجبارية.
تقول "كمراهقة، لا صديقات لديّ أخرج معهن، وإن خرجت للضرورة يرافقني أبي، وحينها أرتدي ما يُفرَض عليّ لا ما يُعجبني، لألتقي بأشخاص من مجتمع أبغضه".
"لا أعرف الشارع أبداً، وحين أراه أشعر بالخوف"، تتابع ريم لـ"ارفع صوتك" متسائلة "كيف سأواجه الحياة حين أكبر؟ وكيف سأتعامل مع العالم الخارجي؟".
حماية ممّ؟
تقول ريم إن السبب الأساسي لمنعها الخروج هو "حمايتها من الذكور".
وتضيف "مثل كل الأهل العرب، الحماية من الجنس الآخر المهووس بجسد الأنثى والحشمة والشرف، لدرجة حتى الشباك المقابل للشارع لا يمكنني فتحه، وبالفعل، فإن أصحاب المحل المقابل له يعتبرون رؤيتي عبره فضيحة".
"يمكن أهلي معهم حق، لان كل الناس تفكر مثلهم.. هم يهتمون لكلام الناس، لأنهم متديّنون ويريدون أن يكون أطفالهم مثلهم"، تقول ريم.
وتتابع لـ"ارفع صوتك": "أحاطونا بالخرافات والخزعبلات والأخلاقيات الأنثوية المرسومة على قياسهم، والمعايير العوجاء والتمسك بالدين، حين يكون الكلام فقط عن المرأة، بغض النظر عن تدينهم أساساً".
وتعتقد ريم بوجود شحن كبير للذكور خصوصاً الإخوة في العائلات، بذريعة "الحفاظ على الشرف والعرض الذي تمثله المرأة" مستشهدة بالعبارة الشهيرة المستخدمة في سياقات مشابهة "أترضاها لأختك؟".
وهذا الأمر يُعلي من سلطة الذكور في العائلة على الإناث، اللواتي يبقين مستضعفات، ويشعرن دائماً بأن أجسادهن عار، حسب ريم.
وتتذكر عبارة قرأتها للكاتبة السورية غادة السمّان عن دمشق في طفولتها، في كونها مدينة "مفصّلة على مقاس الذكور".
تقول ريم "حين أمشي في الشارع، أعرف أن لا مكان لي فيه، مكاني هو البيت فقط. لا أمشي بعفوية، حذرة في نظراتي والتفاتي".
وتضيف "في المدرسة تكلمت مع زميلات لي حول هذا الأمر، فوجدت أن أحلامنا مشتركة وبسيطة جداً، أن نتمشى أو نفرد شعرنا أو نركب دراجة هوائية ونتجوّل في المدينة".
"لكننا في نفس الوقت ندرك أنه أمر مستحيل.. عائلاتنا متديّنة تعبدُ العادات".
وتقارن نفسها بالذكور في عائلتها قائلة "منذ الطفولة يعلمهم أهاليهم الخروج من المنزل لأماكن قريبة وأبعد ثم أبعد تدريجياً" وتضرب مثلاً "ابن خالتي عمره 15 عاماً أيضاً، بيذهب لأماكن بعيدة ويجرّب أموراً عدة، ويلتقي الناس، وهو بالنسبة لي أمر مستحيل".
"البيت أحلى من الخارج"
"أكثر ما يخيفني هو المستقبل" تقول ريم، مستدركة بأمل "ليت الحياة تنصفنا فيه، حينها سأنسى كل ما مضى".
وهو على ما حصل على ما يبدو مع الشابة العراقية العشرينيّة ميم، حيث قصتها في مقال منفصل.
"يظن أهلنا أنهم بحرماننا الخروج وعزلنا عن العالم الخارجي يحافظون علينا، لا" تقول ريم، مشيرةً إلى أن النساء اللاتي يهشن ظروفاً مشابهة، سيكبرن دون تجربة لمواجهة الحياة، بل على العكس سيتخبطن في مساراتها.
تضيف "نحن نعيش في عُزلة ممنهجة، فالبيت ليس عزلتنا الوحيدة، إنما المجتمع أيضاً" موضحة بمثال "البيت أحلى من الخارج. لمّا أطلع للخارج وأشوف الحال أزداد تعاسة، ولا أرى الأمل".
وتتابع ريم الكتابة مسترسلة "داخل البيت أعيش بخيال أكبر، صحيح أكتئب أحيانا لكنني أحس بالانتماء لغرفتي، أحب الكتابة وأحب الكتب وعندي كتب. أحب الرسم أيضاً، واهتمامي منصب على تطوير نفسي ومعلوماتي وتوسيع مداركي؛ لكي أفهم العالم أكثر".
"يمكنك القول إنني أحاول تمهيد نفسي اليوم لمواجهة الحياة في المستقبل" تكتب ريم الخلاصة.
ومن كتبها المفضّلة "امرأة عند نقطة الصفر، الأخوة كارامازوف، والجنوسة النسقية، والكوميديا الإلهية، ومن محمد الإيمان إلى محمد التاريخ".
أهلك يشترون هذه الكتب؟ "نعم" تقول ريم، متابعة "ولكن تحت الرقابة، يتم فحص أولى صفحات الكتاب فإذا ناسبهم أعطوني إياه، والعكس صحيح، لكن أغلب الكتب أقرأها عبر الإنترنت".
أما مواقع التواصل، فهي ممنوعة عنها، وبشكل قاطع، تقول ريم "لدى أهلي فوبيا منها، واستخدامي لها سريّ، ولو أنهم اكتشفوا الأمر لا يمكنني تخيّل ما سيحلّ بي.. أفكر كثيراً في حذفها".
"انتماء" وكورونا
في مارس الماضي، دخل العراقيون عزلة إجبارية وإجراءات حظر تجوّل شامل، بقرار حكومي، منعاً لتفشي فيروس كورونا المستجد، قبل أن يتم تخفيف الإجراءات وتعود الحياة بشكل تدريجي إلى طبيعتها، لكن ليس مع النساء اللاتي يعشن عزلة ريم.
تقول ريم عن فترة الحظر "حبّيته" مضيفةً "حسيت بانتماء للعالم، وأن كل الناس صاروا مثلي، حيث عاشوا ما عشته، وبات خروجهم مقيّداً".
ملاحظة: اسم ريم مستعار، اختارته صاحبة القصة لنفسها، متحفظة على نشر اسمها الحقيقي.