العراق

نافذتي مغلقة وأخاف الشارع".. حكاية مراهقة من كربلاء"

رحمة حجة
10 يونيو 2020

بالسّر، تراسلني ريم (15 عاماً) عبر بريد أحد مواقع التواصل، غير المسموح لها استخدامها.

تكتب على عجل "الأنثى حركاتها مقيدة جدا، أعني في كربلاء، بالإضافة للوسط المتدين سواء كمدرسة أو عائلة أو أقارب أو مجتمع، أقوى طلعة هي للمول مثلا؟ ولازم حسب ملابسهم اللي فارضينها: العباية، ومع شخص مرافق".

وريم واحدة بين عشرات وربّما مئات النساء العراقيات، اللواتي جرّبن الحجر المنزلي قبل جائحة كورونا وسيستمر معهن بعدها، إلا إذا طرأ تغيير يكسر هذه العزلة الإجبارية.

تقول "كمراهقة، لا صديقات لديّ أخرج معهن، وإن خرجت للضرورة يرافقني أبي، وحينها أرتدي ما يُفرَض عليّ لا ما يُعجبني، لألتقي بأشخاص من مجتمع أبغضه".

"لا أعرف الشارع أبداً، وحين أراه أشعر بالخوف"، تتابع ريم لـ"ارفع صوتك" متسائلة "كيف سأواجه الحياة حين أكبر؟ وكيف سأتعامل مع العالم الخارجي؟".

حماية ممّ؟

تقول ريم إن السبب الأساسي لمنعها الخروج هو "حمايتها من الذكور".

وتضيف "مثل كل الأهل العرب، الحماية من الجنس الآخر المهووس بجسد الأنثى والحشمة والشرف، لدرجة حتى الشباك المقابل للشارع لا يمكنني فتحه، وبالفعل، فإن أصحاب المحل المقابل له يعتبرون رؤيتي عبره فضيحة".

"يمكن أهلي معهم حق، لان كل الناس تفكر مثلهم.. هم يهتمون لكلام الناس، لأنهم متديّنون ويريدون أن يكون أطفالهم مثلهم"، تقول ريم.

وتتابع لـ"ارفع صوتك": "أحاطونا بالخرافات والخزعبلات والأخلاقيات الأنثوية المرسومة على قياسهم، والمعايير العوجاء والتمسك بالدين، حين يكون الكلام فقط عن المرأة، بغض النظر عن تدينهم أساساً".

وتعتقد ريم بوجود شحن كبير للذكور خصوصاً الإخوة في العائلات، بذريعة "الحفاظ على الشرف والعرض الذي تمثله المرأة" مستشهدة بالعبارة الشهيرة المستخدمة في سياقات مشابهة "أترضاها لأختك؟".

وهذا الأمر يُعلي من سلطة الذكور في العائلة على الإناث، اللواتي يبقين مستضعفات، ويشعرن دائماً بأن أجسادهن عار، حسب ريم.

وتتذكر عبارة قرأتها للكاتبة السورية غادة السمّان عن دمشق في طفولتها، في كونها مدينة "مفصّلة على مقاس الذكور".

تقول ريم "حين أمشي في الشارع، أعرف أن لا مكان لي فيه، مكاني هو البيت فقط. لا أمشي بعفوية، حذرة في نظراتي والتفاتي".

وتضيف "في المدرسة تكلمت مع زميلات لي حول هذا الأمر، فوجدت أن أحلامنا مشتركة وبسيطة جداً، أن نتمشى أو نفرد شعرنا أو نركب دراجة هوائية ونتجوّل في المدينة".

"لكننا في نفس الوقت ندرك أنه أمر مستحيل.. عائلاتنا متديّنة تعبدُ العادات".

وتقارن نفسها بالذكور في عائلتها قائلة "منذ الطفولة يعلمهم أهاليهم الخروج من المنزل لأماكن قريبة وأبعد ثم أبعد تدريجياً" وتضرب مثلاً "ابن خالتي عمره 15 عاماً أيضاً، بيذهب لأماكن بعيدة ويجرّب أموراً عدة، ويلتقي الناس، وهو بالنسبة لي أمر مستحيل".

"البيت أحلى من الخارج"

"أكثر ما يخيفني هو المستقبل" تقول ريم، مستدركة بأمل "ليت الحياة تنصفنا فيه، حينها سأنسى كل ما مضى".

وهو على ما حصل على ما يبدو مع الشابة العراقية العشرينيّة ميم، حيث قصتها في مقال منفصل. 

"يظن أهلنا أنهم بحرماننا الخروج وعزلنا عن العالم الخارجي يحافظون علينا، لا" تقول ريم، مشيرةً إلى أن النساء اللاتي يهشن ظروفاً مشابهة، سيكبرن دون تجربة لمواجهة الحياة، بل على العكس سيتخبطن في مساراتها.

تضيف "نحن نعيش في عُزلة ممنهجة، فالبيت ليس عزلتنا الوحيدة، إنما المجتمع أيضاً" موضحة بمثال "البيت أحلى من الخارج. لمّا أطلع للخارج وأشوف الحال أزداد تعاسة، ولا أرى الأمل".

وتتابع ريم الكتابة مسترسلة "داخل البيت أعيش بخيال أكبر، صحيح أكتئب أحيانا لكنني أحس بالانتماء لغرفتي، أحب الكتابة وأحب الكتب وعندي كتب. أحب الرسم أيضاً، واهتمامي منصب على تطوير نفسي ومعلوماتي وتوسيع مداركي؛ لكي أفهم العالم أكثر".

"يمكنك القول إنني أحاول تمهيد نفسي اليوم لمواجهة الحياة في المستقبل" تكتب ريم الخلاصة.

ومن كتبها المفضّلة "امرأة عند نقطة الصفر، الأخوة كارامازوف، والجنوسة النسقية، والكوميديا الإلهية، ومن محمد الإيمان إلى محمد التاريخ".

أهلك يشترون هذه الكتب؟ "نعم" تقول ريم، متابعة "ولكن تحت الرقابة، يتم فحص أولى صفحات الكتاب فإذا ناسبهم أعطوني إياه، والعكس صحيح، لكن أغلب الكتب أقرأها عبر الإنترنت".

أما مواقع التواصل، فهي ممنوعة عنها، وبشكل قاطع، تقول ريم "لدى أهلي فوبيا منها، واستخدامي لها سريّ، ولو أنهم اكتشفوا الأمر لا يمكنني تخيّل ما سيحلّ بي.. أفكر كثيراً في حذفها".

"انتماء" وكورونا

في مارس الماضي، دخل العراقيون عزلة إجبارية وإجراءات حظر تجوّل شامل، بقرار حكومي، منعاً لتفشي فيروس كورونا المستجد، قبل أن يتم تخفيف الإجراءات وتعود الحياة بشكل تدريجي إلى طبيعتها، لكن ليس مع النساء اللاتي يعشن عزلة ريم.

تقول ريم عن فترة الحظر "حبّيته" مضيفةً "حسيت بانتماء للعالم، وأن كل الناس صاروا مثلي، حيث عاشوا ما عشته، وبات خروجهم مقيّداً".

ملاحظة: اسم ريم مستعار، اختارته صاحبة القصة لنفسها، متحفظة على نشر اسمها الحقيقي.

رحمة حجة

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.