العراق

مسيحيون من نينوى: نزحنا مرة أخرى بسبب الميليشيات

دلشاد حسين
22 يونيو 2020

تتحدّث بعض العائلات المسيحية في العراق عن نزوحها مجددا من سهل نينوى شرق الموصل، باتجاه إقليم كردستان العراق أو الهجرة الى خارج البلاد، بسبب سيطرة بعض الميليشات على مناطقها، وتبدي تخوفها من عملية تغيير ديموغرافي أو حتى الاستيلاء على ممتلكاتها الخاصة والعامة. 

 وتمكن الجيش العراقي وبإسناد من الطيران الأميركي من تحرير مدن سهل نينوى التي يسكنها غالبية عظمى من المسيحيين مع انطلاقة معارك تحرير الموصل من تنظيم داعش في أكتوبر 2016 لكن مليشيات اللواء ٣٠ المعروفة بحشد الشبك التابعة للحشد الشعبي، سرعان ما أخذت زمام الأمور مستغلة انشغال القوات الأمنية العراقية بمعارك الموصل، وفرضت سيطرتها على كافة مدن سهل نينوى.

"تعرّضنا لمضايقات"

ينتظر سالم بولص، وهو مسيحي من سكان الحمدانية، استقرار الوضع الأمني في مدينته وخروج المليشيات منها، ليتمكن من العودة وممارسة عمله فيها بعد أن اضطر إلى النزوح للمرة الثانية، بسبب المضايقات التي تعرض لها هو وأقرانه من المسيحيين على يد هذه المليشيات.

يقول بولص لـ "ارفع صوتك": "عدت بعد التحرير إلى الحمدانية وأعدت إعمار بيتي الذي تعرّض لعدة أضرار بسبب المعارك، أقمت فيه مدة قصيرة قبل أن أنزح مجدداً لأربيل".

"فالحمدانية وكافة مدن سهل نينوى تشهد تشديدات من قبل مليشيات اللواء 30 من الحشد الشعبي، لذلك لم أجد الأمان والاستقرار في مدينتي وقررت النزوح"، يضيف بولص.

ويشير  إلى أن "المليشيات استغلت تواجدها العسكري في المنطقة بحجة التحرير، ونقلت فيما بعد أقارب مسلحيها وعائلاتهم من مناطق محافظة نينوى الأخرى والعراق إلى سهل نينوى".

ويتابع بولص "المليشيات تتجاوز على الأراضي التابعة للبلدية وتستولي عليها لبناء بيوت في المدينة لعائلات مسلحيها وتحتكر فرص العمل للمنتمين إليها، على حساب أبناء المدينة الذين باتت أوضاعهم المعيشية صعبة جدا"، لافتا إلى أن قسما من الشبك الذين رفضوا الانتماء إلى هذه المليشيات وتضامنوا مع المسيحيين تعرضوا بدورهم للتهجير.

ميخا حنا مواطن مسيحي آخر من قرية باطنايا في سهل نينوى، رغم عودته إلى قريته لكنه اضطر للنزوح مجددا واستقر في بلدة تلسقف المحاذية لقريته منتظرا استقرار الأوضاع فيها كي يعود مرة أخرى ويزاول عمله في الزراعة.

يقول حنا لـ"ارفع صوتك": "تعرضنا لمضايقات عديدة من قبل المليشيات المسيطرة على مناطقنا، وشملت هذه المضايقات مختلف مجالات الحياة خاصة في العمل والتنقل وفي أي خطوة نخطها، فهم يفرضون الأتاوات على المحاصيل الزراعية وعلى الفلاحين وأصحاب المشاريع التجارية والصناعية وأصحاب سيارات الحمل، حيث أخذوا مني سيارة حمل كبيرة محملة بالحنطة من المحصول الذي زرعته اثناء فترة التسويق ولم أكن الوحيد فقد أخذوا نفس الكمية من كل فلاح من الفلاحين الموجودين في منطقتنا".

وطالب حنا المجتمع الدولي بتوفير حماية دولية للمسيحيين في مناطقهم أو أن تفرض الحكومة القانون بحيث لا يتعرض أي مواطن للمضايقات أو إعادة الأوضاع فيها إلى ما كانت عليه قبل عام 2014، حيث كانت خاضعة لقوات أمنية مشتركة من الجيش العراقي والبيشمركة.

سجناء داعش

في ذات السياق، أشار بطرس عيسى الذي نزح من قضاء تلكيف في سهل نينوى إلى بلدة تلسقف، إلى أن نقل الآلاف من سجناء داعش الخطرين لسجن تلكيف، يعتبر هو الآخر عاملا من عوامل النزوح الثاني لسكان سهل نينوى من مناطقهم.

وقال لـ"ارفع صوتك": "إلى جانب التغيير الديمغرافي والمضايقات المختلفة التي تمارسها المليشيات ضد المسيحيين في هذه المناطق، يشكل سجن تلكيف سببا آخر لهجرة سكان هذه المنطقة، نحن نخشى من تواجد هذا العدد الكبير من الإرهابيين بيننا في ظل ضعف الإجراءات الأمنية المتبعة، إضافة الى أن هذه المليشيات المسيطرة على المنطقة تستولي على الممتلكات والبيوت والعقارات وتسكن فيها عائلات مسلحيها".

وحاول "ارفع صوتك" التواصل بالمكتب الإعلامي لمحافظة نينوى، للحصول على تصريح بخصوص هذه الشكاوى، الا أنه اعتذر عن الإدلاء بأي تصريحات، لأن "عملهم الإعلامي لا ينصب بالاتجاه الخاص بالملفات السياسية" حسب ردّ المكتب.

دلشاد حسين

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.